انتخابات البلديات الدنماركية.. قلق من ضعف مشاركة الأصول المهاجرة

16 نوفمبر 2021
تنخفض المشاركة بين المهاجرين من أصول غير غربية إلى نحو 42% (ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -

تعوّل الأحزاب واللوائح المحلية على الانتخابات البلدية التي انطلقت، صباح اليوم الثلاثاء، في الدنمارك، لقياس شعبيتها بين الناخبين بعد آخر انتخابات في العام 2019.  

وتتراوح القضايا المطروحة أمام المقترعين بين سياسات "التحوّل الأخضر"، وأخذ قضايا المناخ بالاعتبار، والمدارس، وتوفير المزيد من الممرضين والممرضات، وسياسات "دمج المهاجرين/اللاجئين" في سوق العمل.

وتجري الانتخابات في البلديات الثماني والتسعين ومحافظات البلاد الخمس (بحسب تقسيمات إدارية جديدة دمجت بين عشرات البلديات)، وتشمل الناخبين من أصول مهاجرة، أو من يُطلق عليهم اسم "الأقليات".

ويمنح النظام الانتخابي الدنماركي اللاجئ والمهاجر في سنّ 18 سنة حق المشاركة في التصويت للانتخابات المحلية، بعد 4 سنوات من حصوله على الإقامة الدائمة.

وتوفّر أصوات آلاف المقترعين من أصول مهاجرة في كبريات البلديات الدنماركية، وخصوصاً في محافظات كوبنهاغن وآرهوس (وسط غرب) وأودنسه (جنوب وسط)، فرصة لفوز الكتل الانتخابية من اليسار ويسار الوسط، التي تضمّ دنماركيين من أصول مهاجرة على لوائحها. 

وعملت كوبنهاغن لسنوات على مشاريع مجتمعية محلية، بما فيها "بروفات" تصويت في اقتراعات وهمية، وأخرى تتعلّق بالمدارس وروضات الأطفال، لتعزيز نسبة مشاركة المصنّفين كـ"منحدرين من أصول مهاجرة"، وخلق شروط إقبال أفضل بين هؤلاء الذين لم يظهروا اهتماماً في المشاركة الديمقراطية المحلية.  

وبالنسبة للباحث في شؤون الانتخابات المحلية، جون هاورغورد، فإنّ التركيز على تحفيز المواطنين من أصول مهاجرة على التصويت "أمر هام جداً لصحة الديمقراطية وتقرير السياسات المحلية المتعلّقة بمصالح مواطني البلديات والمحافظات".

ويشدّد هاورغورد، بحديثه لـ"العربي الجديد"، على أنّه رغم وجود مخاوف حول الإقبال على المشاركة اليوم، بسبب جائحة كورونا وتصويت أكثر من 10 بالمائة من المواطنين بورقة فارغة، إلا أنّ "مشكلة تصويت الأقليات تبقى أحد مشاغل السياسات المحلية في البلديات والمحافظات، حيث تنخفض المشاركة بين المهاجرين والأحفاد من أصول غير غربية إلى نحو 42 في المائة، مقابل 73 في المائة بين الدنماركيين والمهاجرين من أصول غربية". 

انتخابات بلدية- الدنمارك (ناصر السهلي/العربي الجديد)
(ناصر السهلي/العربي الجديد)

اختارت بعض الأحزاب واللوائح، منذ أواخر التسعينيات، وخصوصاً اليسار ويسار الوسط لاحقاً، ترشيح وجوه من أصول مهاجرة، لجذب تصويت كتل مهاجرة، وإن كان ذلك يعني "نوعا من التصويت على أساس عرقي، وحمل مخاطر فرز اجتماعي بين المدن والضواحي".

ويلاحظ أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة آرهوس، كاسبر هانسن، أنّ "الإقبال المنخفض على التصويت يتركّز في المناطق السكنية المحرومة، وبالأخصّ في التجمّعات السكنية التي يغلب عليها طابع الهجرة، مثل فولسموسه في أودنسه، ومناطق فالبي وسودهافن في كوبنهاغن، وفي ضواحي آرهوس إلى حدّ ما".

ويؤكّد هانسن، لـ"العربي الجديد"، أنّ متوسط مشاركة الأصول المهاجرة "يعكس أيضاً وجود مشكلة تتعلق بالانخراط المنخفض لهذه الفئة، في سوق العمل الدنماركي". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

أجرت الأحزاب والكتل حملات انتخابية محلية في عدد من الضواحي الدنماركية، لمنح المقترعين من أصول مهاجرة فرصة لطرح الأسئلة ولتحفيزهم على المشاركة.

