يأتي مشروع دعم التضامن الاجتماعي المكمّل "تي - صُوي" في تركيا لرفع المستوى المعيشي للأجانب "الأكثر ضعفاً"، من خلال توفير دعم نقدي لهم نظراً إلى عدم إمكانية توجيههم إلى العمل. وثمّة سوريون في البلاد من تلك الفئة.
"قبل مدّة، وصلتني رسالة نصيّة على هاتفي المحمول مفادها: تمّ قبولكم في مشروع تي-صُوي. سألت جمعية الهلال الأحمر التركي فرع مرسين (جنوب) ماذا يعني ذلك، فكانت الإجابة: زيادة المبلغ الشهري المخصّص للأشخاص ذوي الإعاقة ولكبار السنّ في إطار برنامج صوي. وفرحت كثيراً لأنّ المبلغ السابق لم يكن يكفي بدلاً لإيجار المنزل الذي نسكنه. أمّا اليوم، بعد زيادة التعويض الشهري وقيمة المساعدة لكلّ فرد من أفراد أسرتي، صار في إمكاننا مواجهة الغلاء بتركيا". بهذه الكلمات يخبر اللاجئ السوري في تركيا محمد صالح البالغ من العمر 68 عاماً لـ"العربي الجديد"، ما جرى معه أخيراً. وهو كان يتقاضى 600 ليرة تركية (نحو 70 دولاراً أميركياً) شهرياً، في إطار برنامج "صُوي" المخصص لمساعدة الأجانب المقيمين في تركيا تحت بند الحماية الدولية أو الحماية المؤقتة أو إذن الإقامة الإنسانية، من بينهم اللاجئون السوريون، والمموّل من الاتحاد الأوروبي. لكنّ مشروع دعم التضامن الاجتماعي المكمّل "تي-صوي" رفع المبلغ إلى 800 ليرة (نحو 90 دولاراً) بالإضافة إلى رفع مخصّصات كلّ فرد في أسرته من 150 ليرة (نحو 17 دولاراً) شهرياً إلى 250 (نحو 30 دولاراً).
والاستفادة من برنامج "صُوي" تكون في حال وجود أفراد في العائلة من الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة، فيتوجّب بالتالي الحصول على تقرير طبي من مستشفى حكومي يبيّن عجزاً بنسبة 50 في المائة وما فوق. ويحكي صالح عن رحلة الفحص الطبي الشامل التي أظهرت عجزاً لديه بنسبة 50 في المائة، فتمّ اشتماله في البرنامج. ويوضح: "خضعت إلى فحوص طبية من قبل تسعة أطباء أتراك من تخصّصات مختلفة في المستشفى الحكومي بمرسين. ولمّا تأكّدوا من مرض القلب وآلام الظهر، رفعوا تقريرهم الطبي إلى وزارة الصحة في العاصمة أنقرة. وبعد انتظار نحو 45 يوماً، جاءت الموافقة على إدراجي من ضمن مستحقّي المساعدة كواحد من الأكثر ضعفاً. بالتالي، منذ أربعة أعوام، أتقاضى مبلغاً مالياً وقد رفعوه أخيراً مع زيادة تعويض أسرتي كذلك".
وكانت جمعية الهلال الأحمر التركي قد وجّهت رسائل نصية لإبلاغ المستفيدين من برنامج "صُوي" بزيادة مبالغ المساعدات المخصّصة لأفراد أسر الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السنّ والأرامل. وشرح الهلال الأحمر تفاصيل المساعدات الجديدة في بيان، لافتاً إلى أنّ المشروع الجديد "تي - صُوي" الذي يُموّل من قبل الاتحاد الأوروبي ويُنفّذ عن طريق بطاقة الهلال الأحمر التركي، يخصّص مساعدة نقدية إضافية للمستفيدين ذوي الإعاقة الحادة.
