"هل يمكن اعتبار عدالة مصر عمياء، مطابقة للرمز المعلق على واجهات المحاكم المصرية، والذي يرمز له بسيدة معصوبة العينين، تحمل ميزانا لا يميل لأطراف النزاع؟ أم أنها ترى وتفرق وترى الفارق الاجتماعي والطبقي والجنسي والديني وقرب الفرد من أجهزة الدولة ونفوذه وتقرر وتحكم بناء على هذه الفروق"، أجابت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية- عن هذا السؤال بإجابة قاطعة "بل ترى وتفرق وتنحاز".
وفي أحدث تقرير صادر عن الشبكة اليوم، والذي استعرضت وقارنت فيه بعض قضايا ووقائع وأحداث السنوات الأخيرة ومواقف العدالة المختلفة بها، خلصت إلى أن أن التنكيل يصاحب المتهمين "اﻷبرياء غالبا" في قضايا الرأي والمعارضين، رغم أن المنسوب لهم "وغالبا دون دليل" هو كلام، أو أراء معارضة، بل وأحيانا مجرد قناعات يحملها في داخله.
وفي حين أن هناك متهمين آخرين، منسوبا لهم اتهامات بالتعذيب أو سوء المعاملة أو حتى الاغتصاب، فيفرج عنهم سريعاً أو تتم محاكمتهم في سنوات أو شهور قليلة، يمكث المعارضون وأصحاب الآراء المغايرة، لسنوات عديدة، دون محاكمة أو إفراج.
وقالت الشبكة إنه "ليس المطلوب هنا المساواة في الظلم، بل المساواة في العدالة والمساواة أمام القانون"، استنادًا إلى نص الدستور المصري وكذلك العهود والمواثيق الدولية التي وقعت وصدقت عليها مصر وباتت جزءا من التشريع المصري بحسب الدستور.
في 2017، أخلت محكمة جنايات جنوب القاهرة الكلية سبيل الضابط كريم مجدي بكفالة مالية، بعد اتهامه بتعذيب المواطن مجدي مكين حتى الموت. ورغم وجود أدلة كافية ووجود شهود وتقرير الطب الشرعي في الواقعة، إلا أن محكمة الجنايات قررت إخلاء سبيل جميع المتهمين في القضية. وبعد ثلاث سنوات من النزاع القضائي، حوكم بالسجن 3 سنوات، بينما حصل باقي المتهمين على البراءة.
وبينما في نفس العام وتحديدًا في يوم 10 سبتمبر/أيلول 2017، تم القبض على المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسرياً في مصر، التي أسسها بعد اختفاء نجله منذ 2013 حتى الآن، من مطار القاهرة، ومُنع من استقلال طائرته المتجهة إلى جنيف بسويسرا لحضور الدورة الـ 113 لفريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري.
وقد تعرض إبراهيم إلى الاختفاء القسري لمدة يومين وهناك مزاعم بتعرضه للتعذيب أثناء احتجازه في مقر الأمن الوطني، ووجهت له النيابة اتهامات بـ"تولي قيادة جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، والتعاون مع جهات أجنبية"، وتم إيداعه بسجن طرة 2 شديد الحراسة وسيئ السمعة. ومازال متولي حبيسًا، واقتربت مدة حبسه من 4 سنوات.
في عام 2018، حكمت محكمة جنايات الإسماعيلية ببراءة الضابط محمد إبراهيم المتهم بقتل طبيب بيطري بالإسماعيلية، بعد قبول النقض المقدم من المتهم على حكم بإدانته وحبسه لمدة 8 سنوات لإدانته بقتل الطبيب.
وفي مايو/أيار 2018، حكمت محكمة جنايات القاهرة ببراءة اثنين من ضباط الأمن الوطني بعد اتهامهم بتعذيب محام بمنطقة المطرية حتى الموت، ثم بعد قبول محكمة النقض الطعن المقدم من المتهمين، أعيدت محاكمتهم لتنتهي بالبراءة.
وفي نفس العام، أُلقي القبض على عبد المنعم أبو الفتوح، مرشح رئاسي سابق، ورئيس حزب مصر القوية، ويبلغ من العمر 70 عاما، بعد أيام قليلة من ظهوره في قناة "التلفزيون العربي" وقناة "بي بي سي" وانتقاده للحكومة المصرية، وتم التحقيق معه في القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة، ووجهت له النيابة وقتها اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وحتى الآن هو محبوس احتياطياً، بدلاً من الإفراج عنه لتصحيح خطأ حبسه، فضلًا عن القبض على محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية، وتدويره أكثر من مرة.
كما تم القبض على وليد شوقي، والمحامي سيد البنا، والمدون أيمن عبد المعطي، وتدويرهم.
شهد عام 2019 إخلاء سبيل الضابط المعتدي على محامي المحلة بضمان وظيفته، وفي نفس العام، أُلقي القبض علي المحامي الحقوقي محمد الباقر من داخل نيابة أمن الدولة، وتدويره، فضلًا عن القبض على ماهينور المصري، المحامية الحقوقية من أمام نيابة أمن الدولة، وتدويرها.
وفي أقل من شهرين قضاهما الضابط عبد الرحمن الشرقاوي، محبوسا احتياطيا في واقعة اعتداء على محامٍ، رغم الآثار الواضحة التي نشرتها أغلب الصحف بما فيها المقربة من الأجهزة الرسمية، ثم انقطعت الأخبار عن القضية حتى اليوم ولم نستطع معرفة هل حوكم أم جمدت القضية، كما تم القبض على محامين أثناء تأدية عملهم ودون اتهامات جادة، وما زالوا محتجزين حتى صدور هذا التقرير.
شهد عام 2020 براءة ضابط شرطة ومعاقبة آخر بعام مع إيقاف التنفيذ بعد اتهامهما بتعذيب مواطن حتى الموت في مركز “قفط” بمحافظة قنا، بينما في نفس العام أكملت علا القرضاوي، ابنة الداعية المعروف يوسف القرضاوي أربعة أعوام في الحبس الاحتياطي منذ احتجازها هي وزوجها حسام خلف منذ القبض عليهما عام 2017، وحين انتهت أول سنتين، تم تدويرهما على قضايا أخرى، وما زالا محتجزين رغم مرور أربعة أعوام، دون محاكمة ودون إفراج! فقط حبس احتياطي انتقامي.
شهد عام 2021، الحكم علي هيثم كامل أبو علي، نجل رجل الأعمال كامل أبو علي، بسنة مع إيقاف التنفيذ، وكذلك إخلاء سبيل المتهمين في قضية الفيرمونت لعدم كفاية الأدلة، وجميعهم من أبناء رجال الأعمال.
وفي حين أن عدم كفاية الأدلة لهؤلاء المتهمين بالاغتصاب في قضية الفيرمونت كان مبرراً للإفراج عنهم، بينما غياب الأدلة، يستتبع استمرار حبس وتدوير متهمين آخرين، ليسوا أبناء مشاهير، لكنهم أبناء ثورة يناير/كانون الثاني 2011.