تجرى الانتخابات البرلمانية الأردنية، في وقت تبدو فيه حظوظ النساء في تحقيق خروقات، باستثناء المقاعