رحلة بحث إبراهيم عمران (36 عاماً) عن نوع الحفاضات الذي يناسب طفلته البالغة من العمر سبعة أشهر استغرقت خمس ساعات. فهي تعاني من حساسية جلدية منذ نحو شهرين، وتحتاج إلى حفاضات مدعّمة بطبقات قطنية عادة ما تلائم الأطفال الذين يعانون من حساسية. بحث في أكثر من 20 متجراً وصيدلية قبل العثور عليها، في ظل إغلاق المعابر ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخول البضائع إلى قطاع غزة.
ودفع استمرار إغلاق المعابر الحدودية بعد العدوان الإسرائيلي الأخير عشرات المصانع إلى التوقف عن العمل. كما أعلنت الكثير من المتاجر عن نفاد بعض البضائع المستوردة فيها، الأمر الذي أدى إلى معاناة عائلات كثيرة، خصوصاً تلك التي يتوجب عليها تأمين حفاضات وحليب لأطفالها.
ولا يعلم عمران ما إذا كان سيستطيع تأمين حفاضات أخرى مستقبلاً، لافتاً إلى أن سعر العلبة التي اشتراها أغلى من العادة. ويشير إلى أن الكثير من البضائع لم تعد متوفرة في الأسواق وبعض المتاجر، معرباً عن قلقه من فقدان الحاجيات الأساسية، وخصوصاً الحفاضات وحليب الأطفال المدعم وغيرهما. ويقول لـ"العربي الجديد": "للأسف، زاد الخناق علينا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. الكثير من المواد الغذائية مفقودة في الأسواق بسبب إغلاق المعابر. الأصعب بالنسبة إلي هو أن ابنتي لا تتحمل أي نوع من الحفاضات لأنها تعاني من حساسية جلدية"، لافتاً إلى أن كثيرين يواجهون المعاناة نفسها. ويختم حديثه قائلاً: "استمرار اغلاق المعابر سيضرّ بأطفالنا كثيراًً".
أما براءة أبو شوقة (34 عاماً)، فتعد حليباً مدعماً بالفيتامينات لطفلها أيهم (5 أشهر)، بعد انقطاع الحليب الخاص المدعم بالمعادن وعناصر غذائية أساسية، والمخصص للأطفال الذين يعانون من مشاكل في الجهاز الهضمي، إذ لم تجد بديلاً عنه، مشيرة إلى أنه يرفض الرضاعة الطبيعية. ابنها الذي يتناول الحليب خمس مرات في اليوم بات يتقيأ مرة أو اثنتين منذ أن بدأ يتناول الحليب المتوفر.
وتقول أبو شوقة إن طفلها يعاني من داء الارتجاع المعدي المريئي ومشاكل في الجهاز الهضمي منذ الولادة، ومن المقرر أن يجري عملية بعدما يبلغ عاماً من العمر. ويفترض أن يلتزم بنوع معين من الحليب طوال العام. تضيف لـ"العربي الجديد": "لو اضطرني الأمر، أفضل السفر بدلاً من البقاء هنا في الوقت الذي يتعذب فيه إبني بسبب المعابر ونقص الحليب المخصص للأطفال. لا أعلم لماذا يتم ابتزاز الفلسطينيين من خلال منع دخول حاجيات الأطفال في مقابل مصالح سياسية إسرائيلية".
الأمر نفسه ينسحب على نسير العبيد (35 عاماً)، فهي تحتاج إلى نوع معين من الحليب لابنها نسيم (8 أشهر)، لضمان حصوله على العناصر الغذائية الأساسية كونها تواجه مشاكل في الرضاعة. كما لا تجد الحفاضات التي اعتاد ابنها عليها، مع الإشارة إلى أن الأنواع الأخرى تسبب له الحساسية. وتعبر عن قلقها الكبير إذ لم تعثر على امرأة يمكن أن ترضع طفلها، أو حليب جيد مدعم بالعناصر الغذائية.
وتقول العبيد لـ "العربي الجديد": "رأى الأطفال الموت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. حتى الرضع كانوا يسمعون أصوات القصف. وفي الكثير من الأحيان، لم أكن أستطيع الحراك من جراء الخوف. وبعد انتهاء العدوان، يحرمون من أبسط احتياجاتهم الأساسية. لكن في النهاية، يتوجب علينا الصمود أمام عدو لا يرحم، حتى في ما يتعلق بحليب الأطفال".
يتحدث الغزيون عن أنواع مفقودة من الحفاضات والحليب، سواء في الصيدليات أو المتاجر. وبدأ البعض يعتمد على الأنواع محلية الصنع، وإن كانت أقل جودة من المستوردة التي تستهلك بنسبة 80 في المائة داخل قطاع غزة، بحسب الصيدلي وهيب حلس.
ويعتمد الغزيون على الحليب المستورد في قطاع غزة، أو الذي تقدمه الدول المانحة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". لكن حلس يشير إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه من دون فتح المعابر سيخلق أزمة صحية كبيرة، في ظل عدم توفر بعض أنواع الأدوية التي تستورد من من الضفة الغربية وشركات الأدوية فيها.
ويقول حلس لـ"العربي الجديد": "كسحت بعض أنواع الحليب والحفاضات السوق المحلي خلال سنوات الحصار الاسرائيلي. ولا يمكن لشركات محلية سد حاجة السوق المحلي والأطفال في غزة في ظل ضعف الإمكانيات، وخصوصاً أن المصانع تحتاج إلى مقومات كثيرة. لكن للأسف، هذه هي المرة الأولى التي يشعر الأهالي فيها بخطر حقيقي في ظل عدم توفر حاجيات الأطفال الأساسية". يضيف: "هذه أصعب مرحلة في الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 15 عاماً".