تسريبات حول زيادة فترة انتظار الإقامة البريطانية

12 يونيو 2023
بريطانيون معارضون لخطط ترحيل اللاجئين (فينبار ويبستر/Getty)
+ الخط -

لا يزال ملف الهجرة هو الأكثر حضوراً في الاجتماعات الرسمية واللقاءات الدولية التي يشارك فيها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، كذلك لا يزال مشروع قانون "أوقفوا القوارب" الذي أعلنه إلى جانب وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، عالقاً في مجلس اللوردات، وسط انتقادات لاذعة من "حزب المحافظين" ومن خارجه، من أروقة ويستمنستر، ومن خارج أسوار المملكة المتحدة.
ويتضمن القانون الجديد إجراءات وصفها حقوقيون بأنها "تعسفية" و"غير قانونية"، إذ تتيح للحكومة توقيف كل طالبي اللجوء وترحيلهم إلى رواندا ضمن الخطة المثيرة للجدل، أو "تسليمهم" لبلدانهم، إن كانت "آمنة". كذلك، يتنصّل القانون من أي مسؤولية تجاه الأطفال القادمين من دون مرافق أو تجاه كبار السن المرضى، أو حتى تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن أن كل طالب لجوء يحاول الدخول إلى البلاد بطريقة "غير قانونية" سيمنع لاحقاً بعد ترحيله من دخول البلاد إلى الأبد.
ويبرز ملف الهجرة أزمة حزب المحافظين الحاكم منذ 13 عاماً، ويدل على هشاشة التخطيط وضعف الرؤيا، ويشير ربما إلى تراجع قيم العدالة والمساواة والحرية، ويبرز أيضاً اتساع الفجوة بين المسؤولين السياسيين ومطالب ناخبيهم وتطلّعاتهم.
وضمن هذا النقاش الصعب حول سياسات "المحافظين" تجاه الهجرة، أوردت صحيفة "ديلي ميل" خبراً عن نيّة وزارة الداخلية تمديد فترة الانتظار التي يمضيها الأجانب في المملكة المتحدة قبل الحصول على "الإقامة الدائمة" من 5 إلى 8 سنوات، وهي "الخطوة الأولى نحو المواطنة". كذلك، أوردت الصحيفة أن التغييرات الجديدة التي تسعى لها الحكومة تتضمن شرط العمل أو الدراسة لسنتين على الأقل للراغبين في الحصول على إقامة قانونية.

مشروع قانون "أوقفوا القوارب" من بين أبرز مراجعات الحكومة البريطانية

ورفضت وزارة الداخلية في اتصال مع "العربي الجديد"، التعليق على الخبر بحجة أنها لا تعلّق على "تكهنات"، وأن "سياسات الهجرة الخاصة بنا تخضع لمراجعة مستمرة في مصلحة الشعب البريطاني"، إلا أنها لم تنف صحّة الخبر.
يُذكر أن مشروع قانون "أوقفوا القوارب" هو إحدى تلك "المراجعات" الأساسية التي تحدثت عنها الحكومة، ويصر سوناك على أن "خطّتنا بدأت تجني ثمارها" قبل حتى أن تدخل حيّز التنفيذ، لأن نسبة القوارب المحمّلة باللاجئين انخفضت هذا العام بنسبة 20 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أن الأرقام التي أعلنها سوناك مختلفة عن الأرقام التي أعلنها لاحقاً مركز الإحصاء الوطني، الذي أكّد تقريره الأخير الصادر قبل أسبوعين، أن إجمالي عدد المهاجرين إلى المملكة المتحدة بلغ 606000 شخص، ما يمثل زيادة بنسبة 24 في المائة عن الارتفاع القياسي الذي سجلته الأرقام في العام السابق، والذي بلغ 488000 مهاجر.
وحول ما أوردته صحيفة ديلي ميل، قالت المحامية البريطانية ومستشارة شؤون الهجرة، ريما معتصم، لـ"العربي الجديد"، أن نظام الهجرة الذي تعتمده الحكومة البريطانية "مسيّس"، كذلك فإن التعديلات التي تسعى لها في هذا الملف "قائمة على النمط السياسي"، وبالتالي فإن الحكومة تحاول أن تجعل الأمر "أكثر صعوبة وتعقيداً" وأن تخلق "بيئة عدوانية" لتقلّل من حماسة اللاجئين في التوجه إلى بريطانيا.

الصورة
يتزايد التشدد البريطاني إزاء المهاجرين (كارل كورت/Getty)
يتزايد التشدد البريطاني إزاء المهاجرين (كارل كورت/Getty)

