تزايد الاعتقالات في الضفة الغربية تحت ديباجة: "إسرائيل في حالة حرب"

18 يونيو 2024
اعتقال فلسطينيين في نابلس (ناصر أشتيه/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر، شهدت الضفة الغربية ارتفاعًا في الاعتقالات بتبرير "حالة الحرب"، مثل اعتقال عائشة غيظان الحامل بتهمة التحريض عبر التواصل الاجتماعي.
- تم تغيير الإجراءات القانونية لتبرير الاعتقالات الواسعة، معتمدةً على ديباجة تربط المعتقلين بالأحداث الجارية دون الحاجة لإثبات الأفعال الشخصية، ما يعكس استخدام القضايا لأغراض انتقامية.
- المحامون يواجهون صعوبات متزايدة في الدفاع عن المعتقلين بسبب تعقيدات إجرائية وتوسع مفهوم التحريض، مما يجعل الدفاع في محاكم يُنظر إليها على أنها غير عادلة أمرًا صعبًا.

تتزايد الاعتقالات في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويبررها الاحتلال الإسرائيلي بسبب بسيط هو أنه "في حالة حرب".

وشملت هذه الاعتقالات الفلسطينية عائشة غيظان (34 عاماً) من بلدة قبيا غرب رام الله وسط الضفة الغربية، التي تخشى عائلتها على وضعها لأنها حامل في الشهر السابع، ولا أفق للإفراج عنها كي تضع مولودها خارج السجن.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت عائشة وشقيقتها في 4 إبريل/ نيسان الماضي. وقال لبيب حبيب، محامي عائشة، لـ"العربي الجديد": "عائشة متهمة بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها نشرت فقط تعليقات خاصة بشقيقها الشهيد أحمد ياسين غيظان الذي نفذ عملية إطلاق نار في يوليو/ تموز 2023، ما يعني أن المضمون خاص، ويعكس ظرفاً خاصاً يسمح للمحكمة بإطلاق سراحها، لكن هذا لم يحصل".

ورفضت المحكمة أيضاً طلب محاميها إطلاق سراحها بسبب وضعها الصحي المرتبط بالحمل. وبررت الرفض بأنها "محرومة من حق استشارة محامٍ منذ بدء اعتقالها". 

وحالياً لا يأمل فريق الدفاع عنها في موافقة المحكمة الإسرائيلية على إطلاق عائشة في القريب العاجل، "فمنذ اندلاع الحرب على غزة اختلف كل شيء، ليس فقط على صعيد ظروف الاعتقال، بل في كل النواحي القانونية وأساليب تعامل محاكم الاحتلال مع القضايا، خصوصاً تلك التي يوجه فيها تهمة التحريض".

وقال حبيب: "لو كانت القضية في الظروف التي سادت قبل الحرب لاستطعنا الحصول على قرار بإخلاء سبيل عائشة حتى انتهاء إجراءات المحاكمة، لكن القرار الذي اتخذ هو إبقاؤها معتقلة حتى انتهاء المحاكمة".

ومنذ 7 أكتوبر أصبحت لوائح الاتهام في قضايا التحريض وأوامر الاعتقال الإداري بلا تهمة ووفق ملف سري وترتبط "بديباجة" أو مقدمة تشرح فيها النيابة العامة الإسرائيلية ما حصل في هذا التاريخ، حين أعلنت إسرائيل الحرب"، كما تقول مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان".

وتورد "الديباجة": "رداً على هذا الهجوم الإرهابي القاتل، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حرب السيوف الحديدية في غزة، وزادت المخاوف من حصول تصعيد في قطاعات أخرى بين ناشطين وداعمين الإرهاب أينما وجدوا".

وأكد قانونيون لـ"العربي الجديد" أن "الديباجة الإسرائيلية تهدف إلى تبرير حملة الاعتقالات الواسعة، وتحاول فرض علاقة قانونية تستخدم تحديداً في قضايا التحريض والاعتقال الإداري".

وعلّق تقرير مؤسسة الضمير: "تبرّر الديباجة حملات الاعتقال الواسعة التي تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ 7 أكتوبر، في حين أنها تكشف عدم قانونية الاعتقال، واستناده إلى الوضع السياسي الراهن، وتدل على تنفيذ إسرائيل سياسة العقاب الجماعي وتذرّعها بما حصل في 7 أكتوبر لاستهداف جميع الفلسطينيين، بغض النظر عن طبيعة عملهم أو أعمارهم".

واعتبر حبيب أن "الديباجة في لوائح الاتهام تضع المحكمة والإجراءات كلها تحت سياق الانتقام مما حصل في بداية الحرب، وتعمل على تكريس خطاب إسرائيلي وحيد مفروض، ومنع عرض أي خطاب آخر أمام المحكمة".

وتابع: "منذ بداية الحرب نشعر بأن المحاكم الإسرائيلية تنفذ سياسة انتقام ضد الفلسطينيين، وتجرّدت من معايير الحدّ الأدنى التي كانت قبل الحرب، رغم أنها لم تكن كثيرة أو فعّالة. وبعد الحرب أزالت المحاكم الإسرائيلية كل الأقنعة، وباتت تنفذ سياسة انتقام من الفلسطينيين من دون أي معايير قانونية تقريباً، وملف المعتقلة عائشة غيظان يدل على ذلك".

