يُعرف "الكمأ" باسم "الترفاس" نسبة إلى اسمه العلمي truffles، وهذا الاسم الذي يشتهر به بين العلماء والباحثين في المغرب وليبيا وتونس والجزائر، وهو معروف في العديد من الدول العربية، ويطلق عليه السوريون اسم "الكماية"، وفي العراق اسمه "الجمة"، ويسمى"الفقع" في دول الخليج العربي.
كما يسمى شعبياً في المغرب "بيض الأرض"، تشبيهاً له بالبيض بسبب قيمته الغذائية والصحية الكبيرة، في حين يطلق على النوع الأسود منه اسم "الماس الأسود"، وهذا النوع نادر، وتؤدي ندرته بالتبعية إلى ارتفاع سعره.
والترفاس فِطر برّي كروي الشكلِّ، لحمي رخو يشبه حبة البطاطس المتوسطة شكلاً، لكنه يختلف تماماً في المذاق والقيمة الغذائية والتجارية، وهو ينمو تحت سطح التربة في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية من دون زراعة، وينتمي إلى الفصيلة النباتية "بلانتيا"، وليس له أوراق ولا جذور، ويعتبر من بين أغلى أنواع الفطريات القابلة للأكل، في حين تختلف أنواعه وجودته حسب طبيعة التربة وخصائصها، فضلاً عن وفرة التساقطات المطرية.
يُعرَف مكان الترفاس بتشقق التربة التي تغطيه، والنباتات التي تنمو من حوله، وينقب عنه يدوياً في أماكن وجوده، أو باستعمال كلاب مدربة، وتوجد منه أنواع عديدة، يعرف منها في المغرب "الأبيض" الذي يتربع على قائمة التداول المحلي، و"الصحراوي"، ثم النوع الأحمر، في حين أن "الترفاس الأسود" يخصص غالبيته للتصدير الخارجي بسبب ندرته.
ويُمثّل التنقيب عن الترفاس فرصة عمل مؤقتة لمئات من المغاربة خلال موسمه السنوي الذي يحل في الفترة بين نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع، ويخرج المزارعون من الرجال والنساء في مجموعات يومية للتنقيب عنه، وبيع ما يحصدونه في الأسواق، ويعمل آخرون لصالح مالكي ضيعات يتوفر فيها.
تقول المزارعة المغربية رقية الهاشمي (55 سنة)، إنها تُنقّب عن الترفاس في غابة بضواحي مدينة الجديدة منذ أكثر من 10 سنوات، وتبيع ما تجده في سوق أسبوعي يبعد عن مدينة الدار البيضاء نحو 150 كيلومتراً، وتؤكد أن "التنقيب لا يخلو من صعوبات ومخاطر، فقد نتعرض للسعات العقارب، أو ضربة الشمس، بالإضافة إلى شحّ المحصول خلال السنوات الأخيرة نظراً لقلة التساقطات المطرية، فضلاً عن المضاربات القائمة في السوق، والاستغلال المستمر الذي يتعرض له المنقبون من طرف تجار الجملة والسماسرة، فنحن عادة الحلقة الأضعف في السلسلة الإنتاجية، ولا نستفيد من العائدات إلا القليل، إذ يراوح سعر الكيلوغرام في المغرب بين 10 و20 دولاراً، وهذا لا يساوي الجهد الكبير المبذول، وعلى الجهات الرسمية الاهتمام بهذه المادة، وتثمينها لوضع حد لتلاعبات السماسرة والمضاربين".
تجود أرض المغرب بالترفاس مع هطول المطر، وتشتهر به عدة مناطق، من بينها القنيطرة (شمال العاصمة الرباط)، وبوعرفة وفكيك (شرق)، والواليدية وآسفي على الشريط الساحلي، كما أنه منتشر في عدة مناطق حول العالم، لكنه يبرز في الدول المطلة على البحر المتوسط، مثل دول المغرب العربي، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، إضافة إلى جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية.
ويعدّ المغرب خامس منتج للترفاس الأسود عالمياً، كما يقول جراح العظام عبد العزيز القباقبي، لـ"العربي الجديد"، موضحأً أنه نقل قبل سنوات تجربة زراعة الكمأ الأسود الفرنسي إلى المغرب، وأنشأ أولّ مزرعة له في عام 2000، ثم أنشأ مزرعة ثانية لاحقاً.
ويضيف القباقبي: "ما شجعني على خوض غمار التجربة أن الكمأ الأسود نادر، وهو معروف بشكل خاص في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، والدول الثلاث تحتل المراتب الأولى عالمياً في إنتاجه، وقد ألفت كتاباً عن زراعة الكمأ الأسود في المغرب، يحمل عنوان (الكمأ بين فرنسا والمغرب)، استعرضت فيه أنواع الكمأ الموجودة بالمغرب، وسياقات نقل تجربة زراعة الكمأ الأسود الفرنسي وتطويرها لتصبح المملكة من أهم البلدان المصدرة لهذا النوع من الفطر".
لا يستفيد المغاربة من الترفاس في موائدهم أو مطابخهم إلا نادراً على الرغم من القيمة الغذائية المرتفعة، في حين توجه كميات كبيرة منه إلى التصدير الخارجي بعد قطع رحلة شاقة تبدأ بالتنقيب عنه، وجمعه، قبل بيعه. ويقول التاجر عبد الفتاح الوجدي إن "كميات كبيرة من محصول الكمأ تشحن إلى معامل التعليب والتصدير في كل من فاس ومكناس وغيرهما، في حين أن كميات أخرى تكون وجهتها المطاعم والفنادق الفاخرة التي تستجيب لطلبات زبائن من نوع خاص، كما يعشقه اليهود المغاربة".
يمتاز "الترفاس" بقيمة غذائية كبيرة، ويستعمل كبديل للحم في الكثير من مناطق وجوده، فهو غني بالبروتينات والأحماض الأمينية والفيتامينات والأملاح المعدنية، إلى جانب كونه مصدراً جيداً لحامض اللينوليك، وهو أحد الأحماض الدهنية الأساسية، فضلاً عن احتوائه على كميات من الدهون والكربوهيدرات، وفقاً لعدة دراسات أجريت حوله، ويشتهر في مدحه: "هي بنت البر والبر حاويها، منغنغة بالدهن وعظام ما فيها".
ووفقاً لخبراء وباحثين، فإنه يساعد في التخلص من مستويات الكوليسترول الضار بالجسم، كما يعمل على تقوية جهاز المناعة، ويساعد تناوله في الحفاظ على الصحة العامة، وعلاج المشكلات المرتبطة بالالتهابات، فضلاً عن فعاليته في علاج أمراض العيون والوقاية منها، وقد ذكر في الحديث النبوي: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
ووصفت كتب أغذية الكمأة بالفاكهة الأرضية، وأنها باردة ورطبة، وتؤكل نيئة ومطبوخة، وفيها غذاء جيد للبدن، ومن منافعها العلاجية أن ماءها جيد لضعف البصر اكتحالا، وإذا دقت الكمأة وخضب بها الشعر منعت سقوطه.
ويدخل الفطر في عدة وجبات غذائية حسب عادات الشعوب، وعادة ما يقدم في أفخم المطاعم الأوروبية وبأثمان مرتفعة، كما تصنع منه الشوكولاتة بإضافة القشدة والحليب المجفف، ويدخل في صناعة العديد من الحلويات في بلدان عدة.
يجهز الترفاس بعد تنظيفه جيداً من التراب، ليطبخ مع "طاجين اللحم"، أو البيض، أو يضاف إلى شوربات متنوعة ليمنحها مذاقاً مميزاً، وبعض المغاربة يضيفونه إلى "الكسكس" أو الأرز، وعند حلول عيد الفصح اليهودي، يعتبر "الترفاس باللحم" من أشهر الأطباق الموسمية.
وعُرف الترفاس منذ العصور القديمة، لكنه أحيط بهالة من الأساطير والخرافات التي لا يزال بعضها شائعاً حتى اليوم، كما حظي باهتمام أهل البدو أكثر من سكان الحضر، وذكر كتاب وباحثون في علوم التغذية أن المصريين القدماء كانوا يحضرون الكمأ إلى قاعاتهم الملكية، كما ثبت عن أهل البادية أنهم يستخدمونه كغذاء وكعلاج لأمراض العيون.
وذكره الفيلسوف الإغريقي ثيوافوستوس، الذي عاش قرابة سنة 300 قبل ميلاد المسيح، وعرّفه بأنه نوع من أنواع الخضروات، وكان يعتقد أنه يظهر مع أمطار الخريف إذا صاحبتها عواصف رعدية، كما عرف منذ القدم في الولايات المتحدة من قبل الهنود الحمر، وفقاً لما يقوله الكاتبان أحمد عاشور أحمد وفهيم عبد الكريم بن خيال، في كتابهما "الكمأة".