من جهته، يقول اللاجئ السوري في ولاية غازي عنتاب (جنوب) أنور العساف لـ"العربي الجديد" إنّ "المشروع الجديد لم يشملني في البرنامج الجديد لأنّ اللجنة الطبية لم تصنّف إصابتي بطلقة نارية قبل نحو 10 أعوام عجزاً حاداً، لكنّني مشمول وأسرتي ببرنامج صُوي". ويذكر العساف أنّ "زيادة طفيفة لحقتنا بالتزامن مع البرنامج الجديد، فرُفعت المساعدة المخصّصة لكلّ فرد من 120 ليرة (نحو 15 دولاراً) شهرياً إلى 155 (نحو 18 دولاراً)". لكنّ العساف يشكو من أنّ "جمعية الهلال الأحمر التركي تعلّق برنامج المساعدات صُوي في حال تغيير عنوان السكن أو حصول أحد أفراد الأسرة على إذن مزاولة عمل، من دون تعويض في حال عادت الأسرة إلى الاستفادة منه". ويشير إلى أنّ "ابني البكر تزوّج في العام الماضي واستأجر بيتاً بعيداً عنّا، فأوقفت المساعدة لكامل الأسرة. فاضطررت إلى ملاحقة الأمر، لينتهي الأمر بتوقّف مساعدة ابني نهائياً ومساعدتنا لمدّة شهرَين من دون تعويض عن هذه الفترة. وهذا التوقف أغرقنا في ديون، فالمبلغ الذي نتلقّاه كمساعدة لا يكفي في الأساس كبدل إيجار منزل وتكاليف معيشة نتيجة الغلاء الكبير في تركيا". ولا يخفي العساف أنّ "مساعدة إضافية تصل إلى كلّ أسرة سورية مرّة كلّ ثلاثة أشهر تتراوح قيمتها ما بين 150 ليرة (نحو 17 دولاراً) و300 (نحو 34 دولاراً)، بحسب عدد أفراد الأسرة".
تفيد بيانات هيئة الإحصاء التركية الصادرة الشهر الماضي بأنّ عدد السوريين في تركيا يُقدَّر بنحو ثلاثة ملايين و645 ألفاً و557 شخصاً، 47.5 في المائة منهم ما دون 18 عاماً، في وقت يبلغ عدد النساء والأطفال نحو مليون و583 ألفاً و373، أي ما نسبته 70.9 في المائة من العدد الإجمالي للاجئين السوريين في تركيا. أمّا الأطفال دون 10 أعوام فيشكّلون 28.9 في المائة مع مليون و72 ألف لاجئ، واللاجئون ما بين 15 و24 عاماً يشكّلون 21.6 في المائة مع 789 ألف لاجئ. وبحسب مصادر في مديرية إدارة الهجرة، فإنّ نسبة الإناث من إجمالي عدد اللاجئين السوريين تصل إلى 46.2 في المائة. ولا يتوفّر إحصاء رسمي عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السنّ الذين شملهم المشروع الجديد "تي - صُوي"، لكنّ مدير مركز الهجرة والدعم المعنوي في ولاية غازي عنتاب، جلال ديمير، يقدّر نسبة هؤلاء بأكثر من سبعة في المائة من إجمالي عدد اللاجئين، "لأنها تتضمّن كبار السن والذين يعانون من عجز بنسبة 50 في المائة وما فوق والأرامل". ويلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "برنامج المساعدات صُوي لم يتوقّف بعد إطلاق مشروع تي - صوي، وما زالت الأسر المسجّلة تتقاضى المساعدات وإن بمبالغ أقلّ ونسبة زيادة أقلّ".
