تعاني مستشفيات لبنان من نفاد مخزون المازوت مع ارتفاع ساعات التقنين بالتيار الكهربائي والنقص الحادّ في المادة، ما ينذر بكارثة صحية دفعت المعنيين إلى رفع الصوت عالياً ومناشدة المسؤولين التدخّل سريعاً لحلّ الأزمة.
وأكّدت نقابة أصحاب المستشفيات في بيانٍ، أمس الأربعاء، أنّ عدداً من المستشفيات قد استنفدت المخزون الموجود لديها من مادة المازوت، وما بقي لا يكفي لتأمين حاجة الأربع والعشرين ساعة المقبلة.
وناشدت النقابة المسؤولين المعنيين كافة، ضرورة تأمين المازوت للمستشفيات على الفور، وإلا "فنحن مقبلون على كارثة صحية مع عدم قدرة المستشفيات على تأمين التيار الكهربائي، علماً أننا أفدنا بأنّ الشركات الخاصة المستوردة ما زال لديها المخزون من المادة".
ويعيد التاريخ نفسه بالنسبة إلى المستشفيات في لبنان، منها مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، الذي كان قد أعلن في يوليو/ تموز 2020 حال طوارئ كهربائية، عاد واعتمدها اليوم، مع اعتماد إجراءات جديدة يقع ضحيتها مرّة أخرى الإداريون، على رأسها وقف التكييف، حفاظاً على سلامة المرضى.
يقول رئيس دائرة الهندسة والصيانة في مستشفى رفيق الحريري، جهاد شحيمي، لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يحصل اليوم، أسوأ بكثير مما حصل سابقاً، من حيث ساعات التقنين التي تخطّت 21 ساعة في اليوم، الأمر الذي تطلّب تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة باستمرار وبأقصى قوّتها، ما يؤدي حكماً إلى استهلاكٍ إضافي كبير لمادة المازوت فاق الثمانين في المائة". ولفت إلى أنّ "كل ساعة انقطاع للكهرباء نستهلك فيها 500 ليتر مازوت".
ويشير شحيمي إلى أنّ المستشفى عاش 12 يوماً من العذاب، وقد تواصل مديره العام، فراس أبيض، مع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، ريمون غجر، الذي عمل على خفض التقنين وتأمين الكهرباء بحدود 12 ساعة بتواقيت مختلفة، ما ساهم في تحسّن طفيف في التغذية.
ويلفت إلى أنّ المستشفى "لجأ إلى خطة طوارئ لتدارك الوضع وتخفيف استهلاك المازوت، من خلال إطفاء التكييف عن المكاتب الإدارية كما فعلنا العام الماضي، وأبقينا تشغيلها على صعيد غرف العمليات والمرضى والمعدّات الطبية والآلات الحساسّة التي لا تحتمل الرطوبة وتحتاج إلى تبريدٍ متواصل".
ويؤكّد رئيس دائرة الهندسة أنّ "الوضع تحسن قليلاً، لكن مصير الأيام المقبلة مجهول، وللأسف أعادنا المسؤولون إلى العصر الحجري". ولفت في السياق إلى تلقي المستشفى مساعدات وتبرّعات يوم الثلاثاء، "كناية عن كميات من المازوت، منها 15 ألف ليتر من شركة كورال و5 آلاف ليتر من الجيش اللبناني و350 ليتراً من شخص يدعى سيتراك، في بادرة فردية حسنة نقدّرها كثيراً، وهو ما أبقانا في برّ الأمان نسبياً، ولكن بشكل عام الصورة مأساوية".
ويضيف شحيمي: "تلقينا أيضاً مساعدة من وزارة الصحة العامة، بخمسة آلاف ليتر مازوت لاستمرار التشغيل في المبنى المخصّص لحفظ اللقاحات المضادة لفيروس كورونا التي لا يمكن قطع الكهرباء عن براداتها".
ودقّ الدكتور أبيض ناقوس الخطر، قبل أيام بإعلانه أنّ "وضع تغذية الكهرباء للمستشفى غير مقبول في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 21 ساعة في اليوم، إذ إنّ الفيول غير متوافر، وإذا توافر فإننا نعاني من مشاكل سيولة، والمرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات". وأضاف: "اتخذنا قراراً بإيقاف أجهزة التكييف إلا في الأقسام الطبية، رغم موجة الحرّ"، مشيراً إلى أنه "لا داعي لاستعمال المخيلة أو التهويل، نحن في جهنم حقاً".
وضع تغذية الكهرباء للمستشفى غير مقبول. انقطاع لاكثر من ٢١ ساعة في اليوم. الفيول غير متوفر، واذا توفر، نعاني مشاكل سيولة. المرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات. اخذنا قرار بايقاف اجهزة التكييف الا في الاقسام الطبية رغم موجة الحر. لا داعي لاستعمال المخيلة او للتهويل، نحن في جهنم حقا. pic.twitter.com/y6zlpqjAaZ
— Firass Abiad (@firassabiad) June 28, 2021
وباتت المستشفيات في لبنان محاصرة بالأزمات، ليس فقط على صعيد النقص الحاد في مادة المازوت وشحّ السيولة والتقنين الحادّ، بل أيضاً لناحية ارتفاع سعر صرف الدولار وتوقف الوكلاء عن تسليم المستشفيات المستلزمات الطبية وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة لبنانية، في وقتٍ تجاوز فيه سعر صرف الدولار عتبة 17 ألف ليرة، ما وضع المواطن والمستشفى في مواجهات تتطور أحياناً نتيجة ارتفاع الفاتورة الطبية، عدا عن المشاكل مع شركات التأمين والجهات الضامنة والتقنين المعتمد في استقبال المرضى، وانقطاع أصناف كثيرة من الأدوية، وخصوصاً أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة، وتوقف العديد من الخدمات الطبية في مشهد انهيار غير مسبوق للقطاع الصحي.