استمع إلى الملخص
- **أسباب تميز المدارس الخاصة**: تميزت المدارس الخاصة بتقديم بيئة تعليمية أفضل مقارنة بالحكومية، من خلال اختيار المدرسين المناسبين، تقليل عدد التلاميذ، وتوفير وسائل تعليمية حديثة، مما جذب الأسر الميسورة رغم ارتفاع الرسوم.
- **إجراءات وزارة التربية**: أغلقت الوزارة عدة مدارس خاصة لمخالفات تعليمية وتنظيمية، وسمحت بتراخيص جديدة، مما أدى لانتشارها. في المقابل، تعاني المدارس الحكومية من نقص الكادر وسوء الخدمات، مما دفع الوزارة لتشجيع التبرعات لترميم المدارس.
تشهد المدارس الخاصة في سورية إقبالاً غير مسبوق خلال الأعوام القليلة الماضية، على الرغم من التدني الواضح لمستوى الدخل وسوء الأوضاع المعيشية لدى الشريحة الأكبر من السوريين خلال الأعوام القليلة الماضية.
وكانت دائرة التعليم الخاص قد رفعت في هذا الموسم بدلات المدارس الخاصة لتتناسب مع المستوى الخدماتي والتعليمي الذي تقدمه. وتراوحت رسوم التسجيل السنوي لتلاميذ المرحلة الابتدائية هذا العام ما بين 10 و12 مليون ليرة (الدولار الأميركي يساوي 14700 ليرة سورية)، والتعليم الإعدادي ما بين 12 و14 مليون، في حين زادت رسوم التعليم الثانوي عن 14 مليون ليرة سورية، وهذا يخضع لموقع المدرسة وتجهيزاتها وكادرها التعليمي، بالإضافة إلى ما تقدمه من خدمات نقل وترفيه، ووسائل تعليم وإيضاح.
قبل عامين، انتقلت المدرّسة حكمت داوود إلى العمل في إحدى المدارس الخاصة. تقول لـ "العربي الجديد" إن تراجع الخدمات التعليمية في المدارس العامة، واكتظاظ التلاميذ في الصفوف، بالإضافة إلى هجرة المدرسين خصوصاً المتخصصين منهم، وزيادة اهتمامهم بالدروس الخاصة نتيجة اتساع الفجوة بين الرواتب الشهرية الحكومية وغلاء المعيشة، كلها عوامل أدت إلى تميز المدارس الخاصة في كل شيء بالمقارنة مع تلك الحكومية.
ويبدأ هذا من اختيار المدرسين المناسبين للتعليم الخاص وعدد التلاميذ في الغرف الصفية الخاصة الذي يقل عن نصف العدد في مثيلاتها الحكومية، والوسائل التعليمية المساعدة والإنارة والتكييف والكتب الجديدة وخدمات دورات المياه، والتي باتت تفتقر إليها جميع المدارس الحكومية. وفي المحصلة، أدى ذلك إلى سعي العديد من الأسر الميسورة لتسجيل أبنائها في المدارس الخاصة رغم ارتفاع الرسوم.
وأمس السبت، أعلنت وزارة التربية إغلاق عدد من المؤسسات التعليمية الخاصة ووضعت أخرى تحت إشرافها المباشر معللة هذا الإجراء بارتكابها عدداً من المخالفات للتعليمات التربوية. وأكدت وجوب الالتزام بالتعليمات والقوانين التي تنظم عمل المؤسسات التعليمية الخاصة تحت طائلة المحاسبة القانونية، من دون أن تبين الوزارة ماهية المخالفات التي أدت إلى الإغلاق.
ويؤكد الموظف في مديرية التربية في دمشق، لـ "العربي الجديد"، أن الوزارة أغلقت ثماني مدارس خاصة في ريف دمشق وحمص ومدن أخرى لأسباب عدة أهمها عدم وجود ترخيص نظامي أو تعدي المدرسة على مراحل تعليمية أخرى، مضيفاً أن بعضها قد انتقل أو توفي أو هاجر صاحب الترخيص الأساسي وبقي الورثة يستخدمون الترخيص نفسه، وهذا مخالف للقانون. ويشير إلى أن بعض المدارس تلتزم بالرسوم المحددة لها ثم تبدأ بفرض أسعار إضافية على الكتب والورق وبعض التجهيزات ما يُرهق الأهالي ويزيد الأعباء.
