يقول اللاجئ السوري في تركيا أكرم عبد اللطيف لـ"العربي الجديد"، إنه تقدّم بطلب عودة طوعية أمس الأربعاء أمام بلدية إسينيورت بإسطنبول، بعد توقيفه في الفترة الماضية لأكثر من عشرة أيام "بسبب عدم تعطيل شريحة الهاتف المحمول القديمة".
يضيف أنّ السلطات التركية أوقفت العمل ببطاقة الحماية المؤقتة (كملك)، الأمر الذي يعرقل عمله وحتى وجوده في البلاد، علماً أنّه ربّ أسرة ولديه خمسة أولاد.
وتستمرّ تركيا في ترحيل اللاجئين السوريين الذين تدّعي أنّهم يخالفون قوانين اللجوء أو لم يعمدوا إلى تعديل بياناتهم الخاصة ببطاقة الحماية المؤقتة التي منحتها لهم، ليرتفع عدد السوريين المرحّلين قسراً إلى نحو ثمانية آلاف سوري أسبوعياً. وقد تحدّث ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا فيليب لوكلير عن عودة هؤلاء إلى بلادهم على الرغم من أنّ "الظروف ليست مناسبة لعدد كبير من حالات العودة الطوعية"، بحسب ما نقلت عنه وكالة رويترز أخيراً.
ومنذ مطلع يونيو/حزيران الجاري، جمدت تركيا بطاقات الحماية المؤقتة الخاصة بأشخاص أفادت بأنّهم غيّروا أماكن أقامتهم التي مُنحوا البطاقة على أساسها، أو لم ينجزوا معاملات رسمية استناداً إلى تلك البطاقة، أو رُفعت دعاوى قضائية بحقهم ولو من قبيل إزعاج الجوار. وبالتالي يُصار إلى ترحيل معظم الأشخاص المجمّدة بطاقاتهم، بعد حجزهم احتياطياً في انتظار صدور قرارات الترحيل.
وفي هذا الإطار، أوضح نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتاكلي أنّ ثمّة فئة من السوريين عطّلت الحكومة ملفاتهم ووثائقهم الرسمية، وعددهم 122 ألف سوري موزّعين على الولايات التركية. أمّا الأسباب التي عرضها وفق ما نقلت صحيفة "خبر" التركية أمس الأربعاء، فهي أنّ لا معاملات منجزة في مؤسسات الدولة من قبل هؤلاء السوريين منذ نحو عامَين، وعند البحث عن عناوينهم لم يُعثَر على أيّ دليل يثبت وجودهم، لذلك عُطّلت ملفاتهم.
ويتساءل لاجئون سوريون في تركيا عن حقوقهم القانونية في حال رُحّلوا قسرياً، حتى من دون ارتكاب أيّ مخالفة، خصوصاً بعد تكرار رفع دعاوى قضائية أو الطلب بإعادة النظر بملفات اللجوء. يُذكر أنّ السورية رانيا شركس قدّمت طلب إعادة نظر في شهر يونيو/حزيران الجاري وقد استجابت السلطات التركية لها وأوقفت قرار ترحيلها.
ويلفت رئيس تجمّع المحامين السوريين الأحرار في تركيا غزوان قرنفل لـ"العربي الجديد" إلى أنّه لا يحقّ للمرحّل اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مثلاً إلا بعد استنفاد الفرص القانونية في البلد الذي يقيم فيه، أي بعد أن يرفع دعاوى في المحاكم الوطنية كالطعن بقرار الترحيل لدى المحاكم التركية، وفي حال أتى ذلك من دون جدوى يلجأ إلى المحاكم الدولية.
ويشدّد قرنفل على ضرورة تحقيق شرط استنفاد الفرص القانونية في تركيا وتحقيق الشروط القانونية كلها في خلال ملء ملفّ الدعوى، ناصحاً بـ"توكيل محام لذلك لأنّ أيّ خطأ يُفقد المدّعي فرصته". وبالنسبة إليه، فإنّ الأمل كبير لأيّ سوري يُرحَّل قسرياً، خصوصاً في حال تعرّض قبل الترحيل أو في أثنائه لمعاملة غير إنسانية، من قبيل التوقيع القسري على العودة الطوعية أو سوء التعامل خلال وجوده بمراكز الترحيل أو في أثناء رحلة الترحيل.