وعن نسبة الزيادة، يقول ديمير إنّه "نظراً إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في تركيا، بعد تراجع سعر صرف الليرة في مقابل الدولار، جاء رفع قيمة المساعدات للإخوة السوريين، بالتوازي مع رفع نسبة الرواتب والأجور للأتراك عموماً وللأشخاص ذوي الإعاقة والذي يعانون من أمراض مزمنة، بقرار تركي بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي الذي يتكفّل بالمساعدات". ويؤكد ديمير "استمرار ما وصفه بتلكّؤ الاتحاد الأوروبي وعدم تنفيذ وعوده بشأن حجم المساعدات التي وعد بها. وما زالت الخلافات قائمة". ويوضح أنّه "من أصل سبعة مليارات يورو تمّ إقرارها على دفعتَين في عامي 2017 و2018، لم تسدّد دول الاتحاد حتى الآن إلا 900 مليون يورو، كذلك فإنّها لم تلتزم بمبدأ واحد مقابل واحد ولم تعفِ الأتراك من تأشيرة الدخول إلى أوروبا". يُذكر أنّ ذلك يأتي مرتبطاً بالاتفاق الذي وقّعه الاتحاد الأوروبي مع تركيا بشأن اللاجئين في مارس/ آذار من عام 2016، والهدف منه معالجة تدفّق المهاجرين الذين ينطلقون من تركيا صوب أوروبا وكذلك إبعاد اللاجئين الجدد إلى تركيا، بالإضافة إلى تخصيص مساعدات لتركيا وإلغاء تأشيرات دخول الأتراك إلى أوروبا والعمل على انضمام تركيا إلى الاتحاد وغير ذلك.
تجدر الإشارة إلى أنّ المجلس الأوروبي أعلن أنّ ممثلي الدول الأعضاء وافقوا على تقديم دعم إنساني إضافي للسوريين في تركيا من خلال تعديل ميزانية الاتحاد لعام 2021. وقد أوضح المجلس في بيان أنّ تمويلاً إضافياً بقيمة 149.6 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي سوف يوجَّه لدعم اللاجئين في تركيا التي تستضيف نحو 3.7 ملايين سوري على أراضيها. وهذا المورد الجديد ن سوف يموّل بطاقات الهلال الأحمر الموزعة على اللاجئين من ضمن إطار برنامج "صُوي" من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية من قبيل الإيجار والمواصلات والغذاء والدواء والفواتير لـ1.8 مليون لاجئ في تركيا. وقد أوضح المجلس أنّ "صُوي" يُعَدّ أكبر برنامج مساعدات إنسانية في تاريخ الاتحاد الأوروبي.
في سياق متصل، تعليقاً على مشروع "تي - صُوي" الجديد، يقول اللاجئ السوري في تركيا حسين محمد البالغ من العمر 64 عاماً بحسرة: "أشكر تركيا وأوروبا، لكنّ المبلغ حتى بعد المشروع الجديد لا يكفي". ويوضح لـ"العربي الجديد": "استلم في الشهر الماضي المبلغ الجديد (المعزّز) وقيمته 800 ليرة (نحو 90 دولاراً) في حين رُفع المبلغ المخصّص لولدَيّ المقيمَين معي في المنزل من 150 ليرة (نحو 17 دولاراً) شهرياً إلى 250 (نحو 30 دولاراً). بالتالي صار المبلغ الكلّي الذي أتقاضاه 1300 ليرة (نحو 150 دولاراً)". لكنّ محمد يلفت إلى أنّ هذا المبلغ "بالكاد يكفي بدل إيجار المنزل والفواتير، الأمر الذي اضطر ابني البكر إلى التوقّف عن متابعة تحصيله العلمي والانخراط في مجال العمل، حتى نتمكّن من العيش وسط غلاء يُقدَّر بنسبة تفوق 100 في المائة في خلال عام واحد"، ويقول "ليتهم رفعوا المبلغ بما يعادل ارتفاع الأسعار وبدلات إيجار المنازل". ويصرّ محمد على الإشارة إلى أنّ "هذه المساعدات تأتي من الاتحاد الأوروبي وليس من الدولة التركية، مع شكرنا الكبير لتركيا التي فتحت لنا حدودها وبيوتها"، مضيفاً أنّ "المعارضة التركية اليوم تتاجر بإعاقاتنا وتحرّض لطردنا مدّعية أنّنا نأخذ المساعدات من الدولة التركية وبالتالي نحن سبب تردّي معيشة الأتراك وسبب مشكلاتهم الاجتماعية".