بروتين من الذباب لتغذية الحيوانات في تونس

29 يونيو 2022
ينتج المشروع التونسي أكثر من 500 ألف ذبابة يومياً (العربي الجديد)
+ الخط -

هل يمكن أن يُستعمل في تونس البروتين المُستخلص من الذباب كدقيق لصنع خبز أو معجنات، وأن يتقبل أي شخص فكرة استهلاك مواد غذائية مصنوعة من بروتين مستخرج من الذباب؟ ربما يحصل ذلك في المستقبل، خاصة أنّ بعض الدول تستعمل زيوتاً مستخلصة من الذباب في صنع الخبز.
في مدينة قرمبالية بمحافظة نابل التي تبعد نحو 20 كيلومتراً من تونس العاصمة، أنشأ الشاب محمد القسطلي بالتعاون مع زوجته سيرين شعلال قبل أكثر من أربع سنوات شركة لإنتاج بروتين مستخرج من الذباب. ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في تونس والثاني في أفريقيا.  
يقول القسطلي لـ"العربي الجديد"، إنّ "إنتاج البروتين من الذباب أمر جديد بالنسبة إلى دول عدة خاصة تلك العربية. وقد يستغرب كثيرون كيف يمكن تربية الذباب، وإذا كان ذلك يحصل بالطريقة ذاتها المعتمدة في تربية النحل. لكنّ الأمر يختلف تماماً، سواء على صعيد المكان الذي يجب تخصيصه لتربية الذباب أو على صعيد أساليب العناية ومراحل التغذية والإنتاج". 

صحة
التحديثات الحية

ويشرح أن "العملية تنطلق بحفظ البيض في مخابر تخضع لدرجات حرارة معيّنة، ما يمهّد لتحوّله إلى يرقات صغيرة يجري تغذيتها بطريقة خاصة باستخدام بقايا الخضار والغلال. ولاحقاً تجفّف اليرقات بعدما تكبُر وتصل إلى حجم يسمح بجمع كميات مهمة من الزيوت والبروتين. ويتحوّل أكثر من 90 في المائة من اليرقات إلى بروتين لتغذية الحيوانات، فيما يُستعمل الباقي كسماد للأراضي الزراعية. وقد وصلنا إلى مرحلة إنتاج أكثر من 500 ألف ذبابة يومياً توفر كل واحدة منها أكثر من 500 يرقة".  
يضيف: "سيتحوّل الذباب وحشرات أخرى إلى مصدر للبروتين في المستقبل في دول عدة. وتغذية الذباب غير مكلفة لأنّها تستهلك أساساً بقايا الخضار والغلال التي توجد بكثرة في الأسواق التونسية، ويوفرها الفلاحون بسهولة من خلال بقايا الخضار والغلال غير الصالحة للاستهلاك، كما نحصل على كميات كبيرة من المجمّعات المتخصصة في فرز وتجميع الخضار والغلال المُعدّة للاستهلاك الداخلي أو الموجهة للتصدير إلى الخارج، وأيضاً من مصانع المربى أو أخرى تستهلك خضاراً أو غلالاً، وتضطر إلى إنفاق أموال طائلة لتلف المواد غير الصالحة للاستهلاك. ونحن بالتالي نُخلّص هذه المصانع من البقايا والفضلات بأقل تكاليف، ونستفيد بدورنا من واقع جعل إنتاجنا غير مكلّف". 
وتوفر مؤسسة القسطلي الذي تخصص أساساً في الكيمياء، نحو 30 فرصة عمل لمهندسين وتقنيين زراعيين وعاملين، وتأمل في تشغيل عدد أكبر مع توسيع المشروع، علماً أنها تصدّر إنتاجها حالياً إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا والدنمارك، وتستمر في البحث عن أسواق جديدة، للإفادة من واقع أنها من المشاريع القليلة في العالم في المجال. 

الصورة
يُصدّر المشروع التونسي للذباب انتاجه إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا والدنمارك (العربي الجديد)
يُصدّر المشروع التونسي للذباب إنتاجه إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا والدنمارك (العربي الجديد)

وكانت فكرة المشروع قد راودت القسطلي وزوجته حين انتقلا عام 2013 إلى مدغشقر، حيث عملت سيرين تحديداً ضمن برنامج لمكافحة الجراد أدارته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة العالمية (فاو)، التي أعلنت حينها حال الطوارئ في هذا البلد، إثر مهاجمة أسراب كبيرة من الجراد المحاصيل ما أتلفها بالكامل وأوقف الإنتاج، وتسبب في أزمة غذائية في البلاد. وهنا فكرت سيرين في مدى إمكان استغلال الجراد لتغذية الحيوانات في الأساس، لكن عراقيل عدة منعت تنفيذ المشروع، أولها تحديد مكان المشروع في تونس حيث لا توجد كميات كبيرة من الجراد الذي يمكن جمعه، وواقع أنّ الدورة الحياتية للجراد طويلة وتصل إلى ثلاثة أشهر، ما لا يسمح بإنتاج كميات كبيرة من البروتين المطلوب خلال فترة وجيزة. 

ونجحت الشركة أخيراً في الحصول على تمويل أوروبي بقيمة 9 ملايين دولار من أجل زيادة الإنتاج والكميات المصدّرة إلى الخارج، وتوظيف وتشغيل عدد أكبر من العاملين. واستدعي القسطلي وزوجته للمشاركة مرات في ندوات علمية في العالم ناقشت مواضيع التغذية وحماية المحيطات، وشهدت عرضهما تفاصيل تجربتهما الفريدة في مجال تربية الحشرات. 
ويُشير القسطلي إلى أنّه لن يكتفي بتربية الذباب، بل سيعمل لتطوير المشروع عبر تربية أنواع أخرى من الحشرات، والاطلاع على كيفية تربيتها، وما تحتاجه للعناية بها من غذاء وفضاء خاص لتربية اليرقات لإنتاج البروتين.

المساهمون