سبع نساء مقابل رجل واحد في سوق العمل السورية، رقم منطقي لإحصاء تقديري أجرته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام السوري للاطلاع على أوضاع الأعمال في ظل تزايد هجرة الشبان والرجال إلى الخارج، وخسارة عدد كبير منهم خلال الحرب.
وقد اضطرت المرأة السورية أخيراً، سواء في مناطق النظام أو تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة أو الإدارة الذاتية الكردية شمالي وشرقي سورية، إلى امتهان الأعمال الشاقة لعدة أسباب في مقدمها العوز الكبير وفقدان اليد العاملة من الرجال.
قبل عام التقت "العربي الجديد" نساءً يمتهن "العتالة"، أي حمل البضائع الثقيلة في مراكز تجارية ومحلات أثاث ومراكز تبيع مقتنيات أخرى مختلفة في شرق سورية تحديداً، وأظهر التقرير أن مهنة "العتالة" لم تعد حكراً على الرجال الذين يتمتعون بقوة وصحة جيدة، إذ أجبرت المرأة السورية على مزاولتها.
وغير "العتالة"، رصدت "العربي الجديد" الكثير من النساء اللواتي امتهن غسيل السيارات وتكسير الأحجار وصيد السمك وأعمالاً شاقة وصعبة أخرى.
وفي قطاع التربية والتعليم تشهد المدارس السورية في جميع مراحل التعليم وجود عدد أكبر من المعلمات مقابل انخفاض كبير في عدد المدرسين، والنساء غالبية في معظم الإدارات، في حين تخلو بعض المدارس من أي أستاذ.
تقول الموجهة التربوية في مدرسة الحرية بمحافظة السويداء (جنوب) منال أبو صعب لـ "العربي الجديد": "نكاد أن نشهد غياباً كاملاً للمدرسين الرجال، فمدرستنا التي يتألف ملاكها من 15 شعبة و25 مدرساً وإدارياً لا تضم إلا مدرساً واحداً، في حين كان ملاكها يتشكل قبل عشر سنوات من 31 مدرساً غالبيتهم من الرجال.
تضيف: "نشهد تهجيراً منظماً للذكور، فظروف المعيشة القاسية وملاحقة الخدمة العسكرية للشباب دفعتهم إلى الهرب. ويبدو أن مدرستنا (الحرية) هجرت الذكور ويتّمت الإناث".
وفي السويداء أيضاً أنشئ مشغل "فجة خرق" الذي تتجمع فيه نساء من مناطق مختلفة لتنفيذ نشاط إعادة تصنيع أقمشة قديمة.
تقول مديرة المشغل سمر رضوان لـ "العربي الجديد": "جمعتنا ظروف الحرب من عدة مناطق سورية لرسم لوحات أقمشة على النول والسنارة. وتحمل كل لوحة فعلياً قصة زوجة أو أُم هاجر أبناؤها أو غابوا أو قتلوا، وأنا بقيت وحيدة مع من بقي من أفراد عائلتي".
تضيف: "في هذا المكان الذي تعاقبت عليه عشرات النساء وخرجت منه قصص عن الوحدة والغربة التي حلّت بالمرأة السورية ودفعتها الى سوق العمل وتحمّل مسؤولية غياب الرجل المعين، يظهر الواقع الجديد لامتلاك المرأة المنتجة الغلبة في المجتمع السوري".
والحقيقة أنه لا يمكن في بلد لم يعتد يوماً تنفيذ إحصاءات موثوقة حتى لتعداد السكان ونسَب الذكور والإناث أو نسب العمالة والبطالة، تقدير حقيقة تأثير فاجعة الحرب على حياة المرأة السورية واقع تحمّلها مسؤولية الأعمال المتعبة والشاقة، لكن مصدراً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كشف لموقع "أثر" الموالي للنظام مؤشرات توحي بحصول زيادة واضحة في عمالة المرأة نتيجة خروج نسبة ذكور كبيرة من سوق العمل، وتحددها برجل مقابل سبع نساء، لذا أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قرارات تتعلق بنظام تشغيل النساء يعرض الظروف والشروط والأحوال المرتبطة بتشغيلهن، والحقوق المترتبة على صاحب العمل.
تقول فاطمة ب. التي تعمل في مطبعة بمنطقة دف الشوك في دمشق لـ"العربي الجديد": "تولى 14 عاملاً وعاملة أساسيين إدارة كل شؤون المطبعة قبل عدة سنوات، وبينهم 3 نساء تخصصن في التصميم والألوان، والباقون من الرجال الذين نفذوا مهمات القص والطباعة والنقل والتحميل، كما تواجدت ورشتان للتنضيد ضمتا بين 40 و60 عاملاً وعاملة، أما اليوم فيبلغ عدد الموظفين 21، اثنان منهم رجال والباقون نساء يعملن في النقل والتحميل والتنظيف.
وكانت الهجرة بدأت منذ أن تفاقمت وتيرة الحرب السورية عام 2013، ثم شهد عام 2015 هجرة مفتوحة لا سيما للشباب من كافة المناطق السورية، حتى تلك التي لم تدخلها نيران الحرب، لكن الفلتان الأمني والمضايقات الأمنية لا سيما عبر الملاحقة لأداء الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام دفعت الشبان والرجال إلى الهروب.
وأعقب ذلك اقتحام المرأة سوق العمل، وإصدار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل القرار رقم 482 عام 2017 القاضي بتنظيم عمل المرأة في سورية، والذي حدد ضوابط تتعلق بعمل النساء، لكن ليس من المؤكد تطبيق بنود هذا القرار على أرض الواقع، مثل أهلية عمل النساء في تنفيذ بعض الأعمال الشاقة، أو تحديد أوقات الدوام أكان في الليل أو النهار، أو مراعاة الحوامل والمرضعات.
ونهاية عام 2019 كشف مسح ديموغرافي أجراه المكتب المركزي للإحصاء في سورية وجود 518 ألف أرملة مقابل 43 ألف رجل أرمل، وأن واحدة من كل ست نساء فقدت زوجها خلال سنوات الحرب.