شرعت وزارة التربية الفلسطينية بالتعليم الوجاهي، وكذلك حال الدول العربية المضيفة والأونروا، وهكذا انتهى عصر التعليم عن بُعد الذي استغرق عامين دراسيين بالتمام والكمال، ليعود محله التعليم المباشر، لكن الأمور لا تسير كما "تشتهي السفن"، فالأزمات تصيب مدارس هذه الدول، كما تتعرض لها الوكالة الدولية هي الأخرى، بفعل عاملين هما تراجع الموازنات السنوية من الدول المانحة ومعظم موازنة الأونروا تتجه إلى قطاعي التعليم والصحة اللذين يحصدان نتيجة تراجع التبرعات، وثانيهما الظروف التي حالت دون الاستعداد الفعلي من خلال توقع إقبال المزيد من الطلاب إلى صفوفها.
ومن المعلوم أن الوكالة وفي مجال برامجها تعرضت وتتعرض لهجمة إسرائيلية – غربية بهدف "تطبيع" مناهجها مع أحكام الاحتلال وسياساته، تحت ذرائع شتى من بينها اتهامها بالتشجيع على الإرهاب وزرع العداء بين الشعوب وغيرها. وهو ما تواجهه الوكالة ووزارة التربية وجامعة الدول العربية. ويهدف مثل هذا الضغط الوصول إلى تطويع البرامج، أو على الأقل كبح تدفق التبرعات التي تقدمها الدول الغربية للوكالة، بعد أن فشل مشروع إلغائها كلياً، وتحويل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبذلك تضيع خصوصية هؤلاء وسط حوالي 100 مليون لاجئ في العالم كما تقول الأرقام الأخيرة.
في دول مثل سورية ولبنان اللتين تعانيان من اضطرابات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، تضع كلتاهما اللاجئ الفلسطيني على لوائح الانتظار في قائمة القبول في المدارس الحكومية بعد المواطنين، ما يعني في مثل الظروف الاقتصادية التي يعانيها اللاجئون إقفال باب من الأبواب المتاحة سابقاً، خصوصاً وأن ارتياد المدارس الخاصة بأقساطها وأكلافها المرتفعة يقود الأهل إلى مغادرة أبنائهم لها.
وعليه يتوجه التلامذة الفلسطينيون إلى مدارس الأونروا التي تعاني هي الأخرى من أعداد ضاغطة في الصفوف تتجاوز في معظم الأحيان الخمسين إلى ستين طالباً في الغرفة الواحدة، أي ضعف العدد الطبيعي في الظروف العادية. ورغم تسجيل التلامذة في هذه المدرسة أو تلك، الا أن الكثير منهم يعجزون عن الدخول إلى صفوف متخمة بزملائهم وزميلاتهن. ومثل هذا الوضع يوقع الأهالي في مأزق عجزهم عن إعادتهم إلى المدارس الخاصة، والحكومية أمامهم شبه مقفلة. وتعاني مدارس الوكالة المنتشرة في مخيمات الضفة والقطاع والأردن ولبنان وسورية من ضغط الضائقة الاقتصادية – المالية عليها، ما دفعها سابقاً إلى الاستغناء عن أعداد من المعلمين والإداريين من جهازها. وفي قطاع غزة تعرضت العديد من المدارس للتدمير أو الأضرار التي تستوجب التصليح والترميم وهو ما لم يتوافر لمعظمها. ومن المعلوم أن قسماً لا يستهان به من الأهالي يعجز عن توفير بدل الانتقال، والحصول على الكتب والقرطاسية اللازمة من الأسواق، مما كانت توفره لابنائهم سابقاً الوكالة.
واذا عدنا إلى الضفة الغربية فقد عاودت المدارس الحكومية والأهلية فتح أبوابها، ولكن المشكلة تكمن في ممارسات الاحتلال وتضييقه على تنقل التلاميذ والمعلمين من وإلى مدارسهم، فهناك التأخير المتعمد على الحواجز والإقفال المقصود لساعات أو لأيام، ما يجعل التعليم خاضعاً بالإجمال لقرارات الاحتلال الأمنية، ويضع عملية التحصيل تحت رحمة قراراته. يحدث هذا وسط أوضاع اقتصادية للسلطة تجعل موازنة التعليم هزيلة جراء عدم قيام الدول العربية الغنية بتقديم العون والمستلزمات المطلوبة. ثم إن المدارس الأهلية لا تستطيع الحلول محل قطاعي التعليم في الوكالة والسلطة.
مع ذلك لا يملك اللاجئ الفلسطيني سوى سلاح العلم يشهره في وجه الاحتلال تعبيراً عن إيمانه بحريته وحقه في الحياة.
(باحث وأكاديمي)