يتواصل تراجع معدل الإنجاب في روسيا، وتكشف إحصاءات أنّ عدد مواليد النصف الأول من العام الحالي بلغ 635 ألفاً، بتراجع 43 ألفاً عن الفترة ذاتها من عام 2021.
وتظهر بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" أن عدد المواليد في روسيا يتراجع منذ عام 2014، وأن عدد مواليد العام الماضي كان أقل من 1.4 مليون، بتراجع نسبته 2.7 في المائة مقارنة بعام 2020 الذي سجل بدوره تراجع عدد المواليد بنسبة 3 في المائة.
وقرر الرئيس فلاديمير بوتين إحياء لقب "الأم البطلة" الذي يمنح لمن تنجب 10 أطفال أو أكثر، والذي أطلقه الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين في عام 1944، وتوقف بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991. وستحصل المرأة التي تنطبق عليها الشروط على مليون روبل (16 ألف دولار)، بمجرد أن يبلغ طفلها العاشر عامه الأول.
ويقول رئيس مجلس الإشراف في معهد الديموغرافيا والهجرة الروسي، يوري كروبنوف، لـ"العربي الجديد"، إن "تسارع وتيرة تراجع عدد المواليد في روسيا لا يشكل مفاجأة، ويرتبط بالدرجة الأولى بانخفاض عدد النساء في سن الإنجاب بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن العشرين". ويشرح إلى أنّ "هذا التراجع كان متوقعاً منذ عام 2013 بسبب انخفاض عدد النساء في سن الإنجاب بمقدار الثلث، مقارنة بالحال قبل عشر سنوات. وسيستمر هذا الوضع حتى نهاية ثلاثينيات القرن الحالي".
ويضيف أنّ "جيل مواليد التسعينيات يدخل سن الإنجاب حالياً، وهؤلاء قليلون بسبب التراجع الحاد في معدل الإنجاب في هذه الفترة. ومعدل الإنجاب الحالي يبلغ طفل ونصف الطفل لكلّ أسرة، وهو عدد غير كافٍ لزيادة معدل المواليد".
ويقلل كروبنوف من أهمية المزاعم حول دور عوامل مثل جائحة كورونا، وتأثير الحرب في أوكرانيا، في تحديد موقف العائلات من الإنجاب، ويقول: "يجب التفريق بين أسباب العزوف عن الإنجاب وحجج التبرير المستخدمة، مثل المساحة الضيقة للشقة والمداخيل المنخفضة. ويكمن السبب الرئيسي في أزمة مؤسسة الأسرة بعدما أصبحت حالات الطلاق تعادل حالات الزواج تقريباً، وتحوّل المجتمع إلى النمط الاستهلاكي، وبات يتقبل فكرة الانتقال من علاقة إلى أخرى بسهولة".
ويعلق على تسهيل إجراءات تجنيس الأجانب للحدّ من تراجع عدد السكان، بأنه "لا يمكن ربط الهجرة بالديموغرافيا، رغم أنّه يمكن توزيع أوراق الهوية الروسية على مئات الآلاف من المهاجرين، وتحسين إحصاءات السكان مثلما فعلت ألمانيا مع اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط، ولكن عندها لن تبقى روسيا هي نفسها. أما المجنسون من الدول ذات الثقافات القريبة إلى روسيا مثل أوكرانيا، فسيسقطون أيضاً في فخ الطفل ونصف الطفل، بينما نحتاج إلى معدل لا يقل عن 2.15 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب لتجنب تراجع عدد السكان".
ويقترح لتحسين الوضع الديموغرافي في روسيا دعم العائلات متعددة الأبناء التي أنجبت ثلاثة أو أربعة أبناء، و"إلا سينتهي وجودنا كشعب".
وفي يوليو/ تموز الماضي، توقعت وزارة العمل الروسية استمرار تراجع عدد المواليد حتى عام 2024. وعزت الأسباب إلى تراجع عدد النساء بين الـ20 والـ29 من العمر من الجيل القليل عدداَ في الأصل من مواليد التسعينيات، وبداية العقد الأول من القرن الـ21، واستمرار حال الغموض السائد في سوق العمل الذي يضطر الطبقة الوسطى إلى العدول عن التخطيط للإنجاب.
ويعتبر الأستاذ المساعد في معهد الديموغرافيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، فلاديمير كوزلوف، أن "تراجع عدد المواليد في النصف الأول من العام الحالي قد يرتبط بالوضع الغامض بعد الموجة الأكبر لجائحة كورونا في العامين الأخيرين، وعدم وضوح آفاق تمديد عدد من البرامج الخاصة بدعم العائلات".
ونقلت صحيفة "إر بي كا" الروسية عن كوزلوف قوله إن "تراجع المداخيل الحقيقية المتمثلة في الفارق بين زيادة دخل الفرد ومعدل التضخم، يؤدي إلى انخفاض عدد المواليد، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالطفل الثاني في الأسرة".
وتحذر تقديرات أممية من تراجع حاد في عدد سكان روسيا إذا لم يتغير الوضع الديموغرافي الحالي، ويتوقف تناقص أعداد المواليد، وتوقع تقرير أصدرته الأمم المتحدة في عام 2019، تراجع عدد سكان روسيا من 145.5 مليون نسمة حالياً إلى 141 ثم 136 ثم 126 مليوناً بحلول أعوام 2035 و2050 و2100 على التوالي.
وتشير بيانات رسمية إلى أن الدخول الحقيقية للروس سجلت تراجعاً بنسبة 1.2 و0.8 في المائة خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، وذلك بالتزامن مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفرض عقوبات غير مسبوقة على الاقتصاد الروسي.