وأكدت سحر فرنسيس، مديرة مؤسسة الضمير، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن هذه "الديباجة" تخالف قواعد قانونية راسخة، فلدى اعتقال شخص ما لا بدّ أن يكون سبب الاعتقال هو أفعاله الشخصية، وحين تقدم لائحة اتهام ضده يجب أن تتضمن إثباتاً على أنه مسؤول شخصياً عن هذه الأفعال، وسألت: "ما علاقة المعتقلين في الضفة الغربية بما جرى في 7 أكتوبر، وبأي طريقة هم مسؤولون عن ذلك، ولماذا يذكر المدعي العام أحداث 7 أكتوبر في المحكمة؟". وأكدت سحر أن "المحامين أصروا في كل القضايا هذه على الفصل بين لوائح الاتهام أو أوامر الاعتقال الإداري وبين أحداث 7 أكتوبر، فقانون الاعتقال الإداري الخاص بالاحتلال يجب أن يثبت خطورة أفعال الشخص نفسه، وتحديد أفعاله التي يحاولون منعها".

وقال جميل سعادة، مدير الوحدة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية لـ"العربي الجديد": "بررت الديباجة الإسرائيلية اعتقال أكثر من 9 آلاف فلسطيني بعد الحرب، منهم 3500 خضعوا لاعتقال إداري".

وأوضحت أماني سراحنة، مسؤولة الإعلام في نادي الأسير، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن مئات من المعتقلين اتهموا بـ"التحريض".

والقاسم المشترك للأحكام التي تطالب بها النيابة العسكرية في تهم التحريض، هي تحديد معدل السجن بـ20 شهراً، في حين لم تكن تتجاوز سابقاً 8 أشهر مع دفع غرامة مالية. وبحسب سعادة لم يصدر أي حكم في "ملفات التحريض" بعد 7 أكتوبر لأن المحامين لم ينهوا الإجراءات بسبب مضاعفة الأحكام المطلوبة إلى الضعفين في بعض الأحيان.

وعموماً زاد استخدام الاحتلال تهمة التحريض، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي منذ نهاية عام 2014. وفيما يُطرح السؤال، كيف يمكن لأي شخص أن يعرف أن ما كتبه يمكن أن يصنّف بأنه تحريض، يُجيب مدير الوحدة القانونية في هيئة الأسرى جميل سعادة بالقول: "كوني مواطناً أو حتى محامياً فلن أستطيع معرفة إذا كان منشور بعينه يمكن اعتباره تحريضاً أم لا، فمهموم التحريض غير واضح بخلاف تهمة رشق الحجارة".

وقالت سحر فرنسيس: "توسّع مفهوم التحريض بشكل كبير بعد الحرب، فكل كتابة أو مشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، أكانت من صحافي أو طالب أو حتى طفل يمكن تفسيرها بأنها تحريض، وحتى الكتابة بتعاطف مع أهالي غزة أصبحت تفسّر بأنها تحريض على العنف ومساندة لحركة حماس".

ويصف المحامي حبيب القوانين الإسرائيلية بأنها "فضفاضة، وتسمح بتصنيف أي نوع من التأييد لفصيل فلسطيني، أو أي عمل مقاوم فلسطيني بأنه تحريض، وأيضاً التحليل السياسي في وسائل الإعلام، كما حصل مع الصحافي، في إذاعة محلية، طارق الشريف الذي اعتُقل بتهمة التحريض، وهناك من كتب: أنتظر العودة إلى بيتي في عكا فاعتُبر محرضاً".

إلى ذلك، تشير قضية التحريض والتعامل القانوني معها إلى الصعوبات التي تواجه المحامين في محاكم الاحتلال العسكرية، فالهجوم كما تقول سحر فرنسيس: "شمل المحامين أيضاً على صعيد الإجراءات في المحاكم، ومواجهتهم تعقيدات في ممارسة أعمالهم".

وتعرّض المحامون الذين دخلوا إلى المحاكم لتفتيش، وأحياناً إلى فصل كامل عن مبنى أقسام في المحكمة. ثم نقلت غرفة المحامين في محكمة عوفر العسكرية إلى ساحة انتظار الأهالي، كي لا يختلطوا مع النيابة أو القضاة.

وقالت فرنسيس أيضاً إن الأحكام أصبحت أكثر، وعدد المعتقلين الإداريين يرتفع. ويدل ذلك على أن عمل المحامين يواجه صعوبات وتغييرات كثيرة. وتشير إلى أن من بين الأسئلة المطروحة: كم يستطيع المحامي أن يحدث فرقاً؟ نقول منذ سنوات إن المحاكم غير عادلة، وفي ظل الدور المحدود للمحامين صار عملهم أصعب.

وتعود الإشكالية إلى القوانين والأوامر العسكرية التي تصاغ بمفاهيم وجمل فضفاضة تحتمل تفسيرات ومساحات كبيرة لطبيعة الأحكام وسقفها.

المساهمون