مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قررت الشابة الروسية أليسا بيتروفا (اسم مستعار)، مغادرة بلدها برفقة زوجها، واختارا التوجه إلى جورجيا بسبب تمتّعها بمناخ معتدل وتدني تكاليف المعيشة فيها، وسهولة السفر إليها والإقامة من دون تأشيرة. ويعود قرار السفر إلى أكثر من عشر سنوات، حين بدأ القمع السياسي في روسيا يتسع، إثر صدور أحكام بسجن عدد من المتظاهرين بتهمة "الاعتداء على عناصر أمن"، في قضية عُرفت إعلامياً باسم "ساحة بولوتنايا".
تروي بيتروفا تجربتها بالقول لـ "العربي الجديد": "بدأنا في التفكير بمغادرة روسيا عام 2012 حين حصلت أحداث ساحة بولوتنايا والاعتقالات التي رافقتها، وخضعت لمحاكمات بقضايا جنائية، لكن الفرصة لم تتوفر لنا لفعل ذلك، كما افتقدنا مدخرات كافية، ولم نملك خيارات العمل عن بعد حينها حتى مرحلة تفشي جائحة كورونا حين أبلغتنا قريبة لنا تقيم في جورجيا أننا نستطيع السفر إلى هذا البلد والإقامة فيه بموجب تأشيرة سياحية لمدة سنة كاملة، ثم المغادرة، ولو ليوم واحد، قبل العودة مجدداً والبقاء فيها المدة ذاتها". تضيف: "في 24 فبراير/ شباط الماضي، اتخذنا قرار الانتقال إلى جورجيا خلال فترة شهر واحد، رغم أننا لم نزر هذا البلد سابقاً، واكتشفنا أن السكان المحليين لا يُبدون أي تمييز أو كراهية في حق الروس، علماً أن مالكة الشقة التي نستأجرها حالياً تتحدث اللغة الروسية قليلاً، ولم تناقش أي موضوع سياسي معنا، وتحدثت إلينا عن أمور عامة بطريقة ودية جداً. وغالبية الناس ممن أراهم في الشوارع يتحدثون الروسية، ويتحدرون من أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا، ولا يسألنا أحد من أين نحن".
بيتروفا وزوجها هما بين عشرات آلاف الروس الذين انتقلوا إلى جورجيا مع بدء الحرب في أوكرانيا، إذ تشير بيانات وزارة الداخلية الجورجية إلى أن نحو 25 ألف مواطن روسي عبروا الحدود الجورجية خلال الأسابيع الأولى من الحرب. ورغم أنّ زعيم منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية في جورجيا، أعلن في مايو/ أيار الماضي تنظيم استفتاء في 17 يوليو/ تموز للانضمام إلى روسيا "تمهيداً لتحقيق التطلع التاريخي لشعبنا"، لم تفرض جورجيا أي قيود على سفر الروس إليها، ولم تنضم إلى العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا، وهو ما تعزوه إلى "مراعاة مصالح بلدنا وشعبنا".
ونددت تبليسي بخطط أوسيتيا الجنوبية لإجراء الاستفتاء، ووصفتها بأنها "غير مقبولة"، علماً أنّ روسيا كانت قد شنت هجوماً على جورجيا في أغسطس/ آب 2008، حين استهدفت عناصر ميليشيات موالية لموسكو في أوسيتيا الجنوبية، رداً على قصفها قرى جورجية. وانتهى القتال بعد خمسة أيام، بعدما أسفر عن 700 قتيل.
ويشير النائب في البرلمان الجورجي، ليفان بيردزيناشفيلي، في حديثه لإذاعة سفوبودا (الحرية) الأميركية الناطقة باللغة الروسية، إلى أنّ "الروس القادمين إلى جورجيا ليسوا بالضرورة من معارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وغالبيتهم من الطبقة الميسورة، ويقطنون في أحياء فاخرة بالعاصمة تبليسي ومدينة باتومي الساحلية، ما أدى إلى صعود أسعار العقارات في جورجيا، وعزز قيمة العملة الجورجية بتأثير تدفّق الأموال الروسية". يضيف: "بيعت تقريباً جميع المنازل المصنّفة بأنها راقية في مدينة باتومي، وبات الطلاب غير قادرين على الاستمرار في استئجار الشقق في العاصمة تبليسي، لأنها مُنحت لمن يدفع أكثر. وقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وبات معدل إشغال بيوت الشباب والبنية التحتية غير الحكومية يفوق طاقتها. والروس الذين دخلوا البلاد ليسوا بالضرورة معارضين لبوتين، فهم ينزعجون عندما يرون علم أوكرانيا أو يسمعون نشيدها الوطني". ويوضح ليفان أنّ تزايد عدد الروس تسبب في مشكلات مع بعض السكان "ونرى أحياناً شباناً روساً يتنزهون في تبليسي أثناء الليل، ويتصرفون كأنهم أصحاب البلد وليسوا ضيوفاً، ما يثير استياء كثيرين، لكن لم تحدث شجارات كبيرة".
وزاد تدفق الروس إلى جورجيا إعلانات بيع العقارات في مواقع تابعة لوكالات عقارات روسية بأسعار زهيدة مقارنة بالسوق الروسية، وبلغ سعر شقة صغيرة في مدينة باتومي التي تطل على البحر الأسود نحو 50 ألف دولار، وهو رقم أقل ثلاث مرات من أسعار الشقق في موسكو.
وفي الفضاء الإلكتروني، انتشرت على شبكة فكونتاكتي الروسية للتواصل الاجتماعي مجموعات تضم مواطنين روساً يقيمون في جورجيا أو يعتزمون التوجه إليها. وقد أنشئت لتعزيز تعرّفهم إلى بعضهم البعض، وتبادل الخبرات الخاصة بإجراءات الانتقال إلى جورجيا، وتداول إعلانات مختلفة خاصة بالاحتياجات المعروضة.