لم يفاجأ جوناثان ستيوارت، أستاذ الهندسة في جامعة كاليفورنيا الذي انضم إلى فريق تقييم البنى التحتية بعد زلزال تركيا الذي ضرب مدينة إزمير في عام 1999، بمشاهد تحوّل آلاف المباني إلى أنقاض بعد الزلزال المدمّر الحالي، والذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر وتوابعه.
يقول ستيوارت لموقع "إن بي آر" الأميركي: "بالنسبة للمباني التي يزيد ارتفاعها عن ثلاثة طوابق في تركيا، يعتمد أسلوب البناء في العادة على استخدام الخرسانة المسلحة الأسرع في التفكك والانهيار لدى حصول زلازل".
ويعتبر الخبير في هندسة المرونة في مواجهة الكوارث، كيت مياموتو، والذي يستعد حالياً للتوجه إلى تركيا، أن "قوانين البناء التي سنتها تركيا بعد زلزال إزمير جيدة، لكن معايير الهندسة المعمارية المعتمدة التي تسبق تطبيق القانون غير مناسبة، وتزيد مخاطر انهيار الأبنية المشيّدة".
وتتعرض المدن اليابانية إلى مئات الزلازل والهزات يومياً بسبب موقعها الجغرافي على طول منطقة "الحزام الناري" التي تشبه حدوة حصان وتتبع حافة في المحيط الهندي تنشط على خط زلازل وانفجارات بركانية بين الأكبر في العالم.
ودفع الخطر المستمر من التعرض لزلازل، سلطات اليابان إلى ابتكار طرق مختلفة لحماية الأبنية والبنى التحتية، وتصنّف طوكيو منذ عام 2017، بأنها "أكثر المدن أماناً في العالم" في مؤشر المدن الآمنة التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية، وتأتي بعدها سنغافورة.
وفيما تعد حماية الناس من الزلازل أمراً ضرورياً في العديد من المدن، امتلكت العاصمة اليابانية أفضلية تشييد بنسبة 87 في المائة من مباني المدينة، وفقاً لمعايير حديثة لمكافحة الزلازل، بحسب ما تفيد دراسة أجرتها جامعة طوكيو.
ويسرد موقع "بلان رادار" البريطاني المميزات التي تساعد في حماية المباني من الاهتزازات، والتي لا بدّ من استخدامها خلال عمليات التشييد. ويشير إلى أن "طرق تشييد المباني المقاومة للزلازل تختلف عن الأبنية الأخرى، وتحصل من خلال استخدام إطار فولاذي في قلب المبنى، بخلاف الإطار الخرساني المسلح الشائع في الهياكل العادية. كما تستخدم العوارض والأعمدة الفولاذية بدلاً من الخرسانية، وكذلك كرات بندول الفولاذية الهائلة التي تتحرك إلى الأمام والخلف لمواجهة أي حركة للمبنى نفسه، وهياكل شبكية بين مستويات المبنى مفصلة على شكل حرف تي بالأجنبية للمساعدة في تحصينه".
وترتبط العديد من المباني الجديدة بنظام إنذار مبكر في البلاد يحذر السكان من احتمال حدوث زلزال، كما تتضمن أبواباً قابلة للطي تعزز سبل للهروب، وأضواءً مغطاة لحماية الناس في حال انفجار المصابيح الكهربائية.
تؤكد المهندسة آلاء كيالي لـ"العربي الجديد" أن "الزلازل ترسل موجات صدمات خلال فترات قصيرة وسريعة تنتشر في كل الاتجاهات لذا تتأثر الأبنية بها. وتهز التحركات الأفقية للهزات الأرضية الجدران والأرضيات، فتختلف الحركة بين الجزءين السفلي والعلوي وتضغط على المبنى، ما يتسبب في حصول تشققات وانهيارات في الهياكل". تضيف: "يسعى المهندسون في تصميمات الأبنية المقاومة للزلازل إلى تعزيز الهياكل، لأن أي تفكك داخلها يؤدي إلى انهيارات فيها، ويحصل ذلك من خلال جعلها أكثر مرونة كي تتمايل مع الهزات الأرضية، تمهيداً لإعادة المبنى إلى الاتجاه المعاكس".
وتشير كيالي إلى أن "تشييد الأبنية المقاومة للهزات الأرضية يتطلب أيضاً وضع نوع من الوسائد الزيتية داخل الخرسانات، وبينها أعمدة وعوارض تشبه ما يوضع في السيارات للحماية من الحوادث. لكن على عكس الوسائد الهوائية في السيارات، يتم استخدام زيوت السيليكون، فعندما تضرب الهزة الأرضية هياكل المبنى تنتقل الصدمات إلى مكابس في الوسائد المملوءة بزيت السيليكون، فينقل المبنى الطاقة الاهتزازية إلى المكابس، حتى يتم تحويل الطاقة إلى حرارة من أجل تبديد قوة الاهتزازات. وتلعب كرات البندول دوراً مهماً لأنها قادرة على تخفيف الصدمات الاهتزازية، وعادة يجري تركيب هذه الكرات في المباني الشاهقة، كي تستطيع موازنة الصدمات الاهتزازية".
وتسلط تقارير وشهادات الضوء على مدى قدرة الأبنية في العديد من الدول على مقاومة الهزات الأرضية، علماً أن دولاً على غرار اليابان نجحت في تغيير المعادلة لمصلحتها. ففي عام 2018، تعرضت مدينة أوساكا، ثاني أكبر مدن اليابان على صعيد عدد السكان والقيمة الاقتصادية، إلى زلزال بقوة 6.1 درجات على مقياس ريختر، لكنها نجحت في إظهار تميّزها التكنولوجي في التدابير التي تتخذها لمواجهة الزلازل، ولم يتجاوز عدد القتلى 3 والجرحى 200، علماً أن هذا الزلزال كان يمكن أن يتسبب في مأساة أكبر بكثير لو حصل في أي جزء آخر من العالم.