تلاميذ غزة... جرحى وشهداء تفتقدهم مقاعدهم الدراسية

19 ابريل 2024
مبادرات للتعليم داخل خيام في رفح (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استشهاد أكثر من 6296 تلميذًا وإصابة 10 آلاف و641 بجروح في غزة والضفة الغربية جراء العدوان الإسرائيلي، مع تدمير المدارس والمجمعات الطبية واستشهاد 296 معلمًا.
- العدوان أثر بشكل كبير على النظام التعليمي، مما يجعل استئناف العملية التعليمية أمرًا مستحيلًا، وترك آثارًا نفسية وجسدية على الناجين.
- الأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان يعربون عن قلقهم إزاء التدمير الممنهج للنظام التعليمي، مع تدمير أكثر من 80% من المنشآت التعليمية، مما يهدد مستقبل التعليم في غزة.

استشهد عشرات الآلاف جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من بينهم أطفال وتلاميذ. ودّعهم أهلهم كما زملاؤهم ومعلموهم. خلال حصار مجمع الشفاء الطبي، استشهد الطفل أحمد حسنين (سبع سنوات)، في المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق المهجرين في مجمع الشفاء الطبي في مارس/ آذار الماضي. كان تلميذاً في مدرسة غزة الجديدة "ج"، التي تتوسط شارع عز الدين القسام وتبعد مئات الأمتار عن المجمع الطبي.
كان يحكي لعمه عماد حسنين، الذي رافقه وعائلته في رحلة التهجير المتكررة، أنه يريد العودة إلى المدرسة قبل المنزل، كونها أقرب إلى مجمع الشفاء الطبي، كما أنه يشتاق إلى صوت جرس المدرسة لأنه ليس مزعجاً مثل صوت طائرات الاستطلاع التي لا تغيب عن سماء غزة، لكنه استشهد نتيجة القصف على أقسام الطوارئ. 
يقول عماد حسنين: "استشهد نجل شقيقي وهو يحلم بالعودة إلى مقعده الدراسي الذي لا يبعد عنه كثيراً. أبنائي أيضاً كانوا يحلمون بالعودة إلى المدرسة نفسها. لكن بعد استشهاده، توقفوا عن الحديث عن أحلامهم المتعلقة بالمدرسة أو العودة إليها لأن الحرب تقتل تطلعات التلاميذ إلى المستقبل".
كما لم تدم فرحة الطفلة حبيبة محمد أبو عيادة (خمس سنوات) في المدرسة. استشهدت برفقة أسرتها في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلهم في الحي السعودي، غربي مدينة رفح، جنوبي القطاع. وأفادت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية باستشهاد 6296 تلميذاً وإصابة 10 آلاف و641 بجروح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية. كما استشهد 296 معلماً ومعلمة. ويرجح أن يكون مئات التلاميذ الجرحى قد أصبحوا من الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي قد يعيق مستقبلهم التعليمي وسط غياب أي أفق علاجي أو نفسي في القطاع. 
لقيت حبيبة مصيرها مع جميع أفراد عائلتها، أي والدها وأشقائها ووالدتها. استشهد 11 فرداً في المنزل، وهو خبر صدم معلماتها في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، اللواتي كن يتابعنها ويعتنين بها. حبيبة كانت تحفظ أغنيات الأطفال والأناشيد وبعضاً من آيات القرآن، كما تقول المعلمة نسرين أبو العبد. تقول لـ"العربي الجديد": "أصعب المشاهد ليست تلك التي تصورتها، وهي توديع زميلاتي المعلمات اللواتي جمعتني بهن علاقة ود على مدى 15 عاماً من عملي مدرّسةً، بل الأطفال الذين بنيت معهم الكثير من الذكريات. بعض التلاميذ الشهداء كانوا قد أصبحوا في مدارس ثانوية في المنطقة التي أعيش فيها بحي الجنينة، جنوب شرق مدينة رفح". 
تضيف: "ودعت خمس معلمات شهيدات من زميلاتي وأطفالهنّ. كما ودعت أطفالاً كنت أدرسهم، من بينهم الشهيدة حبيبة أبو عيادة، وهي طفلة جميلة وبريئة. بعض الأطفال في غزة لا يعتبرون المدرسة مؤسسة تعليمية فقط، بل متنفساً لهم ومكاناً يقضون فيه وقتهم خارج المنازل والمناطق المكتظة بالسكان في المخيمات وبقية مناطق القطاع، إذ ما من مساحات أو متنزهات للعب".

غزة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
كان يفترض أن يكون على مقاعد الدراسة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

أحلام

استشهد أحمد ثماني (ثماني سنوات)، وهو نجل محمد نصر (35 عاماً)، بالإضافة إلى أبناء شقيقه الثلاثة خلال استهداف مخيم جباليا، شمالي القطاع، في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكان الوالد يحمل حقيبة نجله الذي كان في الصف الثالث ابتدائي، وظل يبحث عنه على مدار نصف يوم، حتى أخرج برفقة جثث أبناء شقيقه الثلاثة. 
كان محمد قد استدان ثمن حقيبة ابنه التي رسمت عليها شخصية سبايدرمان كونه عاطلاً من العمل منذ حوالي عام ونصف العام، وكان طفله يحلم بشرائها منذ العام الماضي. حقق والده حلمه في امتلاكها والتفاخر بها أمام زملائه. ويقول الوالد محمد إنه "لم يمض على حمله الحقيبة أكثر من شهر ونصف الشهر". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "المدرسة كانت متنفس ولديَّ أحمد وريم (12 عاماً)، وهما طفلان متفوقان يحبان المدرسة واللغة الإنكليزية. كانا يرغبان في تأليف قصص باللغة الإنكليزية عن أطفال غزة وحياتهم في المخيم ومعاناتهم وقوتهم وذكائهم. لكن أحمد استشهد قبل أن يحصل على زي نادي برشلونة الذي يحب، وبقيت شقيقته ريم وحيدة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وودّع مدرس مادة التاريخ محمود أبو الفول (39 عاماً)، الذي يدرس في مدرسة غزة الجديدة الإعدادية "ب"، عدداً من زملائه المعلمين في مدارس مختلفة، بالإضافة إلى تلاميذ في المرحلة الإعدادية من حي النصر ومخيم الشاطئ. رأى صور وأسماء بعضهم بين الشهداء. يذكر أنهم كانوا مميزين ومقربين منه، وقد أحبوا مادة التاريخ. كانوا يتفاعلون مع القصص التاريخية الفلسطينية والعربية التي يرويها لهم ويدعمها بالصور والرسوم على اللوح. كانوا يقولون له إنه قادر على أن يكون صانع محتوى، ووعدوه بدعم قناته على يوتيوب إذا ما أنشأها، وخصوصاً الشهيد براء البردويل (13 عاماً).
صادف المدرس أبو الفول أحد تلاميذه مع عائلته في الفصل نفسه الذي هجّر إليه داخل مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، على مقربة من مخيم رفح، جنوبي قطاع غزة، وعلم منه أن عدداً كبيراً من تلاميذه باتوا من الشهداء. جميعهم تجمعهم ذكريات مع المعلم لكنه تأثر كثيراً لخبر استشهاد تلميذه براء البردويل. فالأخير كان يحلم بأن يصبح مدرساً لمادة التاريخ.

خسروا زملاء لهم على مقاعد الدراسة (فرانس برس)
خسروا زملاء لهم على مقاعد الدراسة (فرانس برس)

ويقول أبو الفول لـ"العربي الجديد: "ودعت تلميذي المميز الذي كان يبحث عبر الإنترنت عن معلومات تاريخية ويحضر في اليوم التالي حتى يناقشها معي. لا أعلم كيف نبدأ التعليم بعد هذا العدوان. في كل عدوان إسرائيلي على مدار 15 عاماً من عملي مدرساً كنا نحرص على التفريغ النفسي ومنح التلاميذ مساحة للحديث عما حصل معهم وتسهيل حصولهم على المزيد من العلامات. لكن هذا العدوان كان الأشد على التلاميذ".

التعليم في خطر

من جهته، يشير معلم اللغة العربية ربيع أبو ستة، الذي يعمل في مدرسة بمدينة خانيونس، إلى أن مستقبل التعليم سيواجه مشاكل على مدى أكثر من عشر سنوات في ظل التدمير الهائل والتلاميذ الذين استشهدوا، والذين سيبقون في ذاكرة المؤسسات التعليمية لسنوات مقبلة، وخصوصاً أن عدد الشهداء التلاميذ هو الأعلى منذ أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948.
يقول أبو ستة لـ"العربي الجديد": "ربما هي أسوأ سنة دراسية في منطقة الشرق الأوسط. التلاميذ في حصار دائم والمعلمون والتلاميذ في رحلة تهجير. لا أدري إن كنت سأبقى حياً أصلاً إلى حين انتهاء الحرب. لكن تهجير أكثر من مليون ونصف المليون غزي من منازلهم وتدمير وقتل معلمين وتلاميذ، سيجعلان استئناف العملية التعليمية بشكل طبيعي أمراً مستحيلاً".
بدورها، تقول المرشدة التربوية في دائرة التربية والتعليم في محافظة غرب غزة هند أبو عطية إن العدوان الإسرائيلي الحالي لن يجعل التلاميذ في حالة نفسية مستقرة خلال العام الدراسي الحالي. حالة النزوح في قطاع غزة تعتبر الأشد منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، بالإضافة إلى قسوة المجازر والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، ما يؤدي إلى شعور التلاميذ بقلق دائم وعدم قدرة على التركيز.

غزة (ياسر قديح/ الأناضول)
اشتياق إلى حياة ما قبل العدوان (ياسر قديح/ الأناضول)

وتوضح أبو عطية في حديثها لـ"العربي الجديد": "يجب التركيز على التفريغ النفسي وتقليص ساعات الدراسة وتعزيز الأنشطة الفكرية والمخاطبة وتحسين جودة مشاركة التلميذ حتى يكون عاماً جيداً. الأزمة التي يشهدها قطاع التعليم هي الأسوأ". 
ويرى مدير مدرسة بيت لاهيا الثانوية للبنين زياد خليل، الموجود بين النازحين في مدينة رفح، أن العدوان الإسرائيلي الحالي قضى على سنوات تعليمية مقبلة في قطاع غزة، علماً أن قطاع التعليم كان يواجه قبل العدوان الإسرائيلي معوقات عديدة بسبب الحصار الإسرائيلي، بالإضافة إلى عدم السماح بتطوير الوسائل التعليمية الحديثة، وتقييد حركة التنقل والتواصل بين مدارس الضفة الغربية وقطاع غزة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير إلى أنه في ظل تدمير المدارس وقتل التلاميذ والمعلمين يتوقع مرحلة كارثية ما بعد الحرب، ويذكر أنه كان يعمل ناظراً في إحدى المدارس التي تعرضت للتدمير خلال عدوان عام 2014، واحتاجت إعادة إعمارها سنوات، ويقول لـ"العربي الجديد": "واجهنا أضراراً نفسية عانى منها التلاميذ بعد عدوان عام 2014، لكن العدوان الحالي هو أكثر شراسة في ظل التدمير الكبير للمدارس والمرافق. هل ستكون إعادة إعمار المدارس بعد انتهاء العدوان سريعة؟ هل سيرفع الحصار الإسرائيلي؟ هل ستكون هناك حرية تنقل بعد العدوان؟".
يضيف: "الأسئلة كبيرة. لو كانت الإجابات نعم، حينها يمكن استكمال المسيرة التعليمية. لكن في حال بقاء الوضع في غزة كما كان عليه الحال قبل العدوان، مع الدمار والقتل الحالي، فإننا سنواجه أمراضاً نفسية وأوبئة تدوم لسنوات لأن ما تعرضنا له حرب إبادة تمسح أي ذكريات تعليمية في غزة".
إلى ذلك، أعرب خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقهم إزاء التدمير الممنهج والمتعمد للنظام التعليمي في قطاع غزة، والهجمات على المدارس والجامعات والمعلمين والطلاب. وأشار الخبراء، في بيان، إلى تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 80 في المائة من المنشآت التعليمية في قطاع غزة.

المساهمون