تشييع "نصف" جثمان الشهيد الفلسطيني يزن النجمي في نابلس شماليّ الضفة

18 يناير 2024
من تشييع جنازة الشهيد يزن النجمي (زين جعفر/فرانس برس/فيسبوك)
+ الخط -

بصعوبة بالغة استطاعت شقيقة الشهيد الفلسطيني يزن النجمي، أن تتعرف إليه من خلال علامة مميّزة في قدمه اليسرى، بعد أكثر من 10 ساعات، لم تستطع خلالها أي عائلة من عوائل خمسة شهداء قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي واحتجزت جثامينهم، أن تستدل على هوية صاحب نصف الجسد الموضوع أمامهم، نظراً لكونه محترقاً ومتفحماً للغاية. 

النجمي ارتقى مع أربعة آخرين، من كتيبة "الثأر والتحرير"، وهم: شقيقه سيف، ومحمود أبو حمدان، ومحمد قطاوي، وعبد الله أبو شلال، أحد أبرز المطاردين من قبل قوات الاحتلال والمستهدف الرئيسي من عملية الاغتيال التي نفذتها طائرة مسيَّرة، عندما قصفت، فجر أمس الأربعاء، مركبتهم قرب مخيم بلاطة شرقيّ مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية، واحتجزت جثامينهم سوى نصف جثمان النجمي.

يصف الناشط محمد مسيمي المشهد، قائلاً في حديث لـ "العربي الجديد": "لم أسمع في حياتي انفجاراً كالذي أصاب السيارة، حيث أدى إلى تفتّتها وتطاير أجزائها في كل مكان، قبل أن تشتعل فيها النيران وتلتهمها في دقائق معدودة. وهذا ما أظهرته مقاطع الفيديو التي التقطها السكان القريبون من موقع الحدث، وأكدها المسعفون الذين كانوا صدفة قرب المكان، ولم يسمح لهم الاحتلال بالاقتراب أكثر".

ويضيف بينما يعيد مشاهد أحد تلك المقاطع عبر هاتفه المحمول: "إذا كان حديد السيارة قد ذاب من شدة النيران، فكيف بأجساد من كانوا فيها. وهذا ما تبيّن فعلاً بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، حيث كنت من أوائل الواصلين إلى هناك، وساعدت الطواقم الطبية على انتشال أشلاء لجثمان أحدهم، وتحديداً الجزء السفلي من جسده، كان قد طار بعد القصف إلى مكان يبعد ما لا يقل عن 50 متراً".

واحتجز الاحتلال ما بقي من جسد الشهيد، إضافة إلى الشهداء الآخرين، إذ وصل الجزء السفلي من جثمان النجمي إلى مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس، وإلى هناك توافدت عائلات تداول النشطاء أسماء أبنائها على أنهم شهداء محتملون من عملية الاغتيال، لكن أحداً منها لم يتمكن لوقت طويل من الجزم بأن تلك الأشلاء تعود لأبنائها، حتى وصلت شابة في مقتبل العمر إلى ثلاجات الموتى وكشفت عنها، لتصيح بأعلى صوتها بعد فحص سريع: "هذا أخوي يزن"، وقد استدلت عليه من خلال علامة مميزة كانت في قدمه اليسرى، وهو ما أكدته الوالدة أيضاً على الفور.

مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بنابلس، أحمد جبريل، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي منع طواقمهم من الاقتراب من السيارة المحترقة، كذلك منع طواقم الإطفاء أيضاً، وجلب جرافة كانت محمّلة بكميات كبيرة من الحجارة والأتربة وسكبتها على السيارة لإطفاء النيران.

ويشير جبريل إلى أنّ المسعفين لم يتمكنوا من جمع الأشلاء إلا بعد انسحاب قوات الاحتلال، حيث وجدوا ما بقي من جسد محترق على قارعة الطريق، فعملوا على نقله إلى المستشفى، معلّقاً: "كانت لحظات مؤلمة جداً، وتدلّ على عدم إنسانية الاحتلال الذي ترك الجثامين تحترق، ورغم هذا صادرها، ورفض تسليمها لسيارات الإسعاف". 

واليوم الخميس، لُفَّ الجزء السفلي للشهيد بالعلم الفلسطيني، وشُيِّع في جنازة حاشدة إلى مسقط رأسه في مخيم بلاطة شرقيّ نابلس، الذي أغلقت فيه المحالّ التجارية حداداً على أرواح الشهداء.

حزن في مخيم بلاطة على استهداف أبو شلال

ويخيّم على مخيم بلاطة حزن شديد على وقع الاغتيال الأخير، الذي أعلن جيش الاحتلال أنه كان يستهدف فيه الفلسطيني عبد الله أبو شلال، الذي نجا سابقاً من أربع محاولات لقتله، زاعماً أنّ الخلية التي اغتالها كانت مسؤولة "عن واحدة من أكبر شبكتين للمقاومة" في الضفة الغربية.

وأشار جيش الاحتلال، في بيان له، أمس الأربعاء، إلى أنّ أبو شلال "كان مسؤولاً عن عدة عمليات" شملت إطلاق نار وزرع عبوات ناسفة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تلقت الخلية تمويلاً وتوجيهاً بمشاركة قيادات في غزة والخارج.

ووفق بيان جيش الاحتلال، فإن أبو شلال، الذي ترأس المجموعة، مسؤول عن هجمات نُفِّذَت في العام الماضي، من بينها إطلاق النار في حيّ الشيخ جراح بالقدس في إبريل/ نيسان الماضي، الذي أصيب فيه إسرائيليان. وكان مسؤولاً عن هجوم بالقنابل على جيش الاحتلال في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصيب فيه جندي.

وخلال العامين الأخيرين، تقدم أبو شلال صفوف المقاومين، وتشهد له أزقة مخيم بلاطة بعشرات الاشتباكات التي خاضها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، فذاع صيته كمقاوم صلب عنيد، لكنه كان قريباً من الجميع ومتواضعاً، كما يؤكد أحد أصدقائه الذي طلب عدم الكشف عن هويته في حديث لـ "العربي الجديد".

ويشير إلى أنّ الشهيد، رغم كونه عنصراً في جهاز المخابرات الفلسطينية، إلا أنّه رفض كل الامتيازات التي قدمت له لتسليم سلاحه والتوقف عن المقاومة. وتابع: "كان رجلاً وحدوياً بامتياز، وتناقضه الأول والأخير مع الاحتلال فقط".

وفي منتصف أغسطس/ آب الماضي، فجّرت قوات الاحتلال منزل أبو شلال الذي عاش في طفولته في مخيم بلاطة، وتشتّتت عائلته.

حينها، ظهر الشاب لوسائل الإعلام بشكل سريع، وقال إنّه "إنسان حر شريف لا يرضى بالظلم، أو أن يعيش ذليلًا تحت أي ظرف، وبينما يقتل الاحتلال يوميًا عشرات الشهداء ويدمّر المنازل من دون حق".

وأضاف قبل أن يختفي من جديد: "الاحتلال هو الذي أتى علينا واحتل أرضنا، ولم يكتفِ بذلك، بل يلاحقنا لأننا نقاومه ونرفض وجوده، هو الذي يقتل ويغتال، ونحن لن نسكت".

المساهمون