وميّزت الحملات وجود مرشّحين من أصول عربية وصومالية وتركية في الانتخابات الحالية، وهو ما يعتبره سمير مزين وزوجته آمنة "مهما لخلق تحفيز وإعادة تفكير في أهمية التصويت المحلي. فالانتخابات البلدية تقرّر مصير وسياسات محليّة تتعلّق بنا بشكل مباشر".

ويتفق الزوجان بذلك مع السياسي اليساري المرشح في دورتين سابقتين، هانس يورغن فاد، باعتبار "أنّ المشاركة الكبرى هي إشارة ترسلها المجتمعات المحلية من أصول فلسطينية أو صومالية وغيرها، على أنها مهتمة بما يجري محلياً".

ويشعر يورغن فاد بحماسة لتوسّع شعبية حزبه "اللائحة الموحّدة" اليساري بين اللاجئين والمهاجرين في عموم الدنمارك، وهو ينشط في البيئات المهاجرة لكسب المزيد من المشاركين، "حيث يبدو أنّ حزبنا يتقدم في استطلاعات بلديات محافظة كوبنهاغن، وهذا أمر يحدث للمرة الأولى في العاصمة"، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد".

وهذا التقدم الذي يعول عليه اليسار يعني إمكانية الإطاحة بـ"الاجتماعي الديمقراطي" عن رئاسة بلدية العاصمة، كوبنهاغن، وفقاً للمختصّين بالانتخابات المحلية. 

ويعوّل اليسار ويسار الوسط في البلديات على أنّ مقترعين مثل سمير وآمنة يساهمون في توسيع مشاركة الأصول المهاجرة في النشاطات التي تهمّ يومياتهم في مختلف البلديات، وفي الوقت نفسه تجذبهم للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. 

اختيار الدنمارك منح المهاجرين حقّ التصويت في الانتخابات البلدية بعد 4 سنوات من الحصول على الإقامة الدائمة اعتمد على فلسفة "أن يكون هؤلاء جزءاً مشاركاً في العملية الديمقراطية، لكن المشاركة الضعيفة تؤشّر إلى وجود مشكلة يجب التعامل معها"، بحسب ما تؤكد أستاذة العلوم السياسية في جامعة آرهوس، كريستينا باكير سيمونسن، في تعقيبها على توقّعات نسبة مشاركة تلك المجموعة السكانية. 

وأكدت سيمونسن، في تصريحات للتلفزيون الدنماركي، صباح اليوم الثلاثاء، مع افتتاح مراكز التصويت (في الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً) أنّ الصعوبات في المشاركة تواجه "الذين حضروا في سن متأخرّة إلى البلد، فهم ليسوا مندمجين مع معايير أو فهم النظام السياسي والانتخابي، الذي يستطيع الأشخاص الذين نشأوا في الدنمارك فهمه بشكل أفضل".

ويذهب بعض المختصّين إلى شرح آخر، حول ضعف إقبال اللاجئين (بعد الحصول على الإقامة الدائمة) باعتباره يستند إلى افتقار هؤلاء القادمين من مناطق الشرق الأوسط إلى المشاركة الديمقراطية، واعتبارهم بالأخصّ أنّ تصويتهم لا يغيّر في الواقع.

ويركّز الكثيرون في حملات التوعية على حقوق المشاركة على المرشحين من أصول مهاجرة، كحالة الدنماركي من أصول فلسطينية-لبنانية ربيع الأحمد، في آرهوس (وهو مقرّر الشؤون الثقافية في بلدية آرهوس خلال 3 دورات انتخابية سابقة، ومرشّح اليوم على قوائم راديكال، يسار الوسط). وحثّ الأحمد مهاجرين ولاجئين في ضواحي آرهوس على المشاركة بالانتخابات.

وكثيرون ممّن استطلعهم "العربي الجديد" لم يدركوا أنّ لديهم الحق في التصويت، وبينهم سوريون مقيمون في البلاد منذ 5 سنوات، بصفة لاجئين دائمين، حيث اعتقد كثيرون أنّ التصويت محصور بحاملي الجنسية. 

في كلّ الأحوال، فإنّ ما يقلق كريستينا سيمونسن ليس ضعف مشاركة تلك الفئة في الانتخابات البلدية المحلية، بل في وجود "أحفاد مهاجرين، ولدوا وكبروا في الدنمارك، وتعلّموا مع أصدقائهم الدنماركيين، وهم رغم ذلك لا يشاركون في الانتخابات".

وتوقّعت سيمونسن أن يكون السبب خلف ذلك هو شعورهم بأنه "غير مرغوب فيهم في المجتمع. وهم لديهم نظرة سلبية حول فوائد وأهمية المشاركة بالانتخابات، كما أنّ بعضهم ينظر إلى الانتخابات البرلمانية على أنها أكثر أهمية".

المساهمون