بين الجفاف والأمطار... كاليفورنيا ضحية تغيّر المناخ

30 أكتوبر 2021
هكذا أغرقت مياه الأمطار الشوارع أخيراً (جاستن سوليفان/ Getty)
+ الخط -

سيطر الجفاف على سكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا الأميركية لمدّة ستّة أشهر، ثمّ هطلت كمية قياسية من الأمطار في يوم واحد، في تقلبات قصوى صارت أكثر تواتراً في الولاية ويعدّها العلماء نذيراً لما سوف يشهده سائر الكوكب على صعيد المناخ.

ويقول جاستن مانكين الأستاذ في "دارتموث كوليدج" والمتخصص في تغيّر المناخ إنّ "كاليفورنيا علامة فارقة. إنّها مثل طائر الكناري في منجم فحم". ويوضح أنّ "الولاية تُعَدّ بمثابة شاغل موقع الطليعة لقدرة المجتمع على الاستجابة لهذه الأنواع من الضغوط المناخية التي تحدث اليوم".

ولا يبدو الأمر جيداً. فدرجات الحرارة المرتفعة كانت مسؤولة عن وفياتٍ عديدة مرتبطة بموجات القيظ هذا العام، في حين أنّ الجفاف التاريخي تسبّب في ترك أجزاء من غرب الولايات المتحدة الأميركية عطشى، مع نداءات يائسة من المسؤولين يطلبون فيها من السكان خفض استهلاك المياه.

واجتاحت حرائق الغابات الريف بمعدّل خطر، وقد قضت على أكثر من 2.5 مليون فدّان في كاليفورنيا هذا العام، باعثة دخاناً خانقاً فوق بلدات ومدن عدّة. ولاحقاً، عندما انقلب الطقس فجأة وضرب إعصار الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية نهاية الأسبوع الماضي، ضربت العواصف الرعدية بلدات عدّة، تاركة شوارعها غارقة في المياه. وقد هطل نحو 14 سنتيمتراً من الأمطار على عاصمة الولاية سكرامنتو في يوم واحد. وفي ظلّ عدم توفّر نباتات لامتصاص المياه الثقيلة، تسبّبت الآثار التي خلّفتها حرائق الغابات في حدوث انهيارات طينية وانزلاقات صخرية.

لطالما كانت مثل هذه التحوّلات المفاجئة والكثيفة جزءاً من الأحوال الجوية الطبيعية في كاليفورنيا. لكنّ الاحتباس الحراري الناجم بشكل رئيسي عن استخدام الوقود الأحفوري والنشاطات البشرية الأخرى يزيد الأمر سوءاً. ويقول مارتي رالف مدير مركز "وسترن كلايميت أند ووتر إكستريمز" ومقرّه سان دييغو (كاليفورنيا)، إنّ "تفاقم هذه الظواهر المتطرّفة في خلال العقد الماضي في كاليفورنيا يتّسق مع ما أشارت إليه التوقعات المناخية".

الصورة
حرائق غابات في كاليفورنيا (باتريك تي فالون/ فرانس برس)
قضت حرائق الغابات على أكثر من 2.5 مليون فدّان في كاليفورنيا هذا العام (باتريك تي فالون/ فرانس برس)

حتى الآن، تفشل كاليفورنيا في الاختبار الذي أنشأته الظروف المناخية القصوى. ويوضح مانكين أنّ "التأثيرات المرتبطة بالأحداث المناخية التي حدثت في الأسبوع الماضي والجفاف الذي استمرّ عشرين شهراً، ينبآنني بأنّ سكان كاليفورنيا ليسوا متكيّفين جيداً مع المناخ الذي يعيشونه اليوم، ولن يفعلوا في المناخ المقبل".

بالنسبة إليه، فإنّ "تدهور الظروف الصعبة أصلاً له تداعيات مقلقة على إدارة المياه"، لافتاً إلى أنّ "الأمر سوف يكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنية التحتية الحالية للمياه، أي السدود والقنوات وغير ذلك، للتعامل مع هطول أمطار أكثر في فترات أقصر، مع فترات جفاف كل الواحدة أطول من الأخرى". ويكمن مفتاح النجاة من هذه الظواهر القصوى في توقّعات أكثر دقّة. فيرى مانكين أنّه "إذا كانت لدينا توقّعات كافية موثوقة، قد يكون السكان قادرين على إطلاق بعض المياه الإضافية قبل العاصفة من أجل توفير مساحة للفيضان".

وقد تسبّبت العواصف التي اجتاحت الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية أخيراً في دمار، لكنّها ساهمت في التعويض قليلاً عن فترة الجفاف. وأفادت إدارة الموارد المائية في كاليفورنيا بأنّ منسوب بحيرة أوروفيل، وهي خزّان رئيسي، ارتفع تسعة أمتار بعد أيام قليلة من العاصفة. لكنّ المياه الإضافية لم تكن أكثر من مجرّد قطرة في دلو فيما كانت مستويات الخزان في أدنى مستوياتها التاريخية. ويشير مانكين إلى أنّ ذلك "قد يخفّف بعض الضغوط المرتبطة بالتقليل الإلزامي أو الطوعي لاستهلاك المياه أو أيّ مجموعة من السياسات التي قد يفكّر في تبنيها مكتب حاكم الولاية". يضيف مانكين: "لكنّ حقيقة الأمر هي أنّ معالجة مشكلة الجفاف لا تكفي. سوف يكون الجفاف هنا الأسبوع المقبل".

ومع استعداد قادة العالم للاجتماع في الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) ابتداءً من غداً الأحد 31 أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري وحتى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في غلاسكو باسكتلندا، أجمع العلماء على أنّ تغيّر المناخ ليس فرضيّة. فهو أمر يحدث، وحتى إذا تجاوزت غلاسكو التوقّعات، ما زال يتعيّن على البشر التعامل مع عواقب الضرر الذي أحدثوه حتى الآن. ويشدّد مانكين على أنّ "مهمتنا المتمثلة في خفض انبعاثاتنا والتي يجب أن تكون محور التركيز الفوري، سوف تمنع (الاحتباس الحراري) من التفاقم... لكنّها لن تمنعه من الحدوث".

(فرانس برس)

المساهمون