لقطاع غزة المحاصر حكاية طويلة مع التغذية الكهربائية المتقطعة، وهي حكاية لا تغيب عنها الحوادث المؤلمة التي يسقط فيها ضحايا لا سيما من الأطفال
في الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري، كان مخيم النصيرات على موعد مع ليلة حزينة وسط الظلام الدامس، بعدما احترق ثلاثة أطفال أشقاء داخل منزل صغير فقير، يعود لعائلة الحزين، وسط حظر التجول الذي كان مفروضاً على سكان المخيم بسبب كورونا. وفي صباح اليوم التالي، كان مشهد الغرفة التي احترقت بالكامل، مؤلماً، إذ كان ينام فيها الأطفال الضحايا الثلاثة، وكان الوالد عمر الحزين، يبكي وهو يخبر السكان المتجمعين، أنّه كان يريد أن يعدّ لأطفاله الحليب، وخرج من المنزل لإحضاره لكنّه عاد فوجده قد احترق.
الأطفال الثلاثة، يوسف (5 سنوات) ومحمود (4 سنوات) ومحمد (سنتان) وصلوا جثثاً هامدة، إلى مستشفى شهداء الأقصى، وسط القطاع، ليرتفع عدد الضحايا الذين سقطوا من جراء أزمة انقطاع التيار الكهربائي وبحث السكان لا سيما الفقراء عن بدائل غير آمنة لإنارة منازلهم، منذ بداية عام 2010 حتى العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، إلى 35 من بينهم 28 طفلاً، معظمهم كانوا نائمين عندما احترقوا. وهي الإحصائية التي رصدها ووثقها مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة. كذلك، أصيب 36 آخرون بحروق متفاوتة من بينهم 20 طفلاً و6 نساء.
عمر الحزين (34 عاماً) رجل مكافح، يصارع لأجل الحصول على عمل دائم يلبي رغبات أطفاله البسيطة وأهمها الطعام، فعمر عامل موسمي في جني ثمار الحمضيات. يحضر عمالاً رفقته لجني الثمار في أراضٍ مختلفة وسط القطاع، وفي بقية الأيام يعمل في مهن عدة باليومية، مثل النقليات والبناء وغيرها، لكنّه منذ ثلاثة أشهر لم يعمل نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. يقول لـ"العربي الجديد" عن يوم الحادثة: "كان أطفالي في منزل أبي يلعبون مع جدهم، ثم عدنا وتناولوا العشاء، وطلب مني طفلي محمد أن يشرب الحليب، ولم يكن لديّ حليب، فوضعت الشمعة عند النافذة لتنير الغرفة، وتوجهت إلى والدتي فلم أجد لديها، وعندها بحثت عن دكان يفتح أبوابه في ظلّ حظر التجول المفروض، فوجدت أحدها، وبينما أعود بالحليب، فأجأني أحدهم بالصراخ أنّ بيتي يحترق".
أسامة الحزين، شقيق عمر، كان حاضراً في تلك اللحظات. يقول إنّه عند الثامنة والنصف مساء، سمع أصواتاً غير عادية، فخرج من المنزل مسرعا ليجد النيران، فحاول إطفاءها بالماء بمساعدة الجيران، لكنّه لم يتمكن من السيطرة على شقيقه عمر الذي دخل إلى المنزل وهو يحترق، محاولاً كسر النوافذ والأبواب لإخراج أطفاله فيما يصرخ. وفي المقابل، وصلت فرق الإطفاء التابعة للدفاع المدني الفلسطيني متأخرة خمساً وأربعين دقيقة نتيجة حظر التجول. ولم تنجح جميع المحاولات بحسب أسامة الذي يضيف: "بعد إخماد الحريق، كانت الصدمة أنّ الأطفال الثلاثة احترقوا، والجميع كان يقف ويبكي أمام هول هذا المشهد". ويعلق: "بالإضافة إلى الفقر الذي يعيشه والدهم والظلم الذي نعيشه في غزة من انقطاع الكهرباء والحصار الإسرائيلي، يُحرم الوالد من أطفاله الثلاثة الذين يعتبرهم أمله الوحيد في الحياة".
في 13 أغسطس/ آب الماضي، قررت إسرائيل منع إدخال الوقود والمحروقات إلى القطاع بسبب استمرار استخدام البالونات الحارقة وتوجيهها لأراضي الداخل المحتل. بنتيجة ذلك، تعطلت محطّة توليد الطاقة الوحيدة، التي تنتج ثلث كهرباء القطاع، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة الكهرباء.
حادثة أطفال عائلة الحزين، أعادت إلى ذاكرة الغزيين مأساة الأطفال الثلاثة من عائلة أبو الهندي في مخيم الشاطئ في السادس من مايو/ أيار 2016، الذين توفوا بسبب شمعة أيضاً في منزلهم الصغير، فيما كانت الأسرة قبل يوم واحد تتنزه في ميناء غزة هرباً من حرّ الصيف وانقطاع التيار الكهربائي. عمّ الأطفال الثلاثة محمد أبو هندي من مخيم الشاطئ، يشير إلى أنّ الحادثة جعلت المنطقة بأكملها مرعبة، إذ لا يرغب أحد في السكن بالقرب منها تشاؤماً مما حصل، ويضيف: "بعد هذه الحادثة مع أبناء أخي لم نعد نستعمل الشموع على الإطلاق بما فيها شموع أعياد ميلاد الأطفال".
وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احترقت غرفة في منزل أحمد المدهون، في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، بسبب بطارية شحن كهربائي، وأصيبت طفلته ميار (8 سنوات) بتشوه في كامل يدها اليسرى ورقبتها، بعدما كانت نائمة في غرفتها، فاحترقت الستائر وتمدد الحريق إلى فراشها. يقول الوالد: "لم أعد بعدها إلى استخدام البطاريات أو الشموع خوفاً على أطفالي، بل أستخدم مصابيح الإنارة فقط عند انقطاع التيار الكهربائي". وعن حالة ابنته يقول: "حتى اليوم، تحصل على علاج مكثف لتخفيف الحروق والتشوهات، وكان من المفترض السفر للعلاج في مصر في إبريل/ نيسان الماضي، لكن بسبب ظروف كورونا تأجل السفر، وما زالت تعاني من آلام الحروق".
يقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، عصام يونس، إنّ أزمة انقطاع التيار الكهربائي خلقت أزمات إنسانية حادة في تقليص المنشآت الصناعية وتسريح كثير من العمال وإغلاق المنشآت الصناعية والتجارية، لكن كان أصعب نتائجها وقوع ضحايا من الأطفال. يتابع لـ"العربي الجديد": "طالبت الحكومة الفلسطينية والأحزاب السياسية بالبحث عن حلول جدية تُنهي أزمة التيار الكهربائي، إذ ربما تزيد المشاكل ويكون هناك مزيد من الضحايا. لا بدّ من مشاريع عبر المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بإدخال الاحتياجات الحيوية إلى القطاع، حتى لا يتدهور الوضع المعيشي أكثر".