بعدما استعادت حركة طالبان الحكم في أفغانستان قبل عام، إثر مغادرة القوات الدولية البلاد، أمل آلاف الأفغان الحصول على لجوء بالخارج، لكن كثيرين ما زالوا عالقين هناك، وفي مقدمتهم أشخاص تعاونوا مع القوات الألمانية التي شاركت في المهمة العسكرية منذ إطاحة نظام الحركة للمرة الأولى عام 2001، وساهموا في مهماتها بشكل فاعل.
وأخيراً، أوردت وسائل إعلام ألمانية أن 11,864 فرداً على قائمة الأشخاص الذين يتعين إخراجهم من أفغانستان، وأن أكثر من 5000 ينتظرون الحصول على تأشيرات للمّ الشمل والهجرة إلى ألمانيا.
وعلّقت المتحدثة باسم سياسة اللجوء الخاصة بالحزب اليساري في البرلمان الألماني (بوندستاغ) النائبة كلارا آنا بونغر: "واضح أنّ الحكومة الفيدرالية ليست مهتمة بمصير أفراد عائلات اللاجئين المعترف بهم، الذين يتساوون بموجب القانون الدولي. وفترات الانقطاع الطويل عنهم تنتهك في شكل صارخ حماية الحياة الأسرية المرتبطة بحقوق الإنسان".
وعن فترات الانتظار الطويلة للحصول على تأشيرات لمّ شمل، أشارت آنا إلى أنّ "حالة الاستياء التي يعيشها الأشخاص المعنيون تدفعهم إلى محاولة الوصول إلى ألمانيا بقوارب تنقلهم عبر البحر الأبيض المتوسط، ما يهدد حياتهم، رغم أنهم يملكون على الورق الحق في الالتحاق بأقاربهم. من هنا يتعين على الحكومة الفيدرالية بذل جهود أكبر لتحسين هذا الوضع، ومعالجة إشكالات تمييز وزارتها المعنية بشؤون الهجرة والموضوع عموماً بين من عملوا موظفين مع القوات الألمانية، وآخرين متعاونين من خلال عقود للحصول على خدمات محددة، أو ضمن مشاريع تابعة للوكالة الألمانية للتعاون الدولي".
وفي خضم ذلك، أورد موقع شبيغل أونلاين، الأحد الماضي، أنّ الحكومة الاتحادية، في رد على طلب إحاطة من النائبة كلارا آنا بونغر، أقرّت بمقتل أكثر من 30 عاملاً محلياً سابقاً مع الجيش الألماني من المعرضين للخطر الذين كان من المقرر إجلاؤهم من أفغانستان إلى المانيا. وفند التقريرالحكومي أن وفاة 15 شخصاً كانت طبيعية أو على أثر حادث، فيما قتل 9 أشخاص آخرين بأعمال عنف، وأحدهم قتل في هجوم نفذه تنظيم الدولة الاسلامية على مسجد، ولقي أحدهم مصرعه بعد تعرضه لاعتداء أمام هيئة الجوازات، وانتحر آخر. فيما بقيت أسباب وفاة الآخرين غير واضحة.
هذا الواقع دفع بونغر إلى وصف الأمر بـ"الكارثي"، مشيرة أمام "البوندستاغ"، إلى أن الحكومة السابقة بزعامة أنجيلا ميركل فشلت فشلاً ذريعاً في إخراج المستضعفين من أفغانستان في الوقت المناسب، وحتى ائتلاف إشارات المرور الحالي بقيادة الاشتراكي لم ينجح في حماية مَن قُبِلوا على الأقل.
وفي السياق، نقلت شبكة إيه آر دي الإخبارية، عن الضابط ماركوس غروتيان الذي خدم مع الجيش الألماني في أفغانستان، ويعمل حالياً في شبكة تساعد الموظفين الأفغان السابقين المتضررين وعائلاتهم في الوصول إلى بر الأمان، وذلك عبر إرشادهم للانتقال براً إلى إيران أو باكستان ثم إلى ألمانيا، قوله إن الجمعية دعمت نقل 334 شخصاً من أفغانستان إلى أماكن آمنة.
من جهته، اعتبر نائب رئيس كتلة الاتحاد المسيحي المعارض يوهان فادفول، أن "من غير المقبول أن يظل كثير من المتعاقدين السابقين الأفغان عالقين في بلدهم، والمطلوب ممارسة ضغوط على طالبان".
أما السياسي عن حزب الخضر روبن فاغنر، فانتقد الأخطاء التي تكبدتها الحكومة السابقة في التعامل مع الملف، وأهمها تأخير إجلاء كثيرين، ما عرّض بعضهم لخسارة حياتهم.
وتكشف وسائل إعلام أنّ ألمانيا التزمت في أغسطس/ آب 2021 قبول 33,263 شخصاً، ونجحت في إخراج أكثر من 23 ألفاً معرضين للخطر من موظفين محليين وآخرين يحتاجون إلى حماية مع أقاربهم، فيما ينتظر أكثر من 9 آلاف منهم المغادرة. لكن وزارة الخارجية الألمانية تتحدث عن أنّ "ملف المغادرين لا يسير على النحو المأمول، لأنّ طالبان تمنع الأشخاص الذين لديهم جوازات سفر من مغادرة البلاد، ولا تصدر جوازات سفر حالياً".
وتفيد معلومات بأنّ الحكومة الألمانية تبحث حالياً مع سلطات كابول موضوع إخراج المتعاونين السابقين وعائلاتهم، لكنها لم تصل إلى نتائج ملموسة حتى الآن. وتشير إلى أن "الحكومة اتخذت فعلاً إجراءات لتسريع تدابير لمّ الشمل، بينها إصدار تعليمات إلى مكاتب التأشيرات باستخدام سلطات تقديرية، وتعليق إجراءات التحقق من المستندات التي تتطلب أوقاتاً طويلة، والتخلي عن شرط إتقان اللغة".
وأخيراً، وعدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر الأفغان الذين تعاونوا سابقاً مع قوات بلادها، وما زالوا صامدين في كابول، بمنحهم فرصة للهجرة إلى ألمانيا. وأبلغت صحيفة "بيلد" أنها تعمل مع وزيرة الخارجية أنالينا باربوك لوضع برنامج قبول فيدرالي جديد للمتعاونين السابقين بمعايير واضحة. ولفتت إلى أن "المشكلة الأكبر تتمثل بإخراج الأشخاص المهددين من أفغانستان، في حين أنّ التدابير المتخذة لنقل أعداد منهم موجودين في إيران أو باكستان أكثر سهولة".
وأكدت باربوك أنّ "جهوداً كبيرة تبذل لجعل مزيد من الناس يغادرون أفغانستان، وسنقدم برنامج حماية يستفيد منه الأشخاص الأكثر ضعفاً، خاصة الفتيات والنساء، فيما يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية المجتمع المدني الأفغاني. ونحن نرى أنّ الانسحاب وانتهاء العملية العسكرية للتحالف كان ضرورة، إلى جانب حماية جميع من يدافعون عن حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية في البلاد".
وقد ارتفعت طلبات لمّ الشمل كثيراً في كابول حالياً، مع تقدم 5773 شخصاً بطلبات للانضمام إلى أقاربهم المعترف بهم بأنّهم متعاونون سابقون، فيما يملك 2493 شخصاً حق الحصول على حماية فرعية. وفي منتصف العام الماضي بلغ عدد طلبات لمّ الشمل 4838، وقدم 712 شخصاً طلبات لنيل حماية فرعية.