عاد البابا فرنسيس، الأحد، إلى جزيرة ليسبوس اليونانية القابعة في قلب موجة الهجرة الهائلة إلى أوروبا منذ ستة أعوام، بعد أن انتقد الحكومات الأوروبية بحدة على تعاملها الحالي مع المهاجرين واللاجئين خلال زيارة يقوم بها إلى بلدين تضرّرا بشدة.
وأمام نحو 40 مهاجرا، عبّر البابا (84 سنة) عن حزنه حيال موت عدد كبير من المهاجرين في البحر المتوسط، داعياً إلى وضع حدّ "لغرق الحضارة"، وقال في اليوم الثاني من رحلته إلى اليونان: "لا نهرب بسرعة من صور أجسادهم الصغيرة الممددة بلا حياة على الشواطئ"، مشيرا إلى أن البحر المتوسط "أصبح مقبرة باردة من دون الحجارة التذكارية على القبور. هذا الحوض الكبير من المياه مهد العديد من الحضارات، ويبدو الآن مرآة للموت".
وأضاف أمام الرئيسة اليونانية كاترينا ساكيلاروبولو ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس ووزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراشي: "لن ندع بحرنا يتحوّل إلى بحر ميت، ولن ندع مكان اللقاء هذا يصبح مسرحًا للمواجهات. لن ندع بحر الذكريات هذا يتحوّل إلى بحر النسيان. من فضلكم، لنوقف غرق الحضارة هذا".
وفي مخيم مافروفوني، الذي يضمّ نحو 2200 طالب لجوء يعيشون في ظروف صعبة، استقبل البابا حشدٌ من المهاجرين الذين تجمّعوا بين الحاويات والخيام في المخيم، وحيّا البابا لوقت طويل العائلات الحاضرة، وباركها، وكان بين أفرادها أطفال كثر، وعلت هتافات تقول "أهلا وسهلا" و"نحبّك".
وحضر نحو أربعين طالب لجوء، معظمهم من الكاثوليك من الكاميرون والكونغو الديمقراطية، صلاة العذراء التي أقامها البابا. وشكر الكونغولي كريستيان تانغو (31 سنة) البابا على "روحه الإنسانية" التي يظهرها حيال جميع المهاجرين واللاجئين، قبل أن يطلب منه أن يصلّي كي "يكون له مكان آمن في أوروبا".
اللاجئون بشر لا سجناء ولهم حقوق
ويأمل بعض هؤلاء المهاجرين في العودة مع البابا إلى روما.
وكان البابا فرنسيس نقل معه 12 سوريا في 2016، وسيتم نقل خمسين مهاجرا من قبرص، حيث أمضى يومين قبل أن يصل إلى أثينا. ولم يتم استبعاد احتمال أن يرافقه بعض طالبي اللجوء من مافروفوني إلى إيطاليا.
ونشر نحو 900 شرطي في الجزيرة اليونانية. ورُفعت لافتات في كل مكان في مدينة ميتيليني، وعلى مقربة من المخيّم، للترحيب بالبابا، أو التنديد بعمليات ترحيل مهاجرين إلى تركيا يُقال إن السلطات اليونانية تنفّذها.
وأُقيم مخيم مافروفوني قبل عام في ميدان رماية سابق للجيش في الجزيرة الواقعة في بحر إيجه، بعدما دُمّر مخيم موريا الذي كان الأكبر في أوروبا بسبب حريق هائل.
وسبق أن زار البابا موريا في إبريل/نيسان 2016، عندما كانت جزيرة ليسبوس نقطة الدخول الرئيسية لعشرات آلاف المهاجرين إلى أوروبا، وقال في عبارة رمزية: "نحن جميعا مهاجرون".
وتشكل قضية اللاجئين محور رحلة البابا الـ35، ويقول الصحافي المتخصص في شؤون الفاتيكان ماركو بوليتي، وهو مؤلّف كتاب عن البابا فرنسيس، إنه "مقتنع بأن مسألة المهاجرين هي أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية".
لم يكفّ البابا الذي يتحدّر من عائلة مهاجرَين إيطاليَين استقرت في الأرجنتين، عن الدعوة إلى استقبال آلاف "الإخوة والأخوات" من دون أي تمييز بينهم على أساس الدين أو وضع اللجوء، واعتبر أن أوروبا "تواصل المماطلة" في مواجهة تدفق المهاجرين، و"تمزّقها الأنانية القومية" بدلا من أن تكون "محركا للتضامن" في مسألة الهجرة.
وافتُتحت ثلاثة مخيمات تحيط بها أسلاك شائكة وكاميرات مراقبة وأجهزة مسح بأشعة سينية وبوابات ممغنطة توصد ليلًا، في جزر ساموس وليروس وكوس، ويُرتقب افتتاح مخيمَي ليسبوس وخيوس خلال العام المقبل.
في قبرص، ندّد البابا يوم الجمعة "بثقافة اللامبالاة" التي يتم إظهارها للمهاجرين، وفي أثينا، حثّ الحكومات الأوروبية، أمس السبت، على استقبال المهاجرين "بما يتناسب مع إمكانات كل دولة".
وقال إن المهاجرين واللاجئين يعيشون اليوم في "الأوديسة الحديثة الرهيبة"، في إشارة إلى القصيدة الملحمية اليونانية القديمة.
يذكر أن أكثر من مليون شخص، كثيرون منهم فرّوا من الحرب في العراق وسورية، عبروا من تركيا إلى اليونان خلال عامي 2015 و2016، وكانت ليسبوس أكثر نقاط العبور اليونانية ازدحاماً. كما دمّر حريق، العام الماضي، مخيماً مكتظاً للاجئين في موريا على الجزيرة، زاره البابا في عام 2016.
(أسوشييتد برس، فرانس برس)