تزداد الضغوط على الحكومة البريطانية في مواجهة أزمة غلاء المعيشة، وتشمل خصوصاً مسألة جوع الأطفال الفقراء، إذ يهدد هذا الشتاء نحو 800 ألف طفل، ما دفع إلى إطلاق مجموعات عدة بينها "عمل مكافحة فقر الأطفال"، و"أغذية الأطفال المستدامة"، حملة بعنوان "تغذية المستقبل"، بالتعاون مع شخصيات بارزة، أحدها الطاهي الشهير جيمي أوليفر.
وتدعو الحملة إلى التزام الحكومة بتطبيق رؤية طويلة الأجل، من خلال توفير وجبات مدرسية مجانية شاملة، ومراجعتها النظام الحالي الذي يلحظ تقديم وجبات مدرسية مجانية بحسب الدخل، وتحديداً إلى العائلات التي لا يتجاوز دخلها 7400 جنيه إسترليني (8271 دولاراً) سنوياً، مع عدم الأخذ في الاعتبار عدد الأطفال في الأسرة الواحدة.
وتؤكد حملة "تغذية المستقبل"، استناداً إلى نتائج بحث جديد بعنوان "تأثير الشريك المستدام على الصحة الحضرية"، أن "العائدات الاقتصادية على استثمار كل جنيه إسترليني في توفير وجبات مجانية لهؤلاء الأطفال أكبر بكثير من التحصيل التعليمي المحسن والتوظيف والصحة".
وإلى جانب الدعوات الموجهة إلى الحكومة، تحث حملة "تغذية المستقبل" الناس على توجيه خطابات إلى نواب مناطقهم للمطالبة بتوسيع نطاق الوجبات المدرسية المجانية ليشمل جميع الأطفال الذين تتلقى عائلاتهم الائتمان الشامل، كخطوة أولى وأكثر إلحاحاً في اتجاه توفير وجبات مدرسية صحية لجميع الأطفال.
ويحصل حالياً حوالي 1.9 مليون طفل في بريطانيا على وجبات مدرسية مجانية، وبينهم جميع التلاميذ من مرحلة الاستقبال وحتى السنة الثانية.
وتقول رومينا التي تعمل في مجلس بلدية لندن وتهتم بمساعدة اللاجئين في الاستقرار في البلد، لـ"العربي الجديد": "يسرق أطفال أغذية أحياناً ليس لأنّهم يعانون من الفقر أو الجوع. وحصل في إحدى المرات أن اتصل بي مسؤولو مدرسة كوني أشرف على مساعدة عائلة تلميذ لديهم، وطلبوا مني حضور اجتماع يضم العائلة المعنية ومديرة المدرسة، فتبيّن أنّ الطفل البالغ 13 عاماً يسرق وجبات مدرسية إضافية، رغم أنه يحصل على واحدة مجانية يومياً. وعندما سألت المديرة أهله عن نقص الطعام في المنزل، أجابوا بأن الطعام متوفّر، وعبّروا عن صدمتهم وخجلهم من تصرّف ابنهم الذي حاول في البداية تبرير ما يفعله، ثمّ أوضح كل التفاصيل".
وتلفت رومينا أيضاً إلى أنّ "أسراً عدة تفشل في تنظيم مصاريفها بشكل جيد، وتشتري معظم طعامها جاهزاً من السوبر ماركت، وبالكاد تطبخ وجبة في المنزل، ما يزيد التكاليف، وصولاً إلى تعثّرها عن الاستمرار في توفير الطعام حتى نهاية الشهر، لكننا لا ننكر وجود عائلات تعاني بالفعل من جوع ودخل متدن للغاية، علماً أن منظمات تعنى بتقديم الطعام تساعد في تخفيف تأثيرات الوضع السائد".
بدورهم، يكشف مديرو مدارس أن الأطفال الذين يتسببون بقلق شديد لا ينتمون إلى العائلات الأفقر، بل إلى تلك الطبقة الأعلى بقليل أو غير المؤهلة للحصول على وجبات مدرسية مجانية. وتشير إلى أن هؤلاء الأطفال يقضون يوماً كاملاً من دون تناول طعام، أو وجبات غداء غير كافية على الإطلاق.
في المقابل، تؤكد وزارة التعليم أنّها وسّعت نطاق الحصول على وجبات مدرسية مجانية بشكل أكبر من أي حكومة في العقود الأخيرة. وإنّها تستثمر 24 مليون جنيه إسترليني (26.8 مليون دولار) لتوفير وجبات إفطار مجانية في المدارس الموجودة في مناطق محرومة.
بدورها، تخبر يولانتا، وهي موظفة أمن بدوام جزئي في مطار هيثرو الدولي، "العربي الجديد": "أدفع نحو 240 جنيهاً (268 دولاراً) شهرياً لوجبات أطفالي الثلاثة. ولاحظت قبل فترة أنّ ابنتي الكبيرة باتت تنفق أكثر من 10 جنيهات يومياً (11.17 دولاراً) أحياناً. وعندما سألتها عن الأمر ردت بجواب لم يقنعني، وهو أنّها تشعر بجوع وتحتاج إلى مزيد من الطعام. ولاحقاً ناقشت الأمر مع مسؤولي المدرسة لمراقبة ما يجري، ثم أبلغوني أن ابنتي تشتري الطعام لصديقتها أيضاً. وعندما واجهت ابنتي بالأمر اعترفت بأنّ صديقتها لا تملك المال لشراء وجبة، وأنّها تشفق عليها لأنّها تشكو من ألم في معدتها بسبب الجوع".
تضيف: "احترمت تصرّف ابنتي، لكنّني قرّرت أن أعيد حساباتي، وأبدأ في إرسال وجبة إضافية لزميلة ابنتي. بات الحديث عن غلاء الفواتير والمعيشة خاصة الوجبات المدرسية طاغياً بين معظم الأهالي الذين يتجمّعون أمام المدرسة عند انتهاء الدوام، وقد رُفض طلب قدمته امرأة تعمل في التنظيف مقابل مبلغ 15 جنيهاً إسترلينياً (16.7 دولارا) في الساعة، وتعيل وحدها طفلها البالغ سبع سنوات، للحصول على وجبات مدرسية مجانية، رغم أنه واضح أنها لا تملك ما يكفي لدفع التكاليف الأساسية. وحين تحدثت هذه المرأة عن واقعها كانت على وشك البكاء، وأكدت أنها تتناول وجبة طعام واحدة يومياً أحياناً لتوفير ما يلزم لإعالة طفلها".
واللافت أن مؤتمر حزب العمال اقترح في سبتمبر/أيلول الماضي توفير دعم شامل للوجبات لجميع طلاب المدارس الابتدائية والثانوية. أيضاً قال الشيف جيمي أوليفر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) إن "إنكلترا لديها سياسة أكثر خبثاً في شأن الوجبات المدرسية المجانية، فيما تعمل اسكتلندا وويلز لتوسيع تقديم الوجبات الشاملة في جميع المدارس الابتدائية".
ورداً على تعليقات أوليفر، قالت وزيرة الصحة تيريز كوفي، إنه "من المهم دعم الأسر المتعثرة قبل غيرها، ودافعو الضرائب لن يقبلوا فكرة حصول أصحاب المعاشات التي تتجاوز 35 ألف جنيه (39.11 ألف دولار) سنوياً على وجبات مدرسية مجانية لأطفالهم".