بعد أسبوع على وقوع الزلزال، أعلنت وزارة التربية السورية معاودة الدراسة، تاركة لمديري المدارس في المناطق المتضررة تقدير إمكانية الدراسة أو عدمها في ضوء وضع الأبنية. إعلان من هذا النوع لا يغيّر المشهد التعليمي في مدارس المناطق المنكوبة، فالواقع يؤكد أن سورية تشهد احتضاراً متمادياً للتعليم منذ عام 2011، وما رافقها من انفراط عقد الدولة والمجتمع. لا شك أن الزلزال مع كل ما خلفه من شأنه تسريع عملية الاحتضار في المناطق التي أصابها، وفي سواها أيضاً. محافظات حلب واللاذقية وحماة وإدلب تعرضت للزلزال الذي خلف آثاراً تدميرية هائلة في مناطق عانت بالأصل من عمليات قصف جوي وبري زعزعت مبانيها، ومن بينها المدارس.
لكن الوضع يتجاوز القصف إلى "الموزاييك" السياسي الذي لا يزال يتحكم بالأوضاع. إذ تخضع هذه المناطق لسلطات النظام وقوى الأمر الواقع والمليشيات، وكل منها يعمل على فرض "قوانينه" وحدوده على التعليم، ما من شأنه أن يضاعف من صعوبة إمكانية الخروج من المأزق طالما أن كل طرف يستعمل سيطرته على الأرض لفرض أجندته.
يمكن التكهن بأن عملية ترميم المدارس وتجهيزها متأخرة. بيد أن الصعوبات التي يعانيها القطاع التعليمي لا تقتصر على الجانب السياسي- الأمني، بل تتجاوزه إلى الجانب الاقتصادي المعيشي، الأمر الذي دفع بالكوادر التعليمية إلى ترك المهنة والتوجه نحو سواها من أعمال أكثر مردوداً، كما أن أعداداً لا يستهان بها غادرت البلاد، ما انعكس نقصاً في مدرسي المواد العلمية واللغات. يضاف إلى كل ذلك أن أوضاع الأهالي زادت سوءاً، ما دفعهم إلى إخراج أبنائهم وبناتهم من المدارس وقذفهم إلى سوق العمل.
وتشير المنظمات الدولية المعنية كـ"يونيسكو" و"يونيسف" إلى وجود نحو 2.5 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة خارج المدرسة، ما يعني ثلث عدد السكان في سن الدراسة.
وفي ظل التأخر في وصول المساعدات وتعدد الجهات المسيطرة على الأرض، يصعب القول إن المناطق المحاذية للحدود التركية ستتمكن من إزالة الأنقاض وتدبير مبان ملائمة لعملية التدريس بالسرعة المأمولة، وينطبق هذا الوضع على أحياء حلب المحاصرة، وسرمدا، والدانا، وترمانين، وحارم، وسلقين، وكفرتخاريم، والأتارب، وكذلك على مناطق عفرين، وجنديرس، والباب، وإعزاز.
ولأن أضرار الزلزال امتدت إلى حماه واللاذقية وطرطوس في الغرب والوسط، يمكن التكهن بأن توفير خدمات تعليمية لملايين الأطفال بات أشد صعوبة مما كان عليه من قبل.
خلاصة القول إن ما لم تدمره سنوات الحرب من مدارس، والمقدر بـ 50 في المائة من المؤسسات التعليمية في عموم البلاد أصابه الزلزال مناطقياً، ما يضاعف من تلك الأرقام التي أظهرتها دراسة أممية أشارت إلى أن 50 في المائة من الأطفال في سورية لم ينجزوا المرحلة الابتدائية، ناهيك بالمتسربين والمتأخرين عن صفوفهم. وهنا نتحدث عن ملايين الأطفال، فالأزمة تمتد على رقعة البلاد من أقصاها إلى أقصاها، مع تمييز أضافه الزلزال.
(باحث وأكاديمي)