بلديات تونس تتصدى لاستغلال الأملاك العامة

30 ابريل 2022
مئات المخالفات على شواطئ تونس (بلدية سوسة)
+ الخط -

 

تنفذ بلديات محافظات في تونس عمليات هدم مستمرة لمنشآت مشيّدة عشوائياً بلا تراخيص قانونية، بعضها ضمن أملاك عامة. ويندرج ذلك ضمن حملة سنوية تشمل الفترة الممتدة بين إبريل/ نيسان وسبتمبر/ أيلول، أي خلال ارتفاع درجات الحرارة حين يكثر استغلال الأملاك البحرية لتحقيق مكاسب مالية بالتزامن مع موسم الاصطياف

وعموماً، انتشرت خلال السنوات العشر الأخيرة ظاهرة البناء الفوضوي على الأملاك العامة في مناطق عدة، بينها أراضٍ زراعية وشواطئ، حيث أنشأ أشخاص محلات تجارية ومقاهي ومطاعم صغيرة، واستغل آخرون من أصحاب النفوذ مساحات كبيرة من الشواطئ لتشييد منازل أو فنادق صغيرة أو فضاءات للترفيه، مستفيدين من غياب رقابة سلطات البلدية على بعض الشواطئ، خصوصاً تلك البعيدة عن المدن الرئيسة. 

وتدأب السلطات على مواجهة هذه التعديات عبر فرض تطبيق قوانين أصدرتها، واتخاذ إجراءات لضبط وتنظيم عمليات البناء على الشواطئ تحديداً، والتي وضعت شروطاً لها. وكانت وكالة التهيئة الترابية والتعمير قد أصدرت قانوناً خاصاً لتنظيم الأملاك العامة عام 1994، وتلاه قانونان حملا رقمي 72 و73، صدرا عام 1995 لإنشاء وكالة حماية الأملاك العامة البحرية وتهيئة الشريط الساحلي. وأورد القانون رقم 73 تحديداً أن "الأملاك العامة البحرية تشمل الشريط الساحلي المغطى أو المكشوف". 

الصورة
تصرّ السلطات التونسية على عدم التهاون في تطبيق القانون (بلدية سوسة)
تصرّ السلطات التونسية على عدم التهاون في تطبيق القانون (بلدية سوسة)

ونصّ البند 21 من القانون رقم 73 على أنّ "استعمال الأملاك العامة البحرية حرّ ومتساوٍ ومجاني، مع مراعاة متطلبات احترام راحة الغير والحفاظ على الصحة والسلامة والنظام العام وحماية المحيط. والأملاك البحرية العامة غير قابلة للتصرف بها والرهن، ولا يمكن التفريط بها ولا أن يكتسبها طرف آخر بالتقادم". 

وعام 2014 صدر مرسوم تنظيم عمليات الإشغال المؤقت للأملاك البحرية العامة، ونصّ على أنّ "كل رخصة للإشغال المرحلي للأملاك العامة لا يمكن منحها إلا لوقت محدد، مع إمكان التراجع عن منحها من دون دفع تعويض أو غرامة. وتراقب المصالح البلدية أصحاب الرخص، وتتأكد من عدم تصرفهم فيها بشكل خفي وعدم تمريرها لآخرين، واحترام مواضيعها ومدتها والتقيد بالمساحات الممنوحة".

الصورة
تؤكد السلطات أنها تهدم المنشآت غير المرخصة تحديداً (بلدية سوسة)
تؤكد السلطات أنها تهدم المنشآت غير المرخصة تحديداً (بلدية سوسة)

لكن رغم هذه القوانين والأوامر، ترصد السلطات البلدية تجاوزات كثيرة من أشخاص يستغلون الأملاك البحرية العامة لتشييد مطاعم أو مقاه أو نزل أو فضاءات ترفيهية واستغلالها لا سيما خلال فترة الصيف. من هنا بادرت البلديات منذ أيام إلى تطبيق مجموعة أحكام أصدرها القضاء لهدم مبان عشوائية عدة تقع على الأملاك البحرية العامة، بعضها على الشاطئ في محافظة سوسة، وبينها فنادق صغيرة، ما أثار جدلاً لدى الرأي العام الذي تساءل حول أسباب عدم منع أصحابها من البناء والإقدام على ذلك منذ البداية قبل تنفيذ أحكام الهدم بعدما شارفوا على إنجاز مشاريعهم. كما انتقد البعض تنفيذ عمليات الهدم أمام السياح، وتأثيرها السلبي على الموسم السياحي عموماً. ويؤكد رئيس بلدية سوسة محمد إقبال خالد، في فيديو نشره على صفحة البلدية على "فيسبوك"، أنّ "كل قرارات الهدم تنفذ بطريقة سلمية ضد كل من يخالف القانون ولا يحترمه بعد إبلاغه بقرار الهدم وموعده مسبقاً". 

ونفذت أخيراً قرارات هدم على شاطئ في محافظة بنزرت، وغالبيتها لمقاه ومطاعم بدأ تشييدها لاستقبال فصل الصيف بهدف الاستغلال المؤقت، من دون أن يحصل أصحابها على تراخيص قانونية مسبقة. ويتحدث رضا بن محمد، وهو أحد مسؤولي بلدية بنزرت، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "قرارات الهدم تحصل بالتنسيق بين البلديات والوكالة الوطنية لتهيئة وحماية الشريط الساحلي، إضافة إلى مسؤولي جهاز الحرس البحري، وتتم كلها بطريقة قانونية وسلمية بعد إصدار تنبيه وإعلام مسبق بقرار الهدم. وغالبية المباني التي تهدم ليست منازل بل هي مقاه وحانات ومطاعم أو حتى فضاءات ترفيه تشيّد لاستغلالها موقتاً من دون الحصول على أي تراخيص قانونية. ويستغل بعضهم مساحات كبيرة لوضع طاولات وكراسٍ على حساب المصطافين"، لكنه يستدرك بأن "قسماً كبيراً من الناس يعتقد بأنّ عملنا هو نوع من التشفي أو الوقوف في وجه كل من يريد إطلاق مشروع مؤقت لكسب بعض المال. ونحن نشدد على أن التهاون في تطبيق القانون سيفاقم هذه التجاوزات".

وسبق أن راقبت دائرة المحاسبات والتصرف الأملاك العامة على الشواطئ خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2015، وأعلنت عن تسجيل 951 مخالفة في 3 محافظات، شملت التمركز العشوائي والتعدي على الكثبان الرملية، وعدم التقيّد برخص الإشغال المؤقت. ولاحظ تقرير الدائرة نفسها وجود ضعف في نسب إزالة المخالفات، وعدم اتخاذ السلطات قرارات بالهدم. ويورد التقرير أن العلامات المحدّدة للأملاك البحرية العامة متآكلة وبعضها لا تبرز المساحات من أجل تجنب المشاكل والنزاعات مع الأشخاص.