نساء وفتيات تركمانيات كثيرات اختُطفنَ وسُبينَ على يد تنظيم "داعش" في العراق، قبل سنوات. وهؤلاء، ما زال مصيرهنّ مجهولاً، وسط غضّ طرف عالمي عن قضيتهنّ المحقّة وحقوقهنّ المنتهكة.
ما زالت الحكومة العراقية تجهل مصير نحو ألف مختطفة عراقية من القومية التركمانية في قبضة تنظيم "داعش"، عقب اجتياحه الأراضي العراقية في عام 2014 واحتلاله الموصل ومدن شمال نينوى وغربها وارتكابه جرائم إرهابية مروّعة، من بينها استهداف أقليات دينية وعرقية مثل الأيزيديين والشبك، وأخيراُ التركمان بالقرب من تلعفر وسنجار وآمرلي وكركوك. ويطالب ناشطون من المكوّن التركماني العراقي، منذ عام 2014، الحكومة والمنظمات الإنسانية والحقوقية والمدنية بمعرفة مصير المختطفات اللواتي أخذهنّ "داعش" سبايا إلى مناطق متفرقة من العراق وسورية تحت سيطرته. كذلك يتّهم مسؤولون وبرلمانيون تركمان الحكومة العراقية بالتقصير في متابعة ملف المختطفات التركمانيات والتركيز فقط على الأيزيديات بسبب الاهتمام الأممي والدولي بهنّ، في حين يؤكد مسؤولون أمنيون يعملون لمصلحة الحكومة أنّ القوات الأمنية والاستخباراتية تواصل عملها لمعرفة مصير المختطفات ومتابعة آثارهنّ بعد كل معلومة تشير إلى أماكنهنّ، لكن لا نتائج حقيقية تغيث أهالي وذوي المختطفات على أرض الواقع.
وأزمة المختطفات التركمانيات والأيزيديات دخلت عامها السادس، وذلك بعدما سيطر "داعش" في أغسطس/ آب 2014 على مناطق سنجار وربيعة وزمار في نينوى، فارتُكبت جرائم عديدة ضدّ هاتَين الأقليتَين، إذ قتل التنظيم مئات من الرجال التركمان والأيزيديين، فيما مورست عمليات التعذيب حتى الموت بحقّ مئات من الذين لم يهربوا، وسُبيت آلاف من النساء والأطفال، في واحدة من أبشع جرائم التنظيم بحقّ الإنسانية.
ونظّمت الجبهة التركمانية العراقية (جهة سياسية)، أخيراً، وقفة احتجاجية أمام مكتب المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في كركوك في محافظة كركوك، طالبت فيها الحكومة العراقية والمنظمات الدولية بالكشف عن مصير النساء التركمانيات اللواتي اختطفهنّ تنظيم "داعش" ونقلهنّ إلى سورية. وكشفت الجبهة في بيان أنّ "العدد الكلي للمختطفين والمختطفات التركمان من تلعفر بلغ 1300 مختطف ومختطفة، منهم 1200 تمّ اختطافهم في العام 2014 أثناء هجوم داعش على تلعفر، و100 آخرون خلال السنوات 2015-2017". وأضافت أنّ "من بين المختطفين 470 امرأة وفتاة، و130 طفلاً، و700 رجل، كما أنّ 42 مختطفاً ومختطفة دون سن الـ18 قد نجوا من بطش التنظيم الإرهابي، والمتبقين ما زالوا مجهولي المصير".
يقول رئيس الجبهة التركمانية في البرلمان العراقي أرشد الصالحي لـ"العربي الجديد" إن "الأعداد التي اختطفها داعش من التركمان كبيرة، وإن ثمّة تجاهلاً حكومياً واضحاً وتقصيراً في هذا الملف. كذلك فإنّ غالبية الوعود التي أطلقتها الحكومة العراقية في وقتٍ سابق بشأن متابعة المختطفات لم تكن جادة، إذ لم تظهر لها أيّ آثار على أرض الواقع". ويشير إلى أنّ "كل المعلومات التي في حوزتنا عن بعض الأماكن التي نتوقّع وجود المختطفات فيها، أعطيناها للحكومة العراقية في أكثر من مناسبة، لكن لا نتائج تخدم المختطفات أو ذويهنّ من قبل السلطات. كذلك فإنّ الناجين والناجيات من التركمان يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة". ويشدّد الصالحي على أنّ "السلطات العراقية مطالبة حالياً بالإسراع في التحرك على كلّ المستويات لإنقاذ أكثر من 400 امرأة تركمانية مختطفة، يقبعنَ اليوم في سجون ومعتقلات سرية خاضعة لسيطرة داعش في مناطق الرقة والحسكة ومخيّم الهول السورية، بالإضافة إلى سجن عفرين. كذلك من المفترض تفعيل قانون الناجيات العراقيات من أجل إغاثة ودعم اللواتي نجونَ من إرهاب داعش، لا سيما أنّ كلّ من نجا يعاني حالياً من مشاكل صحية ونفسية واجتماعية".
وكان الصالحي قد أشار في بيان إلى أنّ "جهاز الاستخبارات العراقي توصل إلى أماكن وجود النساء التركمانيات المختطفات من قبل تنظيم داعش، وأنّ بعضهنّ حاولنَ الهرب إلى تركيا إلا أنّهنّ فشلنَ في ذلك"، موضحاً أنّ "جهاز الاستخبارات العراقي أكد للجنة حقوق الإنسان وجود تركمانيات مختطفات بسجون لداعش في سورية". وتفيد مصادر صحافية بوجود نساء تركمانيات في مخيمات منطقة السد في مدينة الرقة، وأبو الخشب وأبو حمام في دير الزور، والهول في الحسكة.
