تعليم السودان... قلق وارتباك ومخاوف منذ الانقلاب

16 نوفمبر 2021
مصير العام الدراسي غامض في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت قطاعات مهنية واسعة في أنحاء السودان، رفضها للانقلاب العسكري وإجراءاته، ومن بينها غالبية المنتسبين إلى قطاع التعليم، إذ شاركت أعداد كبيرة من المعلمين في الإضراب العام، وعلقت 6 جامعات حتى الآن الدراسة احتجاجاً على الانقلاب.
ويخشى كثيرون من عدم القدرة على استكمال العام الدراسي الحالي، والذي بدأ في مدارس الأساس والمتوسطة والثانوي في أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بعد تعثّر ناتج عن فشل وزارة التربية والتعليم في توفير فصول جديدة للمرحلة المتوسطة التي تم استحداثها خلال هذا العام، وبالتزامن مع إضرابات متتالية لنقابات المعلمين في عدد من الولايات، والفشل في طباعة الكتاب المدرسي، فضلاً عن أزمات معيشية شملت شح الخبز والوقود خلال تلك الفترة.
لم يستمر العام الدراسي سوى أسابيع قليلة، قبل أن يفرض الانقلاب العسكري إجراءات أمنية مشددة في أيامه الأولى، والتي قابلتها احتجاجات وتظاهرات، وإغلاق للطرق الرئيسية في الخرطوم ومدن أخرى، ما منع التلاميذ من الوصول إلى المدارس، وهو ما أدى بشكل تلقائي إلى توقف الدراسة لمدة أسبوع، قبل أن تعلن سلطات الانقلاب استئناف الدراسة في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
لكن قرار استئناف الدراسة قوبل برفض واسع من المعلمين، والذي أعلن الكثير منهم مشاركتهم في العصيان المدني المعلن لمقاومة الانقلاب، لكن تم التراجع عنه لاحقاً، غير أن هواجس أولياء الأمور لا زالت متواصلة، وتتردد غالبية الأسر في إرسال أبنائها إلى المدارس، خصوصاً مع الاحتقان القائم، والمواجهات بين مناهضي الانقلاب والقوات الأمنية، وهو أمر قد يعرض أبنائهم للخطر.
ويخشى كثير من المعلمين استمرار الاعتداءات الأمنية عليهم بسبب مواقفهم السياسية، كما حدث مع أكثر من 100 معلم نظموا وقفة احتجاجية ضد قرار تعيين رموز من النظام السابق في إدارات التعليم بولاية الخرطوم، وفي إدارات المدارس.
من بين الذين تم الاعتداء عليهم، المعلم محمد فاروق، وهو يعمل بمدرسة في منطقة "امبدة" غربي الخرطوم، وحضر إلى مقر وزارة التربية والتعليم مع زوجته، وهي أيضاً معلمة، للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية، فتعرض للاعتقال على أيدي الشرطة، مع 98 من المعلمين، بينما تعرضت زوجته، رحاب حسن، لكسر في القدم أثناء مطاردتها من قبل رجال الأمن، وأجرت عملية جراحية في الساق.

يقول فاروق بعد إطلاق سراحه، لـ"العربي الجديد"، إن "الوقفة الاحتجاجية كانت سلمية، وكانت تدعو إلى حماية العملية التعليمية، قبل أن تطبق القوات الأمنية على المشاركين فيها باستخدام الغاز المسيل للدموع، ثم تعتقل العشرات، ومن بينهم 57 من المعلمات، وتعرضت إحداهن للإجهاض أثناء احتجازها".
ويضيف فاروق: "الوضع الحالي لا يبشر مطلقاً بعام دراسي مستقر، والسلطات الانقلابية تريد إدارة العملية التعليمية بطريقة أمنية، بدليل أن مدراء المدارس الذين يتم تعيينهم من قبل الانقلاب يتم إحضارهم إلى المدارس بسيارات عسكرية، وحالات الغياب في المدارس يتم إحصاؤها بواسطة الشرطة، وكل تلك المؤشرات تؤكد على شيء وحيد، هو أن العام الدراسي سيفشل، وأن إعلان ذلك سيكون قريباً بصورة رسمية، خصوصاً وأن الأوضاع الأمنية قد تنزلق في أي لحظة، وصولاً إلى إمكانية تعرّض البلاد لحرب أهلية".

منع إغلاق الطرق وصول تلاميذ السودان إلى المدارس (فرانس برس)
منع إغلاق الطرق وصول تلاميذ السودان إلى المدارس (فرانس برس)