وتضيف معتصم أن "الأرقام الرسمية تلغي هذه النظرية، وتبين أن هذه السياسة غير مجدية، وأن كل الأساليب المشابهة لم تمنع طالبي اللجوء من القدوم إلى بريطانيا، ولم تقلّل من أعدادهم".
ومع أنها غير متأكدة من صحّة الخبر، إلا أن المسألة ليست مفاجئة بالنسبة إليها، لأن وزارة الداخلية تسعى بالفعل لـ"خلق صعوبات إضافية"، كذلك لا تستبعد أن يكون الخبر جزءاً من "حملة دعائية"، أو "حملة ترهيب" تخوضها الوزارة للحدّ من أعداد طالبي اللجوء.
وحذّرت مستشارة شؤون الهجرة من أنّ وزارة الداخلية تمتلك سلطات تتيح لها اعتماد قرار كهذا من دون الرجوع إلى الحكومة، أو إلى مجلسي العموم واللوردات، إذ إن أية قرارات جديدة "لا تغيّر من طبيعة التشريع" أو لا تدرج ضمن ما يسمّى بـ"التغييرات الجوهرية"، لا تستدعي المرور عبر القنوات التقليدية المعتمدة، وبالتالي يكون من "السهل تمرير قرار مثل هذا من دون المرور عبر البرلمان".
وحول الفئات التي سيتضمّنها هذا القرار إن كان صحيحاً، حذّرت معتصم من صعوبة الأمر من الناحية التقنية، ومن احتمال تطبيقه بأثر رجعي، وهذا ما حدث في الماضي عدة مرات، وبالتالي قد "يجد مقيمون في بريطانيا أنفسهم مطالبين بـ3 سنوات إضافية قبل الحصول على الإقامة الدائمة". غير أن "تطبيق القوانين بأثر رجعي" أمر معقّد، وغالباً ما يثير انتقادات واسعة، خصوصاً أن استمارات اللجوء والإقامة التي أقرّتها وزارة الداخلية تؤكّد "الحق الشرعي" للمقيمين على الأراضي البريطانية بالحصول على الإقامة الدائمة بعد مرور 5 سنوات. لذلك ترجّح ألا يشمل هذا القرار حال اعتماده، المقيمين مسبقاً، بل الأشخاص القادمين بعد إقراره.

أوقفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أول طائرة ترحيل إلى رواندا

أما عن "خطة رواندا" التي أعلنتها وزيرة الداخلية في حكومة بوريس جونسون، بريتي باتيل، قبل عام، والتي وصفها الملك تشارلز بـ"المروّعة"، فاستبعدت ريما معتصم أن تتمكّن الحكومة من ترحيل أي شخص إلى البلد الأفريقي قبل أن "تقفل كل القضايا المرفوعة ضدّها"، إذ إن الخطة لا تزال عالقة في محكمة الاستئناف العليا في انتظار اتّخاذ قرار نهائي بشأنها، وهناك أيضاً حكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي لم تنسحب منها بريطانيا بعد، وبالتالي ما زالت لديها سلطة إيقاف طائرات الترحيل، كما حدث في يونيو/ حزيران 2022، مع أول طائرة كان من المفترض أن تحلّق إلى كيغالي، التي أوقفتها المحكمة الأوروبية في اللحظات الأخيرة قبل الإقلاع، وكان على متنها 15 طالب لجوء فرّوا من الحروب والقمع في بلدان كالعراق وسورية وأفغانستان.
لكن هذا لا يعني، بحسب معتصم، أن ملف الهجرة سيشهد انفراجاً في وقت قريب، لأن "سياسات الهجرة الخاصة بوزارة الداخلية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم"، واللافت هو ميل الوزارة إلى تعيين أشخاص يفتقرون إلى المؤهلات والخبرة، ما يجعلهم غير قادرين على خوض نقاشات قانونية حول أوضاع المهاجرين، إضافة إلى "جهلهم بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان التي فرّ منها طالبو اللجوء"، ما يجعل الرسائل التي تصل من وزارة الداخلية مليئة بالتناقضات والأخطاء، ومخالفة أحياناً للقوانين.
وطالب وزير الدولة البريطاني لتكافؤ الفرص والإسكان والمجتمعات المحلية، مايكل جوف، الحكومة أخيراً بأن تصبح "المواطنة في المملكة المتحدة امتيازاً وليس حقاً". لكن الأخبار المتكررة خلال العامين الأخيرين حول ملف الهجرة تشير إلى أنها لم تعد حقاً ولا امتيازاً بالنسبة إلى طالبي اللجوء، فالظروف الإنسانية التي يعيشها الآلاف من طالبي اللجوء تكاد تقترب من تلك التي فروا من بلادهم بسببها.

قبل أقل من عام، كان الآلاف محشورين في مركز مانستون سيئ الصيت، وانتشرت الأمراض بينهم وسط إهمال حكومي غير مسبوق. وقبل أشهر، سرّبت الصحافة المحلية أنباءً عن أطفال يتعرّضون لاعتداءات جنسية ولفظية بعد أن أرسلتهم وزارة الداخلية إلى مراكز مخصصة للكبار.
وكان آخر ما سرّبته الصحافة البريطانية، رسالة لرئيس مجلس بلدية ويستمنستر، آدم هوغ، إلى وزيرة الداخلية احتجاجاً على أوضاع أكثر من 40 طالب لجوء ينامون في شوارع العاصمة بعد أن "تخلّت عنهم الوزارة وتركتهم من دون سكن مناسب، أو دعم، أو تواصل". وقال  في رسالته إن "وزارة الداخلية طالبت كل 4 لاجئين بالنوم في غرفة واحدة، ولم تتحمل مسؤوليتهم، تاركة هذه المهمة لمسؤولي المجالس المحلية من دون أن تبلغهم بذلك مسبقاً"، معتبراً أن هذا السلوك "غير مقبول"، ومطالباً الوزيرة بأن توضح "بشكل عاجل" سبب وجود أكثر من 40 لاجئ في الشارع.
واشتكت وزارة الداخلية في وقت سابق من "ضعف الإمكانات"، والعجز عن "استيعاب" هذا العدد الكبير من طالبي اللجوء، لكن هوغ أكّد في رسالته أن مجلس بلدية ويستمنستر "بذل كل الجهود الممكنة للانخراط بشكل بنّاء مع الوزارة بهدف الترحيب بطالبي اللجوء بشكل لائق، ودعمهم بكل الوسائل المتاحة"، لكن الوزارة "تقابل جهودنا بالحد الأدنى، وتمتنع عن التواصل معنا".

المساهمون