على مدار الأعوام الخمسين الماضية، انخفض عدد الحيوانات المنوية البشرية عالمياً بنسبة 51.6 في المائة، بحسب دراسة أجرتها مجلة "هيومن ريبروداكشون أبديت"، ونشرت نتائجها شبكة "سي أن أن" الأميركية، وأوردت أن "متوسط تركيز الحيوانات المنوية انخفض من 101.2 مليون لكل ملليلتر من السائل المنوي إلى 49 مليون لكل ملليلتر بين عامي 1973 و2018".
يشرح أخصائي الصحة العامة، مارون مطر، لـ"العربي الجديد"، أن "قلة الحيوانات المنوية تعد من الأمراض الخطرة، ورغم أن المريض لا يعاني من أوجاع أو آلام، يشير غياب الحيوانات المنوية إلى الإصابة بعقم. يعرف نقص الحيوانات المنوية باسم نقص النطاف، وهو السبب الأساس لعقم الرجال الذي يصيب واحداً من كل 7، وهناك نوعان من العقم، الأول يمكن علاجه بتناول الأدوية، والثاني تعتبر إمكانية علاجه ضئيلة".
ويوضح مطر أن "أسباب العقم مختلفة، ويمكن تقسيمها إلى أسباب طبية وحياتية ونفسية، ويتعلق السبب الأول باحتمال إصابة الرجل بأمراض تعوق عملية إنتاج النطاف، مثل السكري، أو استخدام عقاقير وأدوية تؤثر في الحيوانات المنوية، وكذلك الإصابة بأمراض السمنة، أو إجراء عمليات جراحية في الخصيتين. السبب الثاني يرتبط بالبيئة الاجتماعية وتأثيراتها، مثل الإرهاق، والعمل لساعات طويلة، والتدخين، والنظام الغذائي السيئ، أو تناول كميات كبيرة من الكحول، كما لا يخفى تأثير المشاكل النفسية على الحيوانات المنوية، إذ وجدت دراسات أن الرجال الذين يعانون من مستويات أعلى من القلق والتوتر لديهم نسب تركيز أقل للحيوانات المنوية وعددها".
وتفيد مجلة "نيوز ميديكال" بأن دراسات عدة أجريت على امتداد سنوات أظهرت صلة وثيقة بين الإجهاد النفسي والعقم، وأنه "رغم أن آلية تأثير الضغط في جودة السائل المنوي غير مفهومة بالكامل، يرجح أن يتسبب الإجهاد في إطلاق هرمونات ستيرويد يمكن أن تقلل مستويات هرمون التستوستيرون، وبالتالي إنتاج الحيوانات المنوية".
وإلى جانب ارتباط جودة السائل المنوي بالإجهاد، ركزت إحدى الدراسات على التقييم الذاتي والموضوعي للتوتر، وأكدت الارتباط الوثيق بين الإجهاد وتركيز الحيوانات المنوية والمظهر والحركة في السائل المنوي. ولا ينفي الطبيب مطر إمكانية أن تلعب عوامل بيئية أدواراً باعتبار أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر في الخصيتين، وبالتالي في عملية إنتاج الحيوانات المنوية.
ويشير تقرير نشره موقع "مايو كلينيك"، إلى أن "إنتاج الحيوانات المنوية ووظيفتها يتأثران سلباً بالتعرض المفرط لعناصر بيئية، من بينها المواد الكيميائية الصناعية، وقد ينخفض عدد الحيوانات المنوية مع التعرّض لفترات طويلة لمواد مثل البنزين والتولوين والزيلين ومبيدات الأعشاب والحشرات والمذيبات العضوية، ومواد الطلاء والرصاص".
ووجدت دراسة أجرتها الأستاذة في جامعة نوتنغهام البريطانية، ريبيكا بلانشارد، أن المواد الكيميائية البيئية الموجودة في المنزل تؤثر في الصحة الإنجابية للذكور، ومن بينها البلاستيك، وأدوات التنظيف الشائعة، والتي قد تعطل الأنظمة الهرمونية، وتضرّ بخصوبة الرجال.
كما يؤثر تغيّر المناخ سلباً في خصوبة الذكور، إذ كشفت دراسات عدة أجريت على حيوانات وحشرات، أن ارتفاع درجات الحرارة أضرّ بحيواناتها المنوية، كما لوحظت عوارض مماثلة في البشر. ووجدت دراسة أجريت عام 2022 أن ارتفاع درجة الحرارة بسبب الاحتباس الحراري، أو العمل في بيئات حارّة يقللان جودة الحيوانات المنوية.
وبحسب مطر، لا بدّ أن يبتعد الرجل قدر الإمكان عن التوتر والقلق، ويتبع نظاماً صحياً متوازناً يركز على تناول معادن وفيتامينات، ويحاول تبريد الخصيتين، خاصة لدى ارتفاع درجات الحرارة، وذلك من خلال الاستحمام، وعدم ارتداء ثياب تحتوي على أقمشة ترفع حرارة الجسم.
وينقل تقرير نشرته صحيفة "ذي ميرور" البريطانية عن خبراء قولهم إن "الرجال يستطيعون إجراء عدد من التغييرات في أنماط حياتهم، لتحسين فرص الخصوبة لديهم، فدورة إنتاج الحيوانات المنوية تستغرق نحو ثلاثة أشهر، ما يسمح بتنفيذ أمور كثيرة في هذا الإطار الزمني، بعضها يتعلق بالعناصر الغذائية الرئيسية، وتناول مضادات أكسدة، وفيتامينات مثل الزنك وأوميغا 3".
وإلى جانب النظام الغذائي من المهم ممارسة الرياضة للحفاظ على التوازن الهرموني في الجسم، وينصح خبراء صحة تحدثوا لمجلة "نيوز ميديكال توداي" الطبية الأميركية بأهمية النوم والراحة، والحصول على ما يكفي من فيتامين "دال" الذي تؤثر مستوياته في الدم، كما الكالسيوم، في صحة الحيوانات المنوية.