ويرى المعلم منتصر الفادني أن التطورات الأخيرة في البلاد ستترك آثاراً سلبية على العملية التعليمية، وذلك عقب التغييرات الواسعة في إدارات التعليم، وتعيين أشخاص موالين للانقلاب، وتغيير الاستراتيجيات التي وضعتها السلطات التعليمية في السابق، مبيناً أن "العام الدراسي الحالي تعرّض لارتباك كبير، ووضع المعلم في ظل الحكم العسكري لن يكون محترماً، وهو ما أكدته الإهانات التي تعرّض لها المعلمون مؤخراً خلال احتجاج داخل وزارتهم".
وأوضح الفادني لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية المعلمين يساندون الحكم المدني لارتباطه العضوي بالتعليم، والذي لن يتطور إلا في ظل دولة مدنية مستقرة، وتجربة الحكم العسكري خلال 30 عاماً سابقة أثبتت تدهور مستوى التعليم بشكل كبير، سواء على مستوى المراحل الابتدائية أو الثانوية، أو التعليم الجامعي".
وأشار إلى أن أية ردة سيدفع ثمنها قطاع التعليم بأكمله، مبدياً قلقه الشديد على مصير المناهج الجديدة التي أعدت بعد الثورة السودانية، وهي مناهج صممت لمخاطبة وجدان وعقل التلاميذ، ومخاطبة تطلعاتهم إلى حياة مدنية ديمقراطية، وحالياً ينتشر الخوف من إعادة قادة الانقلاب للمناهج السابقة التي كانت تدعم خطط عسكرة المجتمع.
لا يختلف الوضع في التعليم الأساسي عن أوضاع الجامعات السودانية، والتي علقت ست منها الدراسة إلى أجل غير مسمى، وهى جامعات الخرطوم، والبحر الأحمر، والجزيرة، وجامعة السودان، والأزهري، والنيلين وذلك احتجاجاً على الانقلاب العسكري، وعلى اعتقالات طاولت الطلاب والأساتذة والموظفين، عدا عن اقتحام القوات الأمنية بعد الانقلاب للحرم الجامعي، والعبث بالوثائق والمستندات.
وذكرت الجامعات التي علقت العملية التعليمية في بيانات، أنها أغلقت أبوابها ومجمعاتها السكنية حرصاً على سلامة الطلاب والأساتذة، فيما توقع كثيرون أن يرد قادة الانقلاب بإقالة مدراء تلك الجامعات وعمداء الكليات، وتعيين آخرين موالين لهم مكانهم كنوع من شراء التأييد.

ويرى الأستاذ الجامعي، عمر البلولة، أن جميع مكونات التعليم الجامعي تحتاج إلى النظر بجدية لما فيه مصلحة الطلاب الذين توقفوا عن الدراسة لفترات طويلة، ولأسباب مختلفة منها بداية الثورة قبل أكثر من سنتين، ونتيجة انتشار وباء كورونا، فضلاً عن تكرار إضراب الأساتذة خلال الأشهر الماضية، مؤكداً أن الطلاب لا يمكن تعريضهم لتبعات هذا الوضع غير المستقر طويلاً.
وحث البلولة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الجميع، على إبعاد الجامعات عن الصراعات السياسية، معتبرا أنها رغبة غالبية الأساتذة والطلاب، وهم من يدفعون الثمن، وعلى عكس الآخرين، توقع حدوث استقرار الدراسة في الجامعات بنسبة تتخطى 80 في المائة، خصوصاً إذا تم التوافق بين المكونات السياسية، وتم تشكيل حكومة مدنية في وقت قريب، وهو أمر يراه سبيلاً لتخفيف الاحتقان السياسي والأمني في البلاد.
وتحفظ البلولة على القرارات التي تصدر من جهات نقابية ومهنية بالعصيان المدني، أو الإضراب عن العمل، لأنها تصدر من أجسام مسيسة، وهي كلها جزء من الصراع الحالي، بينما المطلوب هو تحقيق استقرار شامل، يشمل التعليم أيضاً، على أن يكون لكل شخص الحق في التعبير عن نفسه سلمياً في الشارع، أو أي مكان يختاره.

شارك طلاب جامعات السودان في الاحتجاجات (فرانس برس)
شارك طلاب جامعات السودان في الاحتجاجات (فرانس برس)

من جانبه، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الخرطوم القيادي في تجمع المهنيين السودانيين، محمد يوسف أحمد المصطفى، إن "العملية التعليمية بكل مراحلها تعتمد على إتاحة الحقائق والمهارات العصرية للتلاميذ في المدارس، وطلاب الجامعات. والانقلابات العسكرية تكرّس لديكتاتورية تصادر الحريات المجتمعية، وترغب في تكريس رؤية شمولية واحدة، لذا تستهدف خصومة عملية تمليك الحقائق والمهارات، والتي تحتاج بالأساس إلى توفر الحرية، وكل من يخرج من نهج الشمولية سيواجه بالخيانة أو التجريم من الانقلاب".

وأضاف المصطفى لـ"العربي الجديد"، أن "الانقلابات تصادر حرية العلم والتفكير، وهذا يهدد العملية التعليمية، ليس في استمراريتها فحسب، بل في روحها وعمقها، وذلك ما فعله النظام العسكري السابق، وما سيفعله نظام الانقلاب الجديد، والذي نتوقع أن يمارس القمع والتعسف عبر حجب امتلاك المهارات الحديثة، وحرمان الطلاب من حق ملاحقة التطورات التقنية العالمية".
ويستطرد أستاذ علم الاجتماع، أن "واجب المعلمين وأساتذة الجامعات بات أكثر صعوبة في الوقت الراهن، إذ يتعين عليهم الدفاع عن مهنة التعليم في المقام الأول، وحمايتها من تغول الموالين المتطفلين من دون كفاءات، كما بات عليهم الدفاع عن البيئة التعليمية في المدارس والجامعات من التدخلات التخريبية، فضلاً عن القيام بدورهم الوطني التنويري والتثقيفي في المدارس والجامعات، وفي المجتمع عموماً، وعدم الاكتفاء بالقيام بعملهم خلال الحصص والمحاضرات الأكاديمية".

المساهمون