تحذيرات من الزواج المبكر في الأردن... ثقافة مجتمعية تبرّر بالأزمات

25 فبراير 2021
من إحدى حفلات الزفاف في الأردن (Getty)
+ الخط -

 

يُنذر ارتفاع نسبة زواج القصر في الأردن بمشكلة اجتماعية ذات أبعاد حقوقية إنسانية، وتؤثر بشكل كبير على مستقبل العديد من النساء والأطفال. وبلغت نسبة عقود زواج القصر في الأردن 11.8 في المائة من عدد عقود الزواج الكلي، الأمر الذي يحولها من استثناء إلى قاعدة، منها 7964 عقداً لفتيات قاصرات و194 عقداً لفتيان قصر، من مجمل عقود الزواج البالغة 67.389 عقداً وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي لعام 2020 والصادر عن دائرة قاضي القضاة. 

أرقام جمعية معهد تضامن النساء الأردني تشير إلى أن مديرية الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري في دائرة قاضي القضاة منحت الإذن لـ 6401 طلب زواج للقاصرين بنسبة 95 في المائة من مجموع الطلبات البالغة 6740 طلباً، فيما رفضت 339 طلباً بنسبة 5 في المائة، مشيرة إلى عدم عرض 1224 طلباً على المديرية، ما يتطلب مراجعة الإجراءات للحد من تزويج القاصرات في ظل السماح بنحو 93 ألف زيجة مبكرة خلال السنوات العشر الماضية. 

ترى أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ميساء الرواشدة أن "جزءاً من المجتمع الأردني يفضل أن تتزوج المرأة مبكراً بحكم الأعراف الاجتماعية والتقاليد، خصوصاً إذا لم يكن لدى الفتاة فرصة للتعليم. فالفتاة تعتبر، بحسب الأعراف الاجتماعية، عبئاً على الأسرة وفرداً إضافياً فيها. وما إن يطلب شاب يدها للزواج، حتى يوافق الأهل كونها فرصة". وتوضح الرواشدة لـ "العربي الجديد" أن بعض الأسر غير قادرة على الإنفاق على البيت بسبب كثرة أفرادها، فيكون الزواج فرصة للتخلص من مسؤولية الفتيات. في الوقت نفسه، يشكل الزواج فرصة للفتاة للحصول على بيت مستقل، والحلم بظروف حياة أفضل، مشيرة إلى أن غالبية الفتيات القاصرات اللواتي يتزوجن يكنّ منقطعات عن الدراسة. وترى أن الوضع الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في اللجوء إلى الزواج المبكر، خصوصاً عندما تكون الأسرة فقيرة وعدد أفرادها كبير ويعيشون في بيت صغير، فتكون النتيجة عدم تعليم الفتيات. 

وفي ما يتعلق بآثار الزواج المبكر على الفتيات، تُشير الرواشدة إلى أنه عادة ما يتسبب بارتفاع نسبة الطلاق بسبب عدم اختيار الشريك المناسب، وعدم التكافؤ بين الطرفين، لافتة إلى أن العدد الأكبر من القاصرات يتم تزويجهن لرجال يكبرونهن سناً، ما يعرضهن للعنف الأسري. وتقول إن زواج الأطفال يعني احتمال كبير للحمل والولادة وما يرافق ذلك من مخاطر صحية على الأم والجنين، بالإضافة إلى صعوبة قيام طفلة بهذا العمر تحتاج إلى الرعاية بدور الأم. وتتحدث عن أسباب أخرى تؤدي إلى الزواج المبكر، منها الاستفادة من الفتيات كأيد عاملة. وتقول: "قد تكون الفتاة جزءاً من عائلة ممتدة تتزوج من شاب يعيش مع والديه، فتعمل في الزراعة أو تنظيف البيوت أو غير ذلك. وتخلص الرواشدة إلى نتيجة مفادها بأن زواج القاصرات هو تجهيل لجيل بسبب حرمانه من الدراسة، وتحميل أمهات غير ناضجات مسؤولية العائلات.

بدورها، تقول المحامية والناشطة الحقوقية والمستشارة القانونية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، إنعام العشّا، لـ "العربي الجديد"، إن أسباب الزواج المبكر عديدة، وليست مرتبطة بشكل خاص بفيروس كورونا والوضع الاقتصادي. وتوضح أنه "ثقافة مجتمعية سائدة، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مجرد ذرائع. هذه الفئات الاجتماعية على قناعة بأن زواج القاصرات مقبول وأفضل للستر ولا مشكلة فيه". 

الصورة
فتيات في حفل (Getty)
في انتظار الحفل (Getty)

ومن واقع التجربة والمشاهدات، توضح أن الكثير من الأسر تحاول الاستناد إلى أمثلة من التاريخ  الديني، والخوف من العنوسة، لكن الحقيقة أن ذلك مرتبط بالثقافة المجتمعية سواء لدى أهل العريس/ الزوج الذين يقبلون بزواج فتيات صغيرات، أو عائلة الفتاة نفسها، التي لا ترى بذلك ضرراً. وتقول العشا إن الزواج المبكر قد يكون أسوأ تجربة تمر بها الفتاة، والأمر مرتبط بمجموعة من النتائج، خصوصاً الحرمان من التعليم، والحرمان من العمل. فالفتاة التي تترك الدراسة في وقت مبكر لن تجد فرص عمل حقيقية تغير حياتها. 

وتشدد العشا على أهمية العمل على تغيير ثقافة المجتمع لمواجهة هذه الظاهرة، لافتة إلى أن "القانون مهم لكنه ليس عاملاً حاسماً. خلال السنوات السابقة، كان من يرغب في التحايل على القانون يقصد دولاً مجاورة تسمح به. كما أن هناك زيجات من دون عقود تنتشر بين السوريين في الأردن بوجود شهود، إلا أنها لا توثق في المحاكم الشرعية. قانونياً، يسمح بالزواج لمن بلغت 18 عاماً، وهناك استثناء لمن بلغت 15 عاماً ويوم. لكن عندما تزيد نسبة الاستثناء لا يعود كذلك". وتطالب بجعل العقوبات أكثر ردعاً، وعدم تحويل الاستثناء إلى قاعدة. وترى العشا أن اللجوء هو أحد عوامل ارتفاع نسبة الزواج المبكر، مشيرة إلى أن من بين السوريين من يزوج ابنته بعمر أقل من 15 عاماً، من دون تسجيله في المحكمة المختصة. 

المرأة
التحديثات الحية

يشار إلى أن المادة الرابعة من تعليمات منح الإذن بالزواج  في الأردن للفئة العمرية (15 ــ 18 عاماً) اشترطت على المحكمة مراعاة أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة، وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التامّين، وأن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة، وألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين الخمسة عشر عاماً، وألا يكون الخاطب متزوجاً، وألا يكون الزواج سبباً في الانقطاع عن الدراسة، وإثبات قدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية.

المساهمون