فوز سوري بدعم أوروبي
ويخبر قرنفل أنّ اللاجئ السوري محمد فوزي العقاد فاز بدعوى قبل أيام، لأنّه أرفق أدلّة على تقييد يدَيه لمدّة 20 ساعة خلال عملية ترحيله، على الرغم من أنّه ضُبط وهو يحاول الهجرة إلى اليونان بحراً. وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد قرّرت أنّ قيام أنقرة بترحيل لاجئ سوري قسرياً على الرغم من امتلاكه بطاقة الحماية المؤقتة، يُعَدّ انتهاكاً واضحاً للحقوق، وقد ألزمتها بدفع تعويض قيمته 12 ألفاً و259 يورو (نحو 12 ألفاً و890 دولاراً أميركياً) للاجئ العقاد.
وبحسب التحقيقات التي أجرتها المحكمة فإنّ ترحيل السلطات التركية العقاد إلى سورية هو "قسري وغير قانوني" تحت غطاء "الإعادة الطوعية"، شارحة أنّ هذا الأمر ينتهك كذلك القانون التركي. وجاء قرار المحكمة الأوروبية بحسب ما نقل موقع يورونيوز وصحيفة بيرغون التركية، بعد قيامها بتقييم طلب العقاد، وقد بيّنت بالإجماع أنّ ثمّة انتهاكات لحقوق الإنسان في هذه العملية، منها انتهاكان للمادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (حظر المعاملة اللاإنسانية أو المهينة) وذلك في أثناء نقل اللاجئ السوري من مدينة أدرنة إلى هاتاي التركيّة.
ورأت المحكمة أنّ أدلة جوهرية قُدّمت تفيد بأنّ اللاجئ السوري كان معرّضاً للخطر من جرّاء المعاملة، الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقية. وأفادت بأنّ السلطات التركية عمدت إلى تكبيل يدَيه مع سوريّين آخرين في أثناء رحلة في حافلة استغرقت نحو 20 ساعة، الأمر الذي يُعَدّ "معاملة مهينة".
وضمّنت المحكمة بيانها القرارَ الصادرَ عن هيئة المحلفين المؤلفة من سبعة أشخاص برئاسة القاضي الدنماركي جون فريدريك كيالبرو، وهذا نصّه: المحكمة قضت بحدوث انتهاك للمادة 13 (الحقّ في سبيل انتصاف فعّال) بالاقتران مع المادة 3، إذ لا يمكن للشخص الاعتراض على ترحيله إلى سورية، ولاحظت المحكمة أنّ السلطات التركية رفضت فرصة استخدام سبل الانتصاف المنصوص عليها في القانون التركي للطعن في الإعادة القسرية للمدّعي إلى سورية.
كذلك رأت المحكمة الأوروبية انتهاكاً للمادة 5 (الحقّ في الحرية والأمن) بالإضافة إلى اكتشافها أنّ المدّعي حُرم من حريته في الفترة الممتدة من اعتقاله في ميريتش التركية بالقرب من الحدود اليونانية وحتى نقله إلى سورية، الأمر الذي يعني أنّه لم يُصَر إلى الامتثال للضمانات القانونية المنصوص عليها في القانون المحلي في ما يتعلق باحتجاز الأشخاص على وشك الترحيل.
وبحسب مصادر في إدارة الهجرة، فإنّ السلطات التركية رحّلت 28 ألفاً و581 مهاجراً غير نظامي من الذين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية منذ مطلع العام الجاري، معلّلة هذه الخطوة بأنّها تأتي في إطار مكافحة سلطات البلاد الهجرة غير النظامية. وقد تراوحت أسباب الترحيل بين الدخول غير القانوني، وانتهاك المدّة القانونية للبقاء في تركيا عقب انتهاء صلاحية التأشيرة، وتزوير أوراق رسمية، وانخراط في ممارسات تخالف القانون وتنتهك الأمن والاستقرار.