من جهته، يقول أحد المدرسين إن أسباب إغلاق بعض المدارس يعود إلى مواقف سياسية أكثر منها تنظيمية، فالعديد من المدارس الخاصة كانت قبل الأحداث السورية تعتمد نمطاً تربوياً خاصاً في المنطقة، يملكها أشخاص أصبحوا معارضين بعد الثورة، وهذا يعتبر خطراً على سياسة النظام ولا يمكن ضبطه لأنها تختار المدرسين المناسبين لنهجها التربوي والسياسي بعيداً عن التعليمي.
وكانت وزارة التربية قد سمحت قبل حوالي العامين باستصدار تراخيص للمدارس الخاصة، بعدما كانت حكراً على أشخاص محددين أو ذات تراخيص قديمة، وذلك ضمن شروط مشجعة مستفيدة من تجارب التعليم الافتراضي لجميع المراحل خصوصاً الجامعي، وقد انتشرت في محافظات القطر بشكل كبير واستطاعت استيعاب أعداد كبيرة من التلاميذ لقاء رسوم سنوية شبه رمزية.
أما المدرس سميح أبو الدهن، فيقول لـ "العربي الجديد"، إن وزارة التربية تتجه إلى خصخصة جزئية للتعليم، وتبقي على بعض قطاعات التعليم المجاني في الأرياف وضمن شروط الخدمات السيئة من ترميم للمدارس والتجهيزات والكمبيوترات بالإضافة إلى شبه انقطاع في التدفئة والإنارة وحتى المياه. ورافق الأمر نقصاً في الكادر التعليمي أدى إلى الاستعانة بطلبة الجامعات لمراحل التعليم الأولى.
في المقابل، وبعد نجاح تجربة التعليم الخاص في الروضات، وفي التعليم الافتراضي ومؤخراً انتشار المدارس الخاصة، وجدت الوزارة ضالتها في دعم التعليم الخاص لما تجنيه من أرباح على عكس المجاني، ما يؤدي إلى هجرة المدرسين على اعتبار أن راتب المدرس في الخاص يعادل أضعاف رواتب الدولة، عدا عن الميزات التي يحصل عليها من نقل ومكافآت وتعليم صيفي وغير ذلك. من ثم، وجدت الوزارة حلولاً لضغط المدرسين من جهة وتوفير في التعليم المجاني من جهة أخرى.
وفي هذا الشأن، يقول المدرس مزيد أمين لـ "العربي الجديد"، إنه غالباً ما لجأت الدولة إلى حل مشكلاتها على حساب المواطنين، فشجعت الأهالي على التبرع لترميم المدارس وتأمين الكتب المدرسية والمحروقات للمدرسة وحتى أوراق الامتحانات. وتصدرت من خلال مسؤوليها في المحافظات واجهة العمل الخيري من دون أن تشارك فيه، وهذا بمجمله يدل على عجز واضح أمام خدمة أهم القطاعات، ويؤدي بالنتيجة إلى أزمات تربوية وتعليمية واجتماعية بدأنا نلحضها من خلال التسرب الكبير للتلاميذ من المدارس، والفارق الكبير في مستوى التعليم بين الريف والمدينة الذي يؤدي إلى هجرة دائمة باتجاه المدن.
وكانت وزارة التربية قد حذرت مديري المدارس الحكومية بوجوب قبول كل التلاميذ المنتسبين إلى مدارسهم من دون إجراء امتحانات قبول أو انتقاء، وذلك تحت طائلة العقوبات وإنهاء تكليف المدير. ويشير مدير التعليم في الوزارة، راغب الجدي، إلى أن أثر هذه التعليمات سيكون سلبياً، إذ إن قيام التلاميذ بالتسجيل في المدارس الأقرب إلى مواقع سكنهم سيؤدي إلى اكتظاظ المدارس. يضيف أن الكتب المدرسية ستقدم مجاناً للتلاميذ من الصف الأول إلى الرابع، بينما حددت الوزارة سعر الورقة المطبوعة ضمن كتب المناهج الدراسية في المدارس العامة بـ 90 ليرة سورية.
وتقول إحدى أمينات المكتبات المدرسية العامة، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن سعر نسخة كتب الثالث الثانوي سيصل هذا العام إلى ما يعادل 170 ألف ليرة سورية بمعدل 15 ألف ليرة للكتاب الواحد.