في منطقة شبه صحراوية تدعى بني خداش في محافظة مدنين جنوب تونس، ربما لم يفكّر أحد في تربية الأسماك باعتبار أن المناخ والبيئة غير ملائمين. لكن كوثر رجباني (26 عاماً)، المتخصصة في تربية الأحياء المائية (استزراع الكائنات المائية في المناطق الساحلية والداخلية، من خلال التدخل في عملية التربية لتعزيز الإنتاج)، نجحت في بدء مشروع لتربية الأسماك يعدّ الأول من نوعه في تلك المنطقة.
درست كوثر الصيد البحري وتربية الأسماك، وتواصل اليوم الدراسات العليا في الهندسة والإدارة المستدامة للثروات البحرية، واختارت بدء مشروعها الخاص وهو تربية الأسماك في منطقتها في جنوب تونس، على الرغم من أنّها تدرس في محافطة بنزرت في أقصى شمال البلاد.
بداية، لم تتوقّع عائلة كوثر نجاح المشروع في منطقة صحراوية قاحلة. كما أثارت الفكرة استغراب أهالي منطقتها وتساؤلهم عن مدى قدرة الفتاة على تربية الأسماك في بيئة غير بيئتها العادية وسط الصحراء. إلا أنها تحدّت طبيعة المناخ الجافة والقاحلة وأنشأت أحواضاً صغيرة لتربية الأسماك المعدّة للاستهلاك. واختارت من الأسماك البلطي القادر على التأقلم والعيش في المياه العذبة وتحمّل درجات الحرارة العالية في المنطقة.
تقول كوثر إنّ غالبية مناطق الجنوب التونسي لا توفر الأسماك في الأسواق في مناسبات عدة على الرغم من وجود بعض الشواطئ في الجنوب على غرار شاطئي جرجيس وجربة، الأمر الذي دفعها إلى بدء مشروع تربية الأسماك المُعدّة للاستهلاك في منطقتها، على الرغم من احتمال عدم الإقبال على استهلاك أسماك تعيش في المياه العذبة وتتغذى على الطعام المُصنّع.
أقامت مشروعها على أرض تملكها عائلتها التي لم تكن مقتنعة بنجاحه في البداية، واقتنت كميات من الأسماك الصغيرة. وحاولت استثمار ما تعلّمته في الجامعة، من خلال توفير أطعمة تتولى صنعها بمفردها بمكونات طبيعية، لتوفر غذاء للأسماك لا يؤثر على صحة المستهلك كما تقول، على الرغم من علمها بابتعاد بعض الناس عن تناول السمك الذي يتغذى على الطعام المصنّع.
وتقول كوثر إنّها "نجحت في تربية الأسماك وتوفير كميات باتت للاستهلاك، ووجدت إقبالاً كبيراً عليها. لكنّها ما زالت تطمح إلى تكبير المشروع في المنطقة وتربية أنواع عدة من الأسماك للأسواق في منطقتها، بالإضافة إلى مناطق أخرى تفتقر أسواقها إلى الأسماك". تضيف أنّها لم تحصل على أي دعم من أي جهة حكومية، لكنها تفكر في البحث عن أي تمويل أو قروض أو أي تسهيلات تُمكنها من تطوير المشروع وتشغيل بعض الشباب العاطلين عن العمل في منطقتها.
وتشير كوثر إلى أنّ أحواض المياه التي تربي فيها الأسماك تتطلب تغيير المياه باستمرار، ما جعلها تفكر في عدم إهدار تلك الكميات الكبيرة من المياه في كل مرة، بل استغلالها في الأراضي الزراعية، فباتت تسقي بها بعض الأشجار في الأرض التي تملكها عائلتها على غرار الزيتون والعنب، لا سيما وأنّها مياه غير ملوثة وغير ضارة للتربة أو الأشجار.
وتقول كوثر إنّه من الطبيعي أن يواجه أي شاب يحاول بدء مشروعه الخاص عدم تشجيع من العائلة نتيجة الخوف في البداية، بالإضافة إلى استغراب أبناء المنطقة وتشكيكهم في مدى احتمالات نجاح المشروع. إلا أن أي شخص قادر على بدء مشروع خاص حتى وإن لم تكن إمكانياته كبيرة. وهذا يبقى أفضل من البقاء على لائحة الانتظار للحصول على وظيفة". تضيف أن أي شخص قادر على بدء المشروع والتجربة وتشغيل عدد من العاطلين عن العمل حتى وإن كان ذلك العدد يقتصر على بعض الأشخاص.
وبدأت تربية الأسماك في تونس منذ أكثر من عشرين عاماً في مناطق ساحلية، وعمد أصحاب هذه المشاريع إلى تربية أنواع مختلفة من الأسماك في الأقفاص العائمة في مياه البحر. في وقت عمد آخرون إلى تربية أسماك في أحواض المياه العذبة. وبحسب إحصائيات وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري، فقد تطور الإنتاج السنوي لتربية الأحياء المائية من 3 في المائة عام 2007 إلى 18 في المائة عام 2019 من الإنتاج الإجمالي للصيد البحري، بمعدل نمو سنوي يقدر بنسبة 19 في المائة.
كذلك، تؤكد وزارة الزراعة أنّ الاستثمار في مجال تربية الأسماك في الأقفاص العائمة تطور، ويوجد اليوم نحو 24 مشروعاً موزعاً على جهات ساحلية عدة. هذه المشاريع ترتكز أساساً على تربية صنفي القاروص والوراطة، الأكثر استهلاكاً في السوق الداخلية. وبلغ الإنتاج نحو 21 ألف طن عام 2018. كما تُعتبر أسعار تلك الأسماك مناسبة للطبقة الفقيرة والمتوسطة في تونس، علماً أن الأعلاف تستورد من الخارج. إلا أن بعض المنظمات البيئية تتحدث في تقاريرها عن مدى تأثير أحواض تربية الأسماك على البيئة والتربة، في حال تصريف مياه تلك الأحواض فيها.