أُطلقت تحذيرات من تزايد هجرة الأدمغة في تونس الذي من شأنه إفراغ البلاد من كفاءاتها، لا سيّما الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين. وقد خسرت تونس ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف طبيب هجروا البلاد بين عامَي 2015 و2019، بالإضافة إلى نحو 6500 مهندس.
وأُعلن عن هذه التخوّفات في خلال مؤتمر "تونس في مواجهة التغيّرات الجيوسياسية في عصر الرقمنة" الذي نظمه موقع "ريالتي" نهاية الأسبوع الماضي. وركّز المنتدى على محاور عدّة من بينها ظاهرة الهجرة بوصفها تحدياً جيواستراتيجياً وقضية مهمّة في العلاقات بين دول ضفّتَي البحر الأبيض المتوسط.
وقال الوزير السابق سليم التلاتلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نزيف الكفاءات في تونس يتفاقم، وبلادنا تخسر الكوادر والكفاءات، من أطباء ومهندسين اختاروا أوروبا، خصوصاً فرنسا وإيطاليا". وأكدّ أنّ "تونس تخسر هؤلاء بسبب الهجرة، بعد تكوينهم وتحمّل الدولة تكاليف دراستهم"، شارحاً أنّ "تكلفة تكوين طبيب (على سبيل المثال) لا تقلّ عن 500 ألف دينار تونسي (نحو 160 ألف دولار أميركي)، في حين أنّ أوروبا التي تستقطب معظم الأدمغة تستفيد منهم من دون أن تدفع شيئاً".
أضاف التلاتلي أنّ "النسق الجديد للتنمية يتطلب كفاءات، فالعالم يتّجه نحو الذكاء الاصطناعي والرقمنة، وهذا أمر يتطّلب وجود كفاءات"، لكنّها تُفقَد في تونس. ورأى أنّ "الأخطر هو أنّ تونس لن تجد كفاءاتها من أطباء ومهندسين وأصحاب اختصاصات أخرى عند ترى نفسها في حاجة إليها، بعدما يتطلب الاقتصاد الإسراع في نسق التنمية".
وتابع التلاتلي أنّ "نحو ألف طبيب يغادرون البلاد سنوياً، علماً أنّ 900 فقط يتخرّجون سنوياً من الجامعات التونسية، وبالتالي تفقد البلاد هذه الأدمغة، مع العلم أنّ الذين يهاجرون هم من خيرة من في البلاد". ودعا إلى "البحث عن الأسباب العميقة لهجرة الكفاءات التونسية"، مبيّناً أنّ "ثمّة من يواجه صعوبات في العمل وفي توظيف قدراته في اقتصاد ما زال ريعياً تقليدياً لا يشجّع الكفاءات، الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن مجالات أخرى وعن بلدان تمكّنها من توظيف مهاراتها وخبراتها بطريقة فضلى".
ورأى التلاتلي أنّ "الوقت حان لوضع تونس استراتيجيات تستثمر من خلالها في الكفاءات، وهذا أمر يعود بالنفع على البلاد ويدفع نحو بناء اقتصاد متطوّر".
من جهته، قال رئيس غرفة التجارة التونسية-الإيطالية مراد فرادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوقت حان للتركيز على التكوين المهني. فثمّة مهن واختصاصات مطلوبة في الخارج مثل الخدمات والسياحة والبناء". أضاف أنّ "الغرفة أعدّت استبياناً شمل نحو 150 شركة تونسية، أخيراً، فتبيّن أنّ ثمّة ثلاثة آلاف فرصة عمل متوفّرة في أوروبا، وقد جرى التنسيق بين الغرفة والمؤسسات الإيطالية لتلبية المطلوب". وتابع فرادي أنّ "ثمّة 25 ألف شخص تقريباً يهاجرون سنوياً في إطار عقود دائمة و80 ألفاً في إطار عقود موسمية".
في سياق متصل، أفادت الباحثة فاطمة الرعاش المختصة في الهجرة بأنّه "لا بدّ من شراكة تونسية-أوروبية في مجال الهجرة". أضافت لـ"العربي الجديد" أنّ "اتفاقية عام 2014 تتعلق بحراسة الحدود. صحيح أن هذه نقطة مهمّة ما بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، لكنّ هذه السياسات تركّز على الجانب الأمني، وهذا يستأثر بموازنات كبيرة، علماً أنّها أثبتت عدم نجاعتها".
وأوضحت الرعاش أنّه "لا بدّ للشراكة من أن تأتي في مجالات عدّة، مثل التكوين المهني وإعادة النظر في تأشيرات السفر التي تتّخذ أحياناً منحى عقابياً"، مشدّدة على "ضرورة أن تكون الشراكة قائمة على التبادل والتعاون اللذيَن يخدمان الجهتَين".