وفي هذا الإطار، يقول مسؤول حكومي في بغداد لـ"العربي الجديد"، وقد تحفّظ عن ذكر هويته، إنّ "رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أولى اهتماماً كبيراً بملف المختطفات من الأيزيديات والتركمانيات، وهو يدير الملف بنفسه. وخلال الأشهر الماضية، تمكنت الحكومة العراقية من تحرير أكثر من 12 مختطفة أيزيدية، من خلال التواصل مع الجانب السوري ومنظمات دولية، ولكنّها لم تتمكن من التوصل إلى أيّ شيء في ما يتعلق بالتركمانيات". يضيف المسؤول نفسه أنّ "الكاظمي يسعى إلى زيادة التنسيق مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) ورئيس الحكومة السورية، للتوصل إلى إدراك حقيقة السجون السرية التي يُشاع أنّ المختطفات موجودات فيها، بإشراف من قبل جهات بعضها ينتمي إلى الجماعات المسلحة وتمارس عمليات الابتزاز والاستغلال الجنسي، بالإضافة إلى بيعهنّ لذويهنّ بمبالغ كبيرة".
من جهته، يلفت الناشط التركماني من مدينة تلعفر محمد شيخلر، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "كلّ المخاطبات والمقابلات التي أجراها الناشطون التركمان مع المسؤولين في حكومتَي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وحتى مع العاملين إلى جانب مصطفى الكاظمي في الحكومة الحالية، أكدت أنّ الأجهزة الأمنية تعمل على متابعة ملف المختطفات. وعلى الرغم من أنّنا قدّمنا عشرات الوثائق والشهادات إلى جهاز الاستخبارات العراقي، التي تثبت أنّ مئات المختطفات محتجزات لدى مليشيات قوات سورية الديمقراطية في الجانب الشمالي من سورية، فإنّ الحكومة لم تتّخذ أيّ إجراءات واقعية". ويوضح أنّه "بسبب انتشار فيروس كورونا وتدابير الوقاية من الوباء، انقطع الاتصال بعدد من المختطفات والأسيرات في دير الزور السورية".
تخبر خديجة علي أوغلو، التي تسكن في كركوك، "العربي الجديد" أنّها باتت مسؤولة عن البحث عن ابنة شقيقها الذي توفي متأثراً بفقدانها. تضيف أنّه "لم يتبقّ لابنة شقيقي من يسأل عنها غيري، وأسعى إلى الحصول على أي شيء يؤكد أنّها ما زالت على قيد الحياة"، مشيرة إلى أنّ "عدداً من ذوي الضحايا ممّن يملك إمكانيات مالية سافر إلى تركيا وسورية ولجأ إلى خدمات باحثين وأنفق الأموال للبحث والسؤال. لكنّني من جهتي أنتظر الحكومة أن تقوم بدورها". وتوضح أوغلو أنّ "عناصر من داعش اختطفوها من قرب تلعفر، بعد مقتلة عظيمة نفّذها مستهدفاً السكان، خصوصاً الرجال. ففقدنا كثيرين من المعارف والأهل". بالنسبة إليها "لا يمكن لأفراد داعش أن يكونوا من البشر... هم استباحوا دماءنا وأموالنا وأعراضنا باسم الدين، فيما الدين مهم براء"، وتابعت "أنّ فتاوى قتل وسبي مخالفيهم كانت كفيلة بأن يعجّل الله القضاء على هذا التنظيم ويفتك بقادته".
في سياق متصل، تلفت رئيسة منظمة تولاي، التي تُعنى بشؤون التركمان، هيمان رمزي، لـ"العربي الجديد، إلى أنّ "جهاز الأمن الوطني اكتشف أخيراً وجود مئات من النساء المختطفات في مناطق متفرقة من سورية، لكنّ لا حديث عن الموضوع في الأوساط السياسية. لكن في الآونة الأخيرة، ومع اقتراب موعد الانتخابات، باشرت بعض الجهات باستغلال هذا الملف، من أجل حصد أصوات المجتمع التركماني، مع العلم أنّ تلك الأحزاب لم تكن تهتم لهذا الأمر". وتوضح أنّ "ثمّة نحو 1300 مختطف تركماني، ومنذ عام 2017 حتى الآن، تمّ تحرير 22 امرأة مختطفة و22 طفلاً فقط، من خلال عمليات التحرير النوعية التي أجرتها القوات الأمنية".
وتتحدّث رمزي عن "جهد مستمر لإنقاذ المختطفات الأيزيديات، في حين لا يُسجّل أيّ تطوّر في ملف التركمانيات، نطراً إلى عدم تعاون الحكومة في بغداد مع مكتب تحرير المختطفين الذي أسسته حكومة إقليم كردستان في محافظة دهوك". وتفيد بأنّ "ثمّة 200 امرأة تركمانية وكذلك أطفال تركمان في مخيّم الهول السوري، وبعض هؤلاء تأثروا بالخطاب الإرهابي لتنظيم داعش بفعل غسل الدماغ الذي مارسه عناصر التنظيم على المختطفين. كذلك فإنّ عدداً من قياديي داعش اصطحبوا معهم المختطفات التركمانيات من تلعفر والرقة إلى تركيا والشيشان، وهذا الأمر لا يُحلّ إلا من خلال عمل صادق وإنساني من قبل كلّ دول العالم، إلى جانب تنسيق وتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لمعرفة مصير التركمانيات لدى داعش".