دخلت شاحنات مساعدات قليلة إلى قطاع غزة خلال أيام الهدنة الإنسانية السبعة، ولا يعرف إن كان سيصل المزيد منها بعد انتهاء الهدنة وتجدد القصف صباح أمس الجمعة، في حين دخلت كميات محدودة منها إلى مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة، لإغاثة عشرات آلاف الغزيين في المنطقة، والذين لم تصل إليهم خلال أيام الهدنة الثلاثة الأولى أية مساعدات.
وأكد الهلال الأحمر الفلسطيني في مساء اليوم السابع من الهدنة، أن المساعدات التي دخلت إلى شمالي القطاع تمثل "نقطة في بحر الحاجة"، وأن بعض المنظمات الدولية ترفض إدخال المساعدات إلى الشمال.
وخابت آمال الغزيين في تمديد الهدنة الإنسانية لأيام إضافية، إذ أغار الاحتلال الإسرائيلي صباح الجمعة على عدة مناطق في القطاع، ما يعني أن المساعدات لن تدخل بنفس الكميات التي دخلت خلال أيام الهدنة، مع توقع حصول أزمات إنسانية جديدة، خصوصاً في مناطق شمالي القطاع.
لا تزال بعض العائلات داخل مدرسة ذكور الرمال الإعدادية في المنطقة الفاصلة بين حي الرمال وحي النصر بمدينة غزة، والتي مارس الاحتلال ضد النازحين إليها العديد من الانتهاكات، من بينها مواصلة الحصار والتهديدات، واعتقال بعض من الغزيين على أبواب المدرسة، وتحاول تلك العائلات البقاء على قيد الحياة مع محدودية كميات المساعدات التي وصلت إليهم.
من داخل المدرسة، تقوم سميرة عمَّار (60 سنة) بإعداد الطعام بوسائل بدائية، وتوضح أنها حصلت على قليل من المساعدات، من بينها الدقيق، وأنها تعتمد على الحطب لإعداد الخبز، إذ تعجن الدقيق يدوياً، وتخبزه على قطعة من القصدير فوق الحطب، وحين لا يتوفر الحطب تقوم بالخبز عبر إشعال الورق.
تقول عمَّار لـ"العربي الجديد": "نحن عائلة مكونة من 25 فرداً، من بينهم 17 من أحفادي، وكلنا نازحون إلى المدرسة، والمساعدات التي وصلت إلينا قليلة، وتشاجرت مع الموظفين حتى يمنحونا المزيد، وأخبرني الموظف التي يرتدي سترة وكالة أونروا أنه سيحضر لنا المزيد، وعندما جاء مجدداً كانت الكمية أقل من الكمية الأولى، ومنذ انحو عشرة أيام، نطعم الأطفال وجبة واحدة في اليوم. نريد الدقيق لنجهز الخبز، والحليب للأطفال، وبعض البقوليات والزيت، ما وصل إلينا كان يكفي ليومين، وليس لدينا مكان أخر ننزح إليه في مدينة غزة، وعندما كنا نخرج كان القناصة يهددوننا، فلم نستطع مغادرة المدرسة، ولا يوجد محال لشراء الطعام، وانتهاء الهدنة يعني أننا قد نموت جوعاً".
ويقول ابنها عبد الرحمن عمَّار (37 سنة)، إن الطعام قليل، ووسائل النظافة شحيحة، وفي حال استخدامها في تنظيف الفصل الذي يقيمون فيه لن يبىقى منها ما يكفي للنظافة الشخصية. يضيف: "حاولت إيجاد طعام في المتاجر القليلة التي فتحت أبوابها خلال أيام الهدنة، لكن المتوفر قليل، ومعظم الناس يلاحقون أخبار المتاجر التي يتوفر فيها الطعام لمحاولة تأمين حاجتهم لأيام أكثر تحسباً لعودة هجمات الاحتلال على سكان المنطقة المحاصرة".
10 شهداء تم قنصهم حين حاولوا تفقد منازلهم في غزة
حوّل جيش الاحتلال مناطق تل الهوا وشرق غزة وغربها إلى مناطق عسكرية، وبالتالي لا يستطيع الغزيون الوصول إليها لتفقد منازلهم في ظل وجود القناصة الإسرائيليين، والذين يقومون بقنص من يقتربون من تلك المناطق، ووصل عدد الشهداء الذين تم قنصهم إلى 10 شهداء على الأقل، من بينهم أدهم شحيبر (35 سنة) الذي أصابه قناص بالرصاص في رأسه، الخميس، خلال محاولته تفقد منزله في تل الهوا، والطفل محمد ريحان (12 سنة) الذي استشهد الأربعاء الماضي، برصاص قناص إسرائيلي في منطقة بئر النعجة شمالي قطاع غزة.
ومع خرق الاحتلال الإسرائيلي الهدنة أكثر من مرة في مدينة غزة، وسقوط شهداء لدى تفقدهم لبيوتهم، وكذلك إصابة العشرات، اضطرت الكثير من المنظمات الدولية إلى عدم توجيه المساعدات إلى تلك المناطق.
وأكدت بيانات وكالة "أونروا" أنها أرسلت قافلة من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى مراكز الإيواء التابعة لها في شمالي قطاع غزة، ووصلت القافلة المؤلفة من ست شاحنات إلى جباليا في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي منطقة انقطعت عنها المساعدات لمدة 50 يوماً تقريباً، تشير البيانات إلى أن 57 من مراكز الايواء في مدينة غزة وشمالي القطاع لا يزال فيها نازحون.
ويبين مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة لـ"العربي الجديد"، أن العدد الرسمي للمتواجدين في المنطقة المحاصرة في مدينة غزة وشمالي القطاع، سواء من النازحين إلى مراكز الإيواء أو التجمعات السكانية، يبلغ نحو 800 ألف مواطن، وهم يعيشون حياة قاسية في ظل نقص الماء والطعام والدواء، ولا يحصلون على المواد الغذائية اللازمة.
أكدت "أونروا" وصول قافلة مساعدات مؤلفة من ست شاحنات إلى جباليا
ويحمل الثوابتة كل المنظمات الدولية التي تقدم الخدمات الإنسانية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، المسؤولية عن الوضع القائم، كونها لم تقدم خدمات الرعاية الصحية أو المساعدات الغذائية في المنطقة المحاصرة، مؤكداً أنهم لاحظوا من خلال تواصلهم مع عدد من المنظمات الأممية أنها ترفض إدخال المزيد من المساعدات إلى تلك المنطقة.
يضيف الثوابتة: "جيش الاحتلال كان يمنع وصول المساعدات إلى محافظتي الشمال وغزة، ومع الضغط الإعلامي من بعض المؤسسات الدولية، سمح بدخول بعض المساعدات، لكن كل ما وصل إلى تلك المناطق كميات قليلة، ولا تفي بأي من احتياجات السكان في تلك المناطق، وطلبنا عدة مرات إمداد كامل مناطق القطاع بالمساعدات، مع التركيز على منطقة غزة وشمالي القطاع".
وتشير التقديرات إلى وجود آلاف من النازحين داخل مدارس مدينة غزة وشمالي القطاع. عادت عشرات من الأسر إلى مدرسة ذكور جباليا الابتدائية التي تحولت إلى مركز إيواء، بعد تفقد منازلهم التي كان معظمها متضررة، إما بالكامل أو بشكل جزئي.
نزح باسل سعد من مخيم جباليا إلى المدرسة، ويقول إنه توجه إلى منزله خلال فترة الهدنة عله يجد بعضاً من المواد التموينية، وإنه وجد بعضاً من السكر والملح، وقليلا من الأرز، فعاد بها إلى المدرسة مع بعض أدوات المطبخ التي لم تتضرر. يضيف: "تهدم منزل الجيران بالكامل، وتضرر منزلنا بشكل كبير، وأمكنني الدخول إليه بصعوبة. حصلنا على بعض من الدقيق والأرز والبقوليات من المساعدات التي وزعتها أونروا، وحصل شجار كبير، إذ عبرت العائلات عن غضبها من الكمية القليلة التي منحتهم إياها الوكالة، وعبر موظف أونروا عن أسفه لأنها الكمية المتاحة".
يتابع سعد لـ"العربي الجديد": "المساعدات شحيحة جداً، والناس كانت تلاحق شاحنات أونروا للحصول على المساعدات، والتي كان يتم توزيعها بشكلٍ عشوائي. لا يوجد من يستجيب لحاجة الناس في شمالي القطاع، ونحن محاصرون من كل الجهات، ومن يقول إن التهدئة فعلت لنا الكثير واهم، فنتيجة التهدئة الأهم كانت وقف القصف، لكن لم تدخل المساعدات التي تكفينا للصمود، وما دخل يكفي لأيام معدودة، ما بين 4 إلى 5 أيام فقط. نريد للحرب أن تتوقف كي نعود إلى منازلنا، فالناس لم تعد تتحمل الجوع والعطش والخوف".
من مدرسة مجاورة تضم عشرات النازحين، يعترض محمد بعلوشة (38 سنة) على آلية توزيع المساعدات، ويعتبر أن شمالي قطاع غزة أصبح مهمشاً، وأن الهدنة الإنسانية لم تستطع توفير ما يكفي، والمؤسسات والمنظمات الدولية لم تتمكن من إدخال ما يلزم من الطعام.
يقول بعلوشة لـ"العربي الجديد": "الناس في حالة جوع، وما تم توزيعه قليل جداً، ويمكن أن نصمد بهذه الكمية لأيام قليلة، علماً أن الطعام المتوفر يقسم على وجبتين فقط في اليوم، وعندما ينتهي ما لدينا، سنبحث عن أي مصدر للطعام، ولا نعرف أين نذهب، فليس لنا أحد في الجنوب، وليس الوضع هناك آمناً، كما أن الناس تموت من الجوع هناك أيضاً".
ومع تجدد العدوان، يتوقع كثيرون تعطل آلية دخول المساعدات، في حين يؤكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة، أن القطاع بحاجة إلى ألف شاحنة مساعدات يومياً على الأقل لسد حاجة سكانه، مع ضرورة دخول مليون لتر يومياً من الوقود، ويبين أن محاولات الضغط لإدخال الوقود تكررت، لكن الاستجابة محدودة.