بلد العلم والنَّوَر!

26 نوفمبر 2022
انهيار معيشي عام لأهالي التلاميذ في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

يطلق اللبنانيون على الغَجَر اسم النَّوَر، وهؤلاء يعيشون على هوامش ضواحي المجتمعات في الدول المختلفة، ولهم تقاليدهم وعاداتهم الخاصة. ودوماً يطلق تعبير النّوَري على من لا يملك شيئاً ويحيا متطفلاً. المهم أن لبنان بات بلد العلم والنّوَر إلى هذا الحد أو ذاك. ومناسبة مثل هذا الكلام الحديث عن الوضع التعليمي بعد الوباء. لن ندخل في الارتباك الذي طبع العام الدراسي 2021 – 2022 في القطاعين العام والخاص خلاله، وإن بتفاوت. المهم أن المدارس أكملت العام الدراسي بما تيسر من مشكلات. لكن الأهم من ذلك هو موقع كل من التعليمين وما طرأ من تغير عليهما. 

المعروف أنه في العقود الأخيرة كانت نسبة الطلاب في القطاع الخاص أكثر من 70 في المائة مقابل 30 في المائة، أو أكثر أو أقل بقليل، في القطاع العام، الذي لم يكن يقصده سوى "من تقطعت بهم السبل" من فقراء وأشباههم. 
والعام الماضي، هبطت نسبة الملتحقين بالقطاع الخاص إلى حدود تقارب 50 في المائة، ما يعني انهياراً في الأوضاع المعيشية لشريحة واسعة من السكان. ومثل هذه النسبة عرفها لبنان في الستينيات والسبعينيات عندما كانت المدارس الحكومية في أوج ازدهارها، لكن الحرب والتدخلات السياسية وتفكك الإدارات التربوية وإخضاعها لحسابات فئوية وطائفية وعشائرية قادت إلى التراجع المديد. وخلالها، بات القطاع الخاص أعلى مستوى، وأكثر مردودية من العام، الذي يعاني من مشكلات متراكمة لا تجد علاجات فعلية لها. إذن، لا يعود سبب التحول إلى تحسن في أداء المدارس الحكومية، بقدر ما يعود إلى الانهيار المعيشي العام للأهل.

موقف
التحديثات الحية

ويدل على العامل المعيشي الحاسم في هذا التحوُّل الترتيب الهرمي المجتمعي في لبنان، إذ تشير الأرقام إلى هول الكارثة وحجمها. ففي عام 2010، شكّلت طبقة الأثرياء 5 في المائة من اللبنانيين، فيما بلغت نسبة الطبقة الوسطى 70 في المائة، أما طبقة ما "فوق خط الفقر" التي تشمل الأفراد القادرين على توفير الغذاء، من دون المستلزمات الحياتية الأخرى، فضمّت 15 في المائة من المجتمع. بينما بلغت نسبة طبقة "ما دون خط الفقر" 10 في المائة، وهي غير قادرة على توفير الاحتياجات المعيشية الأساسية، ومنها الغذاء. هذا ما خلصت إليه دراسة أعدتها مؤسسة "الدولية للمعلومات" المتخصصة في الدراسات والأبحاث والإحصاءات العلمية. لكن المعطيات لم تحافظ على ثباتها، ففي عام 2019، بدأ الوضع الاقتصادي والمعيشي رحلة تراجع دراماتيكية. فقد فرض التدهور المالي والاقتصادي تبدلًا في أوزان الطبقات الاجتماعية، نتيجة تراجع قيمة الرواتب وأجور الموظفين بعد خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار، وبالتالي، انخفضت القدرة الشرائية والاستهلاكية بهذه النسبة. 
وتشير الدراسة المذكورة إلى أن الشعب اللبناني ينقسم حالياً حسب الهرم الطبقي على الشكل الآتي: 5 في المائة ينتمون إلى طبقة الأثرياء (طبقة ظلت ثابتة)، 35 في المائة طبقة وسطى، و30 في المائة فوق خط الفقر، و30 في المائة ما دون خط الفقر.
وعليه، تشير أرقام "الدولية للمعلومات" إلى أن 60 في المائة من اللبنانيين فقراء. بينما تقول تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) والبنك الدولي، إلى أن ما بين 80 و85 في المائة من اللبنانيين يعانون من الفقر. يفسر هذا الوضع الإقبال على المدارس الحكومية التي لا يتحسن مستواها، بالمقارنة مع الخروج من الخاصة التي تفرض أقساطاً عالية لا قدرة للأهالي على تحمل أعبائها.

(باحث وأكاديمي)