تحذر دراسات طبية كثيرة من مخاطر الإفراط في تناول الملح وتأثيراته على الصحة العامة، لكنها لا تصل إلى حد الإعلان عن إمكان الوفاة بسببه، في حين تكشف دراسة جديدة نشرت نتائجها مجلة القلب الأوروبية، وشملت أكثر من 500 ألف شخص في المملكة المتحدة، أن 3 أشخاص من أصل 100 شخص تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً يموتون مباشرة بسبب الإكثار في تناول الملح.
تعلّق أخصائية الغذاء في بيروت رنا خليل على نتائج هذه الدراسة بالقول لـ"العربي الجديد": "الملح أحد أنواع السموم التي تدخل إلى الجسم. صحيح أن الجسم يحتاج إلى الملح، لكن بكميات مقبولة، لأنه يحتوي على نسبة مرتفعة من مادة الصوديوم التي تتسبب في حدوث العديد من الأمراض، في مقدمها ارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن".
تضيف: "يوصى عادة بعدم تناول أكثر من 2.5 غرام من الصوديوم يومياً، أي ما يقارب ملعقة صغيرة، باعتبار أن تناول الملح يومياً يمكن أن يحصل عبر مصادر عدة، بينها الأغذية المعبأة أو الجاهزة التي تحتوي على كميات كبيرة من الصوديوم".
وتتحدث خليل عن أن دراسات كثيرة أثبتت أن الإفراط في تناول الطعام قد يؤدي إلى مشاكل زيادة الوزن، كون الملح يحبس السوائل في جسم الإنسان، ويكسب بالتالي الأفراد ما لا يقل عما بين 5 و7 كيلوغرامات من الوزن، فيضطرون حينها إلى تناول الأقراص الخاصة بطرد السوائل من الجسم لتفادي أمراض كثيرة".
وبناءً على توصيات أصدرتها هيئة الغذاء والدواء الأميركية، تشير الأكاديمية الأميركية للتغذية إلى ضرورة التقيّد بمعدلات تناول الملح، والمحددة بالنسبة إلى البالغين بكمية 2300 ملليغرام يومياً، فيما لا بدّ من خفض هذه الكمية إلى 1500 ملليغرام يومياَ للأشخاص الذين يتجاوزون 51 عاماً، لأنهم قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض، خاصة ضغط الدم، وهو ما يؤكده اختصاصي الصحة العامة وأمراض الضغط الدكتور محمد حرب، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "علاقة الإفراط في تناول الملح، خاصة الصوديوم، بضغط الدم معترف بها على نطاق واسع، وهو لا يرفع ضغط الدم فقط الذي يمكن علاجه بالأدوية، بل يتسبب أيضاً في وفيات بسبب انعكاس ارتفاع ضغط الدم على أمراض القلب والأوعية الدموية".
يضيف: "تؤدي الكميات المرتفعة للصوديوم في الدم عادة إلى تغيرات في وظائف الشرايين الكبيرة التي تتصل مباشرة بالقلب، ما يؤثر على قدرتها على نقل الدم والأوكسجين بطريقة متوازنة، ما يؤدي إلى مشاكل في القلب. من هنا، الأفضل تخفيف الأملاح من الأطعمة في سن مبكرة، علماً أن ارتفاع ضغط الدم لا يتعلق بسن معينة، بل يصيب الجميع بلا استثناء، واتباع أنظمة صحية مرنة يساعد أيضاً في الحفاظ على الصحة العامة".
هل نترك الملح نهائياً؟
واللافت أن خبراء الصحة لا يؤيدون الاستغناء عن الملح نهائياً. ويشدد أولئك في هيئة الغذاء والدواء الأميركية على أن انخفاض مستويات الصوديوم في جسم الإنسان يؤدي إلى نتائج عكسية، بينها التأثير على نشاط الدماغ، ما يجعل الشخص المعني يشعر بالخمول ويعاني من تشنجات عضلية، ثم نوبات وفقدان للوعي وغيبوبة، لذا من المفيد تحقيق توازن في تناول الملح للحفاظ على الصحة العامة.
وكانت دراسة سابقة، نشرتها جامعة ميشغان الأميركية، استنتجت أن "ترك الملح نهائياً يتسبب في خطر الوفاة، لأن جسم الإنسان يحتاج إلى صوديوم كي تستطيع الأعضاء العمل بشكل سليم، لأنه يساعد في تقليص العضلات وإرخائها، ويحافظ على التوازن السليم للمياه والمعادن التي يسبب فقدانها زيادة الإصابة بالسكتات الدماغية والقلبية.
نتائج جديدة
وفيما أظهرت الدراسة أن نسبة استهلاك ملح الطعام في النظام الغذائي تتخطى 20 في المائة في بعض المجتمعات، أي أعلى عشر مرات من الكمية الموصى بها، بحسب ما نقلته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، ينصح البروفيسور لو تشي، من كلية الصحة العامة وطب المناطق الحارة بجامعة تولين في نيو أورلينز بالولايات المتحدة، الذي قاد الدراسة الحديثة بالتعاون مع باحثين في كليات الطب بجامعة هارفارد من أجل تحليل تأثير الأملاح خاصة ملح الطعام على صحة الأفراد، بضرورة التنبه إلى مخاطر تناول الملح، "فأشخاص كثيرون يتناولون الصوديوم في الأطعمة الجاهزة والمطاعم بنسب كبيرة جداً، لذا لا بدّ من اتباع استراتيجية وطنية لخفض الملح في الطعام".
وقد كشفت الدراسة أيضاً تراجع سنوات الحياة بمعدل يتراوح بين 1.5 و2.28 عام عن متوسط العمر المتوقع للنساء والرجال، لدى الأشخاص الذين يضيفون الملح إلى طعامهم بشكل دائم.
ودفعت هذه النتائج كلوي ماك آرثر، اختصاصية أمراض القلب في مؤسسة القلب البريطانية، إلى مطالبة السلطات بضرورة وضع استراتيجية جديدة لمواجهة ارتفاع نسبة الملح في الطعام، خاصة في الأطعمة الجاهزة، من خلال فرض ضرائب على الصناعات الغذائية التي لا تلتزم بالمعايير الصحية، إضافة إلى توعية المجتمع لمخاطر الملح.