تشهد العديد من المناطق التونسية تكرار انقطاع المياه، والذي يتواصل لأيام في بعض الأحيان، ما يؤدي إلى تكرار الاحتجاجات بشكل شبه يومي أمام المكاتب الجهوية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وقطع الطرقات في بعض المناطق، خصوصاً الداخلية.
وتعيش مدينة الرديف بمحافظة قفصة حالة من الاحتقان خلال الفترة الأخيرة، بسبب انقطاع مياه الشرب لأكثر من أسبوعين، ويتجمع السكان في وسط المدينة يومياً للاحتجاج، ومطالبة السلطات بحلول تضمن إيصال الماء إلى الأحياء التي يتكرر فيها الانقطاع.
وحسب الشركة الوطنيةً لاستغلال وتوزيع المياه، فإن عدة أعطاب قد طاولت مضختي بئرين تزودان مدينة الرديف بالمياه، ما تسبب في انقطاع المياه عن الأحياء العالية في المدينة، وسيتم اعتماد نظام الحصص في توزيع المياه عبر خزّان المدينة على الأحياء كحل مؤقت حتى إصلاح الأعطاب.
وأكد "المرصد التونسي للمياه" تكرار قطع الطريق الرابطة بين محافظتي صفاقس وقفصة احتجاجاً على انقطاع الماء الصالح للشرب منذ بدء فصل الصيف. فيما عمد أهالي منطقة الكشاردية في محافظة القيروان إلى غلق جميع المؤسسات العمومية ومداخل المدينة عبر إشعال عجلات مطاطية، وذلك احتجاجا على انقطاع المياه بعد تعطل مشروع تزويدهم بمياه الشرب.
يقول عمران الشيباني، وهو أحد سكان منطقة الكشاردية، لـ"العربي الجديد": "تعاني المنطقة سنوياً من أزمة انقطاع المياه، خصوصا خلال الصيف. لكن هذا العام، بات الانقطاع يتواصل لأيام، وحصص المياه يتم توزيعها لوقت وجيز لافتقار المنطقة إلى آبار تحقق الاكتفاء من المياه".
وتدفع أزمة المياه البعض إلى البحث عن مصادر أخرى مثل الأودية والبحيرات التي باتت هي الأخرى تعاني فقراً مائياً ملحوظاً، لاسيما في مناطق الشمال الغربي. لكن العديد من مناطق الجنوب والوسط ليس لديها بديل عن مياه شركة التوزيع. الأمر الذي يضطر سكانها إلى الاحتجاج وغلق الطرقات.
وتشمل الاحتجاجات أيضاً الفلاحين الذين باتوا غير قادرين على توفير المياه لري زراعاتهم، لا سيما إذا انقطع الماء لأيام متوالية، الأمر الذي يهدد محاصيلهم، خصوصاً تلك التي تحتاج إلى ري يومي، كما أن نظام الحصص لا ينجح في عدة مناطق تعتمد على الري من مياه شركة توزيع المياه. الأمر الذي يضطر الكثير من الفلاحين إلى تنظيم وقفات احتجاجية في عدة مناطق.
وأشار المرصد التونسي للمياه في تقريره الأخير، إلى أنه "تم خلال يونيو/حزيران الماضي، تسجيل 245 بلاغاً يتعلق بأزمة المياه، من بينها 228 بلاغاً يتعلق بانقطاع المياه". والإحصاءات غير دقيقة، لأن العديد من المناطق التي تشهد اضطراباً كبيراً في توفر مياه الشرب لا تبلغ عن حالات انقطاع.
وبين المرصد في دراسة أن "250 ألف شخص مازالوا يستخدمون مياه الشرب غير المحسنة، ومعظمها من الينابيع والآبار، كما يستخدم 900 ألف شخص مرافق الصرف الصحي غير المحسنة"، وأنه تلقى خلال عام 2022، حوالي 2299 بلاغاً من مواطنين، من بينها 74 شكوى من تدهور نوعية المياه، فيما تتعلق بقية البلاغات بانقطاع المياه بشكل متكرر، مؤكداً أن "الحديث عن جودة المياه لا يقل أهمية عن موضوع توفرها".
وأشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحصول على مياه الشرب المأمونة، في تقريره لسنة 2022، إلى أن "57 في المائة فقط من التونسيين يتمتعون بمياه شرب مأمونة".
وباتت عدة جهات، خصوصاً في محافظات القصرين، وقفصة، والقيروان، وسيدي بوزيد، تشهد كل صيف حالة من الاحتقان بسبب عدم توفر المياه، أو انقطاعها لأيام متواصلة، وتلك المناطق تعتمد فيها شركة توزيع المياه على الآبار العميقة لتوفير مياه الشرب.
وعلى الرغم من الاحتجاجات المتكررة سنوياً في تلك المناطق، لم يتم توفير حلول، بينما يطالب السكان بحفر آبار جديدة لتفادي الأزمة، لا سيما أن تلك المناطق باتت تشهد كثافة سكانية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، والآبار المستغلة باتت تعاني نقصاً كبيراً بسبب استنزافها من قبل السكان.
وذكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دراسة حديثة حول أزمة المياه، أن عدد الاحتجاجات ذات العلاقة بالماء بلغت في عام 2021، نحو 634 احتجاجاً، وأغلبها بسبب انقطاع المياه لأيام متواصلة، وأكد أن "منظومة المياه تحتاج إلى مراجعة كبيرة بسبب التغيرات المناخية، وبسبب تغير التركيبة السكانية من منطقة إلى أخرى، وما يتطلبه ذلك من توفير مضخات وآبار جديدة، كما أن العديد من السدود باتت تشهد تأثيرات بسبب امتلائها بالطمي والحجارة، ما يقلل قدرتها على استيعاب كميات أكبر من الأمطار، ويؤثر على نسق توزيع المياه الموجّهة للاستعمال المنزلي، أو الري الزراعي".