تعلّم اللغة الألمانية جواز سفر لطلاب الطب في سورية

15 مارس 2023
يراجع محمد حسن شاشو مع زميله في الكلية جعفر مصطفى دروسهما بالألمانية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

داخل مركز صحي يعمل فيه متطوعاً، يتصفّح طالب الطب محمّد حسن شاشو كتباً باللغة الألمانية ومقاطع فيديو على الإنترنت للتأكد من كيفية نطق الكلمات، آملاً أن يبلغ مستوى يخوّله السفر إلى ألمانيا لإتمام دراسته والعمل.

مع اندلاع النزاع الذي يقترب من بدء عامه الثاني عشر، باتت ألمانيا تحديداً حلم المئات من طلاب الاختصاصات الطبية لينخرطوا بسوق العمل فيها، وهو ما يفسّر ارتفاع عدد المراكز التعليمية التي تدرّس لغتها في سورية من مركز واحد قبل اندلاع النزاع في 2011 إلى أكثر من ثمانين مركزاً اليوم.

ويقول شاشو (23 سنة) الطالب في السنة السادسة في كلية الطب في دمشق: "اللغة الألمانية صعبة للغاية، خصوصاً أنّ تدريسها في سورية لا يتمّ من قبل ناطقين أصليين بها"، مضيفاً أنّ تعلّم هذه اللغة "يستحق هذا العناء والتعب الذي سيتلاشى مع أول خطوة أخطوها في ألمانيا".

خلال سنوات النزاع، وجد السوريون أنفسهم أمام أبواب موصدة لناحية الحصول على تأشيرات سفر إلى غالبية دول العالم، خصوصاً الأوروبية، مع بدء تدفّق موجات اللاجئين الفارّين من المعارك والقصف.

لكنّ الأطباء شكلوا استثناءً مع تمكّنهم من الحصول على تأشيرات سفر، ولا سيما إلى ألمانيا، وفق شروط معينة يمكن تحقيقها، أبرزها التمكّن من مستوى مرتفع نسبياً من اللغة الألمانية. ويجدر بالراغبين في تأشيرة إلى ألمانيا التوجه إلى بعثاتها الدبلوماسية في لبنان أو الأردن أو أربيل، لغياب التمثيل الألماني في سورية.

يستغلّ شاشو مع زميله في الكلية جعفر مصطفى، أوقات الفراغ لمراجعة دروسهما باللغة الألمانية. ويحاولان التحدّث بها طوال الوقت كي يتدرّبا على النطق، وليحفظا المفردات سريعاً.

الصورة
طلاب الطب في سورية/اللغة الألمانية (لؤي بشارة/فرانس برس)
التمكّن من اللغة الألمانية يسهّل على الأطباء الحصول على تأشيرة (لؤي بشارة/فرانس برس)

ويقول مصطفى: "كل من أعرفهم من أصدقائي، سافروا أو يستعدون للسفر أو يدرسون قرار السفر"، على وقع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في البلاد التي استنزفتها سنوات الحرب وأنهكت مقدّراتها.

ويتابع الشاب: "لماذا ألمانيا؟ لأنها الوجهة الأسهل والأضمن"، معتبراً أنّ "شهادتها قوية، وهناك عدد كبير من السوريين فيها، لذا لن أشعر بالغربة".

انتشار مراكز تعلّم اللغة الألمانية

في معهد المركز العربي، أحد أقدم معاهد تعليم اللغات الأجنبية في دمشق، تسجّل أكثر من ألف طالب عام 2022 لتعلّم اللغة الألمانية، نحو سبعين في المئة منهم من الاختصاصات الطبية، وفق ما يشرح مدير المعهد عبد الله صالح، موضحاً أنه قبل اندلاع النزاع، انصبّ إقبال الطلاب على تعلّم اللغتين الفرنسية والإنكليزية، لكنّ الأمر تغيّر تباعاً منذ 2013.

ويشرح قائلاً: "كان معهد غوته في دمشق الوحيد المتخصّص في تعليم اللغة الألمانية، ويلبّي الحاجة بشكل كامل، أما اليوم فهناك أكثر من ثمانين مركزاً ومعهداً، ويحتاج الطلاب إلى تسجيل مبكر ليحجزوا مقاعدهم".

داخل إحدى قاعات المعهد، يتابع المدرّس عمر فتوح المجاز في الأدب الألماني من جامعة دمشق، مع طلابه درساً جديداً، ويدرّب عدداً منهم على كلمات طبية متخصّصة.

الصورة
تعلّم اللغة الألمانية في سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
المدرّس عمر فتوح يعطي دروس الألمانية لطلابه (لؤي بشارة/فرانس برس)

ويشير فتّوح الذي يمضي يومه متنقلاً بين معهد وآخر، ويلتقي نحو مئة طالب يومياً، إلى أنّ المتعلمين يتوزعون "بين طالبي لمّ الشمل من العائلات، وطلاب أغلبهم في الاختصاصات الطبية".

ويعيش في ألمانيا حالياً نحو 924 ألف سوري، مقارنةً بـ118 ألفاً نهاية عام 2014، وفق مكتب الهجرة واللاجئين الذي سجّل أكثر من 700 ألف طلب لجوء من سوريين في ألمانيا منذ 2015.

ومنحت ألمانيا في عام 2020 تسهيلات لوصول العمال الأجانب "المؤهلين" إلى أراضيها، استجابة للنقص الحاصل في اليد العاملة الماهرة.

وبحسب التقرير السنوي الصادر عام 2022 عن مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج والهجرة، ثمة "حاجة خاصة للعاملين المهرة في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية".

Image
أكثر 10 مهن تشهد نقصا حاداً في الأيدي العاملة في ألمانيا

في نهاية 2021، مارس نحو 5,404 أطباء سوريين المهنة في ألمانيا، وشكلوا المجموعة الأكبر من الأطباء الأجانب الممارسين في البلاد، وفق نقابة الأطباء الفدرالية، متفوقين على رومانيا ثم اليونان والنمسا.

عدد الأطباء يتناقص في سورية

في سورية، لم يسبق أن أعلنت السلطات إحصاءات عن عدد الطلاب الذين يهاجرون سنوياً، لكن مسؤولين ونقابيين يتحدثون في مقابلات صحافية عن نزف في عدد الأطباء، سواء من الخريجين الجدد أو الممارسين الذين تتوافر لهم فرص عمل برواتب مرتفعة في الخارج.

وقالت معاونة وزير التعليم العالي فاديا ديب، في حديث لإذاعة محلية في مايو/ أيار 2022، إنّ هجرة الأطباء "أمر واقع وحقيقي، نتيجة الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد"، مشيرة إلى "اختصاصات أصبحت مفقودة ونادرة، مثل الأورام، والعلاج الفيزيائي، والأشعة والتخدير".

الصورة
تعلّم اللغة الألمانية في سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
هناك أكثر من ثمانين مركزاً ومعهداً لتعليم الألمانية (لؤي بشارة/فرانس برس)

إزاء النزف الحاصل، تختلط مشاعر العميد السابق لكلية الطب في جامعة دمشق الدكتور نبوغ العوا (69 عاماً) بين القلق على مستقبل الطبابة في سورية، وحزنه لسفر الجيل الجديد من الأطباء والممرضين.

ويقول الأستاذ المحاضر في الكلية منذ ثلاثة عقود: "يُحزنني أن نفقد طلابنا وأبناءنا، إذ من المفترض أن يتسلموا الراية التي حملناها".

ويضيف: "أرى طلابي يبدأون بتعلم الألمانية منذ سنوات دراستهم الأولى، وهذه صافرة الإنذار الأولى التي أتلقاها منهم، وأول إشارة إلى أنهم في طريقهم إلى السفر".

(فرانس برس)

المساهمون