يتسبب انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في الجو بزيادة درجة الحرارة حول العالم. قد تتأتى هذه الانبعاثات من حرائق الغابات، ومن احتراق بنزين وزيوت السيارات والقطارات والمركبات الفضائية، ومن الفحم المستخدم لتوليد الكهرباء، وغيرها. ويساهم قطع أشجار الغابات بزيادة انبعاثات الكربون لأنها تساهم في امتصاصه من الأجواء.
وبما أن الحيوانات والطيور والزواحف تعيش حيث يمكنها العثور على طعام تأكله، ومواد لبناء المسكن، فإن تغير المناخ يمكن أن يؤثر على وجود احتياجاتها في مكان واحد.
بالنسبة للطيور، فإن تأثير تغير المناخ قد يجعل الطائر غير قادر على العثور على الطعام في نفس الأماكن حيث يمكنه بناء العش فيها. هذا الأمر يجعل الحياة صعبة على كل الكائنات الحية، بما فيها الإنسان، وقد يؤدي إلى انقراض الكثير منها.
أكدت دراسات أجريت في لبنان، على أن معظم الطيور المقيمة أصبحت تضع بيضها قبل 5.5 أيام كل 10 سنوات، وهذا حال طيور الشحرور، والدوري، والغراب، والصقر العوسق، والحسون، والخضيري.
أما الطيور التي كانت تأتي في بداية شهر إبريل/ نيسان، لكي تفرخ في لبنان، فقد أصبح ثلثها يأتي مبكراً في ربيع العقود الثلاثة السابقة بنحو 5 إلى 10 أيام عن السابق. من هذه الأنواع نذكر الصرد أحمر الظهر، والصرد المقنع، والهازجة بيضاء الزور.
ويبدو أن تغير المناخ يقوم أيضاً بدفع الطيور لكي تؤخر الرحيل في الخريف، ففي دراسة أجريت على 9 أنواع في محيط بعلبك في عام 1918، تم العثور على 6 أنواع منها تؤخر مواعيد مغادرتها بالتزامن مع ظاهرة الاحتباس الحراري. وبالتالي تغير المناخ.
في عام 1833، قام عالما طيور بزيارة لبنان، وأصدرا لائحة بأنوع الطيور التي شاهداها، مع تواريخ ظهورها أو مغادرتها للبلاد، ومن بين هذه الأنواع كان عصفور الصلنج الذي ينتمي إلى نوعين، أولهما مقيم ومحدود العدد، وثانيهما يأتي إلى لبنان من فرنسا وإيطاليا في الشتاء، ومن ثم يعود إلى بلاده.
استمرت المشاهدات على حالها من قبل مراقبي الطيور حتى عام 1992، حين لاحظنا أن الصلنج بدأت أعداده في الانحسار سنة بعد أخرى، إلى أن أصبحت أعداده رمزية في لبنان، ثم علمنا من زملائنا في فرنسا وإيطاليا أن الصلنج توقف عن الهجرة من فرنسا جنوبا بسبب ارتفاع درجة الحرارة في الجنوب الفرنسي وفي إيطاليا، والتي أصبحت تعادل درجة الحرارة في لبنان، وتسمح لهذه الطيور بالعثور على الطعام من دون الحاجة إلى الهجرة إلى الأماكن الأكثر دفئاً. وبناء عليه عدلت السلطات الفرنسية قانون الصيد البري ليمنع صيد الصلنج الذي أصبح مقيماً، والقانون يحمي الطيور المقيمة.
أما في لبنان فأصبح ظهور الصلنج في الشتاء نادراً، بينما اتجه البعض نحو صيد الصلنج المقيم كتعويض عن نقص أعداد الصلنج المهاجر، ويفترض أن يزال الصلنج عن لائحة الطيور المسموح بصيدها.
من جهة أخرى قمنا بدراسة طيور شمال وادي البقاع في الفترة ما بين 2008 إلى 2010، وهو مكان شبه جاف، أو شبه صحراوي تسكنه أنواع من الطيور التي تعشش، مثل أبو بليق الرملي، والمطوق المقرن الصحراوي، إلا أننا لاحظنا منذ بداية القرن الحالي أن أنواع طيور صحراوية أخرى استعمرت نفس المنطقة، حيث وجدت فيها بيئة مناسبة بعد أن اشتدت الحرارة في الصحاري الواقعة جنوبي لبنان التي أتت منها، بينما زادت الحرارة في نفس الوقت في شمال البقاع لتماثل تلك التي كانت عليها الصحاري التي هاجرت منها بعض الطيور.
وتطور ظهور الطيور تدريجياً وصولا إلى تفريخها في شمال لبنان، وهذا ينطبق على المطوق المخطط الذيل، وطائر الكرج أو الدري، والمطوق الصحراوي.
في الواقع أن كثيرا من الدورات الحياتية لدى الطيور، وسلوكها، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإشارات من البيئة، مثل تغير الفصول، وقد يحدث عدم التطابق بين البيئة والطائر عندما لا تستطيع الطيور تغيير سلوكها، مثل أوقات التكاثر، أو نوعية مواد العش، أو قرب أماكن المياه من أماكن التعشيش، أو عندما لا تستطيع تغيير سلوكها بما فيه الكفاية ليتزامن مع التغيرات البيئة، مثل تكيفها مع وجود الفريسة المفضلة واستبدالها بالفريسة الثانوية.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)