نشطت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية في ليبيا، خلال الآونة الأخيرة، في كشف هويات أصحاب جثث كانت انتشلت من مقابر في مدينة ترهونة. وفي مارس/ آذار الماضي وإبريل/ نيسان الجاري، جرى التعرف على هوية 36 جثة، أكدت الهيئة تطابق عينات الحمض النووي الخاصة بها مع تلك لعائلات سبق أن تقدمت ببلاغات عن اختفاء أفراد.
وترافق ذلك مع اعلان رابطة ضحايا ترهونة أن الجثث التي جرى التعرف عليها تعود إلى مدنيين اعتقلتهم مليشيات الكانيات التي اتخذت من المدينة مقراً، وكانت تقاتل في صفوف اللواء المتقاعد خليفة حفتر أثناء عدوانه على العاصمة طرابلس خلال عامي 2019 و2020.
وتجمع عشرات من أهالي الضحايا لدفن أبنائهم الذين حددت الهيئة هوياتهم، فيما ما زالت عشرات العائلات الأخرى تنتظر كشف مصير أبنائها المفقودين.
وفي منتصف مارس/ آذار الماضي، قالت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، على صفحتها على فيسبوك، إن "عدد الجثث التي جرى التعرف على هويات أصحابها ارتفع إلى 256، فيما بلغ عدد الجثث مجهولة الهوية التي انتشلت من المقابر الجماعية والفردية 333".
وكانت ترهونة المعقل الأول لحفتر خلال الحرب التي خاضتها قواته لمحاولة اقتحام العاصمة طرابلس، وتمركزت فيها مليشيا "الكانيات" المتهمة بارتكاب مجازر المقابر الجماعية في المدينة.
وسبق أن أبلغ الناطق باسم الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، عبد العزيز الجعفري، "العربي الجديد" أن "الإحصاءات تثبت حجم القتل والتنكيل والتضييق الذي عاشه مواطنو ترهونة خلال سيطرة مليشيا الكانيات عليها، والحرب التي شنّها حفتر. والجثث التي عثر عليها وُجدت في مقابر جماعية وأخرى فردية".
وفيما حدد الجعفري حينها عدد العينات التي أخذها أفراد الهيئة من تلك الجثث بـ292، أدخلت في منظومة وقاعدة بيانات المختبرات في الهيئة من أجل بحث مدى مطابقة الحمض النووي الخاص بها بذوي المفقودين، لا يبدو أن هذه العينات نهائية، فالهيئة ما زالت تستقبل بلاغات عن مفقودين جدد، وأعلنت في منتصف مارس/ آذار الماضي أنها تسلمت أربعة بلاغات جديدة عن مفقودين، مشيرة إلى فتح ملفات خاصة بالبلاغات الجديدة من أجل الشروع في البحث بين رفات الجثث التي انتشلت أو تلك داخل المقابر، بعدما أخذت عينات من ذوي هؤلاء المفقودين.
كما أعلنت الهيئة في 11 مارس/ آذار الماضي اكتشاف مقبرتين جماعيتين جديدتين في ترهونة. وأوضحت أنها تنتظر الحصول على موافقة النيابة العامة لبدء استخراج رفات الجثث من المقبرتين.
ويشيد محمد الزياني، أحد ذوي ضحايا المقابر، بالجهود التي تبذلها الهيئة للتعرف على هويات الجثث المنتشلة، لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى تزايد حجم الألم لدى أسر المفقودين، ويقول لـ"العربي الجديد": "ما زال أفراد بعض الأسر، خاصة الأمهات، يعشن بأمل أن يكون أبناؤهم بين المعتقلين في السجون المنتشرة في ليبيا. وفي كل مرة يتحدث فيها سياسيون عن مبادرات لإجراء تبادل للأسرى بين أطراف القتال والحروب، تتجه أنظار أسر المفقودين إلى الأخبار، لكن يلاحظ أن عدداً كبيراً منها فقد الأمل حتى بالتعرف على هويات المفقودين بين الجثث، وواضح أن مؤشرات الإحباط تزداد مع كل اعلان عن العثور على مقبرة جديدة في تخوم ترهونة".
ويؤكد الزياني أن بعض الأسر لم تبلغ عن مفقوديها حتى الآن، رغم مرور مدة طويلة على انقطاع الاتصال معهم، وذلك على أمل أن يكونوا بين أسرى الحروب، وأكبر دليل على ذلك إبلاغ أربع أسر عن مفقودين في منتصف مارس/ آذار الماضي.
ويعلّق الناشط الحقوقي جمال الأنصاري على الإعلان الأخير عن التعرف على هويات مفقودين، بإبداء تخوفه من أن يتسبب التعرف على الجثث ودفنها في تراخي أسرهم عن متابعة قضية المقابر الجماعية جنائياً، ويقول لـ"العربي الجديد": "أخشى أن يلحق الإحباط بأسر الضحايا، خاصة مع تراخي السلطات القضائية في إعلان فتح تحقيق في ملف المقابر".
يتابع: "لا مجال لتنصل الجهات القضائية من مسؤولية استدعاء قادة مليشيا الكانيات وأفرادها للتحقيق معهم، أو كشف أسباب تأخر ذلك، والاعتراف بوجود فيتو لقادة سياسيين في الملف الجنائي، علماً أن تورط مليشيا الكانيات أمر معروف لدى غالبية أهالي ترهونة".
على صعيد آخر، يرى الأنصاري أن "نتائج فحص الجثث التي توضح طريقة قتل أصحاب الجثث تدعم الملف الجنائي وتزيد حجم الأدلة والاثباتات".