ما زال تلوّث الهواء يمثّل معضلة حقيقيّة في العالم، ويعبّر خبراء كثيرون عن تشاؤم في ما يخصّ الحدّ منه، لا سيّما أنّ لا خطوات عمليّة جديّة تُسجَّل في هذا الإطار. وفي هذا الوقت من العام، موسم الأمراض التنفسية التي يحفّزها فصل البرد، يزيد تلوّث الهواء من تدهور صحّة أعداد كبيرة من الأشخاص، علماً أنّ 99% من سكّان المعمورة يستنشقون هواءً ملوّثاً بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
وبينما يؤرّق تلوّث الهواء الجهات المعنية بشؤون البيئة، سواءً الأممية منها أو العالمية أو المحلية، تُسجّل محاولات لتفادي آثاره السلبية والعمل المتواضع للحدّ منه، من خلال نصائح وتوجيهات ودعوات للانخراط بقدر المستطاع في مكافحة هذه الأزمة البيئية الكبرى. فهذا التلوّث يطاول بتداعياته أعضاءنا الحيوية، فتتسبّب في 36% من الوفيات بسرطان الرئة، وفي 34% من الوفيات بالسكتات الدماغية، وفي 27% من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب.
وفي كلّ عام، يتسبّب تلوّث الهواء في سبعة ملايين وفاة مبكرة وخسارة ملايين آخرين صحتهم في العالم. بين الأطفال، يشمل تدهور الصحة نموّا ناقصا في الرئتَين ووظائفهما، بالإضافة إلى التهابات تنفسية وتفاقم إصابات الربو. أمّا بين البالغين، فيُعَدّ مرض القلب الإقفاري والسكتة الدماغية من أكثر الأسباب شيوعاً للوفاة المبكرة التي تأتي نتيجة تلوّث الهواء في الخارج. وثمّة معطيات تدلّ كذلك على تبعات صحية أخرى على البالغين، من قبيل داء السكري وحالات تنكسية عصبية. وبحسب خبراء منظمة الصحة العالمية، فإنّ عبء المرض المنسوب إلى تلوّث الهواء يأتي مساوياً لأعباء مخاطر صحية عالمية رئيسية أخرى، من قبيل النظام الغذائي غير الصحي وتدخين التبغ.
وإذ يشدّد خبراء أمميون على أنّ لكلّ طفل الحقّ في هواء نظيف، يوضحون أنّ 1.7 مليون طفل يقضون سنوياً نتيجة تلوّث الهواء والتدخين السلبي (أحد مسبّبات تلوّث الهواء في الأماكن المغلقة) والمياه غير الآمنة والنقص في الإمدادات الصحية وتدنّي النظافة الشخصية.
وفي سياق متصل، يؤثّر تلوّث الهواء سلباً على حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي، علماً أنّ هذا المرض يقتل أكثر من طفل واحد من بين كلّ 10 أطفال دون خمسة أعوام. وتُسجَّل سنوياً أكثر من 740 ألف وفاة في هذا الإطار، فيُعَدّ الالتهاب الرئوي أكثر الأمراض المعدية التي تقتل الأطفال في العالم. وللوقاية من الالتهاب الرئوي عند الأطفال، يُنصَح بالتخفيف من تعرّضهم إلى تلوّث الهواء في الأماكن المغلقة، وتفادي التدخين على مقربة منهم، وتوفير التحصين باللقاحات المناسبة وكذلك التغذية الكافية لهم.
وإلى جانب الالتهاب الرئوي الذي يهدّد الملايين حول العالم، خصوصاً الأطفال، يعاني أكثر من 250 مليون شخص من مرض الانسداد الرئوي المزمن على مستوى العالم. وعلى الرغم من أنّ هذا المرض غير قابل للشفاء، فإنّ العلاج المناسب قادر على تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة والتقليل من خطر الموت. ويرتبط هذا المرض ويتفاقم بتلوّث الهواء كذلك، فأسبابه الرئيسية هي تدخين التبغ أو التعرّض السلبي له، وتلوّث الهواء في الأماكن المغلقة، وتلوّث الهواء في الخارج، والغبار، والمواد الكيميائية في الأماكن العامة.
تجدر الإشارة إلى أنّه وسط تلوّث الهواء المستشري، ومع كلّ نَفَس، يستنشق كلّ واحد من المعرّضين له معادن سامة، والدخان الناجم عن الوقود، والنيترات، والكبريت، والأتربة، وغبار الطرقات، وملح البحر.
وبهدف تحسين جودة الهواء، ينصح المعنيون والخبراء بالطبخ والإضاءة والتدفئة والتبريد بواسط مصادر طاقة نظيفة، واستخدام وسائل النقل العام والتنقّل على الأقدام وركوب الدراجات الهوائية، بالإضافة إلى التقليل من إنتاج النفايات وحرقها. إلى جانب ذلك، يُنصَح من تتوفّر له الإمكانية، بقضاء وقت معيّن في الطبيعة، من خلال رياضة المشي على سبيل المثال أو النزهات، مرّات عدّة في الأسبوع، إذ من شأن ذلك أن يجعل الرئتين تنشطان وتنظّفان نفسَيهما.
ويبقى أنّه من غير الممكن الحصول على هواء آمن، طالما أنّ الشركات والمصانع المسؤولة عن تلويث الهواء مركّزة وسط الأماكن السكنية أو على مقربة منها، وطالما ما زالت بمعظمها تعتمد على مصادر طاقة غير نظيفة، ولا تعالج بأساليب بيئية ما ينتج عنها من مخلّفات كيميائية ملوّثة. كذلك لن يسجّل الوضع تحسّناً طالما أنّ الطرقات مكتظة بالمركبات العاملة على الوقود الأحفوري، إلى جانب أنشطة وعوامل أخرى مختلفة.