ساهمت وفرة أشجار الزيتون في محافظة إدلب شمال غربي سورية في إنتاج مادة "البيرين" من بقايا عملية عصر بذور الزيتون، تمهيداً لاستخدامها بدلاً من المحروقات المرتفعة الثمن في تدفئة المنازل خلال فصل الشتاء، بعدما كانت تخصص لتدفئة أماكن وضع الدواجن وبيوت البلاستيك فقط قبل اندلاع الثورة السورية. وهكذا حوّلت الظروف الاستثنائية التي يعيشها سكان مناطق شمال سورية "البيرين" إلى مادة تدفئة تزيح هموم مواجهة صقيع الشتاء وأمطاره وبرده عن كاهلهم.
يقول صاحب معمل لإنتاج "البيرين" غربي إدلب يدعى أحمد قصاص لـ"العربي الجديد: "البيرين مادة خشبية جيدة الاحتراق، ولا تؤثر سلباً على المواطنين على صعيد التخزين أو الاحتراق. وهي خيار اقتصادي جيد للتدفئة، وأفضل صحياً من الفحم".
ويعتبر أهالي مخيمات النزوح تحديداً مادة "البيرين" خياراً جيداً لهم بسبب حاجتها إلى مساحة تخزين صغيرة مقارنة بالأخشاب، وتشكيلها وسيلة جيدة لمواجهة تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر الديزل، وعدم توفر الكهرباء في شكل كافٍ، علماً أن سعر الطن الواحد منها يناهز 110 دولارات أميركية بحسب درجة الرطوبة. ويقول وائل الحسن، وهو نازح من ريف سراقب إلى مخيم في أطراف مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد": أفضّل استخدام مادة البيرين للتدفئة بسبب خياري التخزين والسعر. شراء كيسين من البيرين أفضل من كيس واحد للحطب. وهي لا تؤثر سلباً على صحة أطفالي خصوصاً أنني أعيش في خيمة".
ويعلّق الستيني صابر أبو عبدو المقيم في مدينة إدلب لـ"العربي الجديد": "لا يتوفر مكان في منزلي لوضع الحطب وتخزينه خلال فصل الشتاء، وأنا لا أملك المال لشراء المازوت، لذا تعتبر مادة البيرين حل التدفئة المثالي بالنسبة لي. استخدم كيساً واحداً منها لأيام، ثم أشتري آخر حين ينتهي، وأضعه في أي مكان، من دون الحاجة إلى تفريغ مساحة كبيرة من المنزل".
يضيف: "بالنسبة لي إشعال البيرين أكثر سهولة من إشعال الحطب الذي كنت اشتريه سابقاً حين يكون رطباً، ما يجعلني أحتاج إلى وقت طويل لإشعاله. والبيرين تبعث الدفء، وتحترق أسرع من الحطب لذلك هي المادة الأنسب التي يمكن أن استخدمها للتدفئة حالياً".
وتنشط صناعة "البيرين" شمال غربي سورية في فصل الصيف عبر ضغط بذور الزيتون وتغليفه ثم تخزينه لطرحه في الأسواق خلال الشتاء. أما من يريد تصنيعه بعد موسم عصر الزيتون مباشرة فيضطر إلى تجفيفه باستخدام وسائل حرق مخصصة لهذا الغرض.
ويقدّر أهالي مخيمات النزوح بطنٍّ واحد كمية البيرين التي تستهلكها عائلة واحدة خلال فصل الشتاء، في ظل تقنينها استخدامه أيضاً لمواجهة ارتفاع نسبة البطالة وتردي الأوضاع المعيشية.
ويروي علاء المحمد المقيم في مخيم للنازحين قرب مدينة سرمدا شمالي إدلب لـ"العربي الجديد" أنه يشتري "البيرين" والحطب للتدفئة حالياً، ويتحدث عن أن "البيرين أفضل من الحطب، لكن روائح تنبعث منه إضافة إلى أبخرة تجعل البيت الذي أقيم فيه مؤقتاً مكسواً بالشحار الأسود. أما الحرارة التي تنتج من احتراق البيرين فجيدة جداً لكن الرائحة لا تحتمل خصوصاً عند الاشتعال، ربما بسبب وضع المادة في مدفأة مخصصة للمازوت. وفي كل الأحوال، أنا مجبر على تحمل الأمر مع أفراد عائلتي، فمع اشتعال البيرين تزول الرائحة الكريهة ويصبح الأمر مقبولاً. أحاول قدر الإمكان منع تسرب الدخان من المدفأة، لكن الجبس الذي أضعه حولها يتفسخ كل فترة فأعيد تغطيته مجدداً، وألجأ إلى لفّ قطعة قماش مغمورة بجبس مجبول بماء، وعندما تجف تمنع تسرب الدخان".
وكان المهندس محمد إسماعيل المتخصص في البيئة شرح لـ"العربي الجديد" في حديث سابق إنّ "ندرة مادة المازوت المكرّرة بشكل جيد وغلاء ثمنها، تجعل السكان يستخدمون مواد أخرى مثل الفحم الذي لا يحترق بالكامل وينتج غاز أحادي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وكذلك كبريت الهيدروجين. وبسبب صغر حجم الخيام التي تُستخدم فيها هذه المواد، تقلّ الرطوبة بسرعة ويصبح الهواء جافاً ما يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي. أمّا البيرين فينتج احتراقها زيوتاً سامّة تدخل إلى الجهاز التنفسي خلال عملية الاستنشاق".
وإلى خيار "البيرين"، لا يتردد أشخاص معدمون في المخيمات بجمع بقايا مواد بلاستيكية أكياس وأحذية وملابس بالية قابلة للاشتعال تعتبر أكثر ضرراً من "البيرين" والفحم من أجل استخدامها في التدفئة.
وكان فريق "منسّقو استجابة سورية" لفت في تقرير إلى أنّ "النازحين في المخيمات يعيشون في ظروف تفتقر إلى مواد تدفئة، وداخل خيم قديمة ومهترئة بسبب الأحوال الجوية السيئة، ما يزيد من إصابات الأطفال وكبار السن بنزلات البرد، ويعرّضهم إلى أمراض صدرية، مع مخاوف من حدوث وفيات بينهم بسبب انخفاض درجات الحرارة".