تلاميذ مصر.... عام دراسي جديد بحقائب وأحذية مهترئة

24 سبتمبر 2024
تضاعفت أسعار المستلزمات المدرسية في مصر (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يونس ووالدته يواجهان تحديات اقتصادية، حيث تضطر والدته لترميم الحقائب والأحذية القديمة لأبنائها بسبب ارتفاع التكاليف.
- أولياء الأمور مثل دينا سعد وعبد الرحمن محمد يلجؤون لحلول مؤقتة كالجمعيات والمعارض الشعبية لتدبير المستلزمات الدراسية.
- الأزمة الاقتصادية تؤثر على الصناعات الجلدية، حيث يزداد الإقبال على الترميم، بينما تتراجع مبيعات الحقائب المدرسية، مع زيادة في التصدير وارتفاع الأسعار المحلية.

في أول أيام العام الدراسي الجديد، يحمل يونس، التلميذ بالمرحلة الإعدادية (14 سنة)، حقيبة الظهر المدرسية المرممة متجهاً إلى مدرسته الحكومية بمحافظة الجيزة، حاملاً همّ نظرة زملائه له حين يطالعون الحقيبة المخيطة بطريقة واضحة وغير متقنة، إذ قام "الإسكافي" بترميم الأجزاء الممزقة فيها بعجلة كي يتسنى له الانتهاء من كثير من الحقائب والأحذية الممزقة المكدسة أمامه قبيل أيام من بدء السنة الدراسية.
في طريقه الذي يستغرق 15 دقيقة يقطعها مشياً، لم يتغير شيء عن العام الماضي سوى أنه كبر عاماً، فهو يرتدي نفس الحذاء، ويمشي على ذات الطريق، وفوق ظهره الحقيبة ذاتها، ولو لم يكن قد انتقل من الصف الأول الإعدادي إلى الثاني الإعدادي لما شعر أن شيئاً تغير.
تروي والدته الموظفة التي تحفظت على ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أنها حسبت مع والده تكاليف الحقائب المدرسية الجديدة لأبنائها الأربعة، فوجدت أن عليهما دفع نحو ألفي جنيه على الأقل (الدولار يساوي نحو 50 جنيهاً)، علاوة على نحو ألف وخمسمائة جنيه مقابل الأحذية الجديدة، ما جعلها تفضل ترميم الحقائب والأحذية القديمة المهترئة ليمضي بها أبناؤها العام الدراسي الجديد.
تقول أم يونس: "أعلم كم أن ذلك سيحرج الأطفال أمام زملائهم، لا سيما أنهم اعتادوا اقتناء حقائب وأحذية جديدة في كل عام، لكن ما باليد حيلة، فهذا العام بات أصعب علينا كأسرة مع زيادة أسعار كل شيء. فشلت في المشاركة بأي جمعية (هي عبارة عن مبالغ شهرية تُجمع من عدة مشتركين ثم يتوالى قبض كل فرد فيها جملة المبالغ حين يحين دوره) فالجميع ضبطوا مواعيد القبض على توقيت افتتاح المدارس في سبتمبر/ أيلول تحسباً للمتطلبات".
بدورها، نجحت دينا سعد في تدبير جمعية مبكراً، إذ تشاركت مع أخريات في الجمعية التي كان من حظها أن المشاركات الأخريات لا يطلبن القبض مع دخول المدارس، ما جعلها تتمكن من تدبر أمر الأحذية الجديدة، لكن لم يتبق مبلغ كاف من الستة آلاف جنيه التي قبضتها لشراء حقائب مدرسية لبناتها الثلاث، فقررت أن الحقائب القديمة بمقدورها الصمود لعام آخر مع قليل من الترميم. تقول لـ"العربي الجديد": "أعول بناتي وحدي بعد رفض طليقي المشاركة بحجة العجز عن الإنفاق على مستلزماتهن الدراسية عقب زيادة النفقة المفروضة عليه".
أما عبد الرحمن محمد، وهو ولي أمر ثلاثة تلاميذ في المرحلة الابتدائية، فقد تحايل على الأزمة عبر شراء حقائب وأحذية من معرض سنوي في شارع فيصل الشعبي الشهير بمحافظة الجيزة، وهي تباع بأسعار مخفضة عن المعروض بالمتاجر، رغم أن جودتها أقل من المطلوب، لكن يمكنها الصمود إلى نهاية العام. ويقول: "فرحة الأطفال بالعام الدراسي الجديد تشبه فرحتهم بالعيد، ومن المؤلم كسر فرحتهم به لأسباب يتعذر عليهم فهمها في هذه السن الصغيرة. ربما يحتاجون خلال شهور العام الدراسي لحقائب بديلة، لكني أخطط لترميمها إن نفع ذلك لتكمل العام".

بدأ كثير من أطفال مصر العام الدراسي بحقائب وأحذية قديمة (محمد الشاهد/فرانس برس)
بدأ كثير من أطفال مصر العام الدراسي بحقائب وأحذية قديمة (محمد الشاهد/فرانس برس)

بدوره، يبدي فواز بهجات، وهو إسكافي في الخمسينيات من عمره، اندهاشاً من حجم الإقبال ونوعية الزبائن الجدد، لافتاً إلى أنه لم يشهد منذ عمل بتلك المهنة هذا الإقبال على إصلاح وترميم الحقائب الجلدية القديمة والأحذية قبيل العام الدراسي. ويكشف لـ "العربي الجديد"، عن مزيج متناقض من المشاعر، فهو فرح لزيادة نشاطه، ما يعني مدخولاً مالياً أعلى، وفي ذات الوقت مشفق على أولياء الأمور، وحلاً لتلك المعضلة النفسية، يبدي تساهلاً في أجرته، فيقبل ما يعطونه من دون مبالغة، لأنه مثلهم لديه أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، ويشعر مثلهم بما يعانونه من غلاء.
يعدد بهجات، وهو من سكان منطقة عين شمس شرقي القاهرة، نوعيات زبائنه مؤكداً أنهم من طبقات مختلفة، وليسوا من الطبقة الفقيرة كما كان الحال في السابق. ويوضح: "جاءني مؤخراً زبون يعمل موظفاً بشركة مياه الشرب المجاورة لمحلي، وكان يمر في كثير من الأحيان من دون أن يلقي السلام، لكنه بات من رواد المحل الدائمين".
وعلى خلاف ما قاله الإسكافي من أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المصائب عند البعض مضاعفة. من هؤلاء علي جبر، وهو صاحب مكتبة لبيع مستلزمات المدارس بوسط القاهرة، وقد تكبد خسائر غير مسبوقة بعد شراء كمية كبيرة من الحقائب المدرسية قبل أسابيع لبيعها في موسم المدارس، بيد أن ما باعه لا يتجاوز نصف ما اشتراه، ما يعني أنه فعلياً تعرض لخسارة كبيرة، لأنه في مثل هذه الأيام من كل عام، يكون قد انتهى من بيع جل ما عنده محققاً مكاسب جيدة.
ما يخفف عن جبر أحزانه، حسب حديثه لـ "العربي الجديد"، أن بضاعته الراكدة لا تفسد بطبيعتها، وهي باقية للعام القادم، وربما يمكنه خلال العام بيع بعض منها، وهو يأمل في ذلك حتى لا يكون العام القادم مجرد جبر للخسائر الحالية.
من جانبه، ينفي رئيس شعبة الجلود بالغرفة التجارية، محمد مهران، وجود أية أزمات في ما يتعلق بالصناعات الجلدية خلال الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن هناك "رواجاً" في البيع خلال فترة دخول المدارس، وزيادة في الإقبال على الأحذية والحقائب المدرسية. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يتابع مهران: "المعارض التي نظمتها الغرف التجارية في القاهرة والمحافظات، أسهمت في رواج نوعي للصناعات الجلدية، كما أسهمت في تراجع الأسعار، لدرجة أن هناك أنواعاً عديدة من الأحذية لا يتجاوز سعرها مائة وخمسين جنيهاً. الإقبال على الشراء أسهم في استقرار هذه الصناعة، وزيادة الطلب على الإنتاج في ظل زيادة المبيعات مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتجاوز الربع تقريباً".
هذا التناقض بين ما يقوله المستهلكون وتصريحات مسؤولين عن الصناعة، يفسره عضو في غرفة الصناعات الجلدية، تحفظ على ذكر اسمه، قائلاً لـ "العربي الجديد"، إنه "ليس ثمة تناقض، فكلا الموقفين صحيح، إذ انتعشت الصناعات الجلدية بالفعل مع زيادة التصدير الناتج عن خفض العملة المحلية، الأمر الذي جعل المنتجات المصرية منافسة عالمياً، وفي المقابل أسهم ذلك في رفع أسعار ما تبقى للسوق المحلية نتيجة انخفاض كميات المعروض، ما انعكس على عدم قدرة شرائح من المستهلكين على شراء المنتجات الجيدة، فاتجهوا إما للمنتجات ذات الجودة المنخفضة أو قاموا بترميم القديم، وفي كل الحالات، لم يتأثر الإنتاج ولا مبيعات أصحاب مصانع الجلود".

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.