تحديد موعد "مبدئي" لبدء التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة.. هل وافق الاحتلال؟

29 اغسطس 2024
لقاح مضاد لشلل الأطفال في أحد مستودعات قطاع غزة، 25 أغسطس 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **إطلاق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة**: بدأت منظمة الصحة العالمية حملة تطعيم تستهدف 640 ألف طفل فلسطيني دون العاشرة، بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمات دولية، لتحقيق تغطية بنسبة 90%.

- **التحديات الأمنية والهدن المؤقتة**: وافقت إسرائيل على هدن مؤقتة لتسع ساعات يومياً للسماح بتنفيذ الحملة، رغم المخاوف من عدم احترامها بعد حوادث استهداف فرق إنسانية.

- **الوضع الصحي العام في غزة**: الوضع الصحي متدهور مع نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يجعل حملة التطعيم ضد شلل الأطفال أكثر أهمية.

حُدّد موعد انطلاق الجولة الأولى من حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال في قطاع غزة في الأوّل من سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بعد ثلاثة أيام من اليوم. هذا ما أعلنه ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريك بيبركورن، مساء اليوم الخميس، في إحاطة له من قطاع غزة عبر تقنيّة الفيديو مع الصحافيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في مقرّها الرئيسي في نيويورك. لكنّ سؤالاً يفرض نفسه: هل أعطت إسرائيل بالفعل "الضوء الأخضر" لإطلاق الأمم المتحدة وشركائها حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال في قطاع غزة المحاصر والمستهدف، أم أنّ في الأمر مراوغة ما؟ وقد يكون التشكيك مشروعاً، لا سيّما أنّ المسؤول الأممي أفاد بأنّ "لدينا التزاماً أوّلياً" بهدن إنسانية محدّدة في مناطق بحدّ ذاتها.

ويُطرَح أكثر من سؤال في سياق إعلان منظمة الصحة العالمية الأخير، لا سيّما بعد مماطلة سلطات الاحتلال في الموافقة على وقف إنساني فوري لإطلاق النار طالبت به الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظمات دولية عديدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، من أجل تنفيذ خطة التطعيم التي تستهدف نحو 640 ألف طفل فلسطيني في قطاع غزة دون العاشرة من عمرهم، وذلك بأكثر من 1.2 مليون جرعة من اللقاح المضاد لشلل الأطفال التي نجحت الأمم المتحدة في إدخالها إلى القطاع المحاصر قبل أيام. يأتي ذلك في حين تمضي إسرائيل في حربها المدمّرة على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

في السؤال المتعلق بالتوقّف الإنساني لإطلاق النار، بيّن بيبركورن أنّ إسرائيل وافقت على "هدن مؤقتة" لمدّة تسع ساعات يومياً، تحديداً من السادسة صباحاً حتى الثالثة من بعد الظهر. لكنّ الأمم المتحدة، بإدارتها العامة وبمختلف وكالاتها المعنيّة، كانت قد طالبت بهدنة لمدّة أسبوع كامل. أمّا الاتحاد الأوروبي فدعا، من جهته، إلى وقف إنساني فوري لإطلاق النار لمدّة ثلاثة أيام، بحسب ما جاء على لسان مفوّض السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل أخيراً.

وأوضح ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أنّ خلال جولتَي حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال المتوقّعة، سوف تعمل وزارة الصحة الفلسطينية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والشركاء، لتزويد الأطفال الفلسطينيين المستهدَفين بجرعتَين من اللقاح. وأشار بيبركورن إلى أنّ أكثر من ألفَي شخص، معظمهم من الفلسطينيين في قطاع غزة، سوف يشاركون في الحملة.

وأضاف بيبركورن أنّ حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال التي تنطلق في الأوّل من سبتمبر 2024 سوف تبدأ في وسط قطاع غزة ثمّ تنتقل إلى الجنوب وبعدها إلى الشمال، علماً أنّ ثلاثة أيام فقط خُصّصت لكلّ واحدة من هذه المناطق الثلاث. لكنّ المسؤول الأممي أشار إلى أنّهم قد يحتاجون إلى أيام إضافية لاستكمال التطعيم، وبالتالي قد يكون من الممكن التمديد يوماً إضافياً في كلّ منطقة، في حال برزت حاجة إلى ذلك.

لا بدّ من تطعيم 90% من صغار غزة ضدّ شلل الأطفال

وتابع بيبركورن بأنّ حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال سوف تأتي في جولتَين، ولا بدّ من تطعيم 90% من الفلسطينيين الصغار المستهدَفين بذلك على أقل تقدير. يُذكر أنّ هذه هي النسبة الواجب تحقيقها حتى تكون الحملة ناجعة وحتى يُخفَّف من التهديد الذي يمثّله شلل الأطفال الذي رُصدت الإصابة الأولى المثبتة به قبل أيام، وذلك بعد 25 عاماً من اجتثاث المرض، علماً أنّ الفيروس المسبّب له كان قد رُصد في عيّنات مياه صرف صحي أُخذت من جنوب القطاع ووسطه في يونيو/ حزيران الماضي.

ولفت المسؤول الأممي إلى أنّ العائلات الفلسطينية سوف تتجاوب مع الحملة وسوف تصطحب أطفالها المعنيّين من أجل تلقّي جرعاتهم من اللقاح المضاد لشلل الأطفال، مبيّناً أنّه لطالما كان الفلسطينيون في قطاع غزة يُقبلون على التطعيم الروتيني، وكانت النسب المسجّلة في هذا المجال أعلى من تلك المرصودة في دول مجاورة، بحسب ما تفيد بيانات عام 2022.

وإذ أكّد بيبركورن أنّ نحو 1.26 مليون جرعة من اللقاح المضاد لشلل الأطفال قد أُدخلت إلى قطاع غزة، توقّع أن يُصار إلى إدخال عدد إضافي من الجرعات قريباً. وأفاد بأنّ ثمّة 390 محطة ونقطة ثابتة للتطعيم تقريباً، بالإضافة إلى أكثر من 200 محطة أو فريق متنقّل من أجل الوصول إلى الذين لا يستطيعون بلوغ محطات التطعيم الثابتة. وأكمل بيبركورن بأنّه في حال نجاح المرحلة الأولى من حملة التطعيم بموجب الاتفاق الراهن، فإنّ الفلسطينيين الصغار الذين تلقّوا الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لشلل الأطفال سوف يحصلون على جرعتهم الثانية خلال الأسابيع الأربعة التي تلي الجولة الأولى التي تنطلق في الأوّل من سبتمبر المقبل.

تنفيذ حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال "ليس مثالياً"

وردّاً على أسئلة لمراسلة "العربي الجديد" في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك بشأن الضمانات الأمنية وعدم استهداف مراكز التطعيم ضدّ شلل الأطفال أو الطواقم الإنسانية العاملة في هذا المجال، مثل ما حصل على سبيل المثال قبل يومَين عند استهداف فريق لبرنامج الأغذية العالمي، قال ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "بالتأكيد هذه الحوادث مقلقة جداً... وقد اتّفقنا مع الأطراف على هذه الهدن ونتوقّع أن يُصار إلى احترامها... وهذا يعني أن يكون من الممكن للعائلات التحرّك في تلك المناطق من دون خوف والتوجه إلى تلك النقاط التي يمكنهم فيها أن يحصلوا على اللقاح". أضاف: "من دون شكّ، هذه ليست الطريقة المثالية للقيام بحملة التطعيم هذه، لكنّها طريقة عملية. اتّفقنا عليها مع كلّ الأطراف"، شارحاً أنّ "عدم التحرّك أو عدم القيام بأي شيء سوف تكون لهما تبعات وخيمة... اتّفقنا عليها ونتوقّع أن تُحترَم وأن نتمكّن من القيام بمهامنا". وشدّد، في هذا الإطار، على ضرورة القيام بكلّ ما هو ممكن للحؤول دون انتقال العدوى، معبّراً عن ثقته بـ"التعامل مع الخطة بطريقة معقولة من قبل كلّ المعنيّين وأن يُصار إلى تطبيقها".

وبشأن الوضع الصحي عموماً في قطاع غزة، بما في ذلك الأمراض المعدية الأخرى ومنع إدخال أدوية ومستلزمات طبية إلى القطاع المحاصر، قال المسؤول الأممي: "نشعر بقلق عميق حول الوضع الصحي عموماً في قطاع غزة. وإذا نظرنا إلى المستشفيات على سبيل المثال، فثمّة 17 مستشفى من أصل 36 ما زالت تعمل جزئياً. كذلك ثمّة 58 مركز رعاية صحية أولية من أصل 132 ما زالت تعمل جزئياً، بالإضافة إلى خمسة مستشفيات ميدانية تعمل جزئياً". وحذّر بيبركورن من أنّ ذلك لا يسدّ الاحتياجات الصحية الهائلة لأهل غزة. ولفت الانتباه، في سياق متصل، إلى آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يحتاجون إلى الانتقال إلى خارجه للحصول على العلاج اللازم لهم، لكنّهم بمعظمهم لم يتمكّنوا من الحصول على تصاريح لهذا الغرض منذ بداية الحرب. وتحدّث بيبركورن أيضاً عن نقص شديد في كثير من المستلزمات الطبية والأدوية التي ما زال الجانب الإسرائيلي يمنع إدخالها إلى قطاع غزة أو يسمح بكميات غير كافية، فيما أشار إلى أمراض معدية أخرى مرتبطة بنقص في المياه النظيفة وتضرّر خدمات الصرف الصحي بمعدّلات عالية.

تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة أسوشييتد برس نقلت عن مسؤول إسرائيلي توقّعه "نوعاً من التوقّف التكتيكي (لإطلاق النار) من أجل السماح بتنفيذ عمليات التطعيم". وقد تحدّث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنّ "الخطة لم تُنجَز بعد". بالتالي، قد تبدو المخاوف من إجهاض خطة التطعيم مشروعة، وكذلك كلّ التساؤلات التي قد تُطرَح في هذا السياق، لا سيّما أنّ 328 يوماً من العدوان الإسرائيلي المتواصل تقود في هذا الاتجاه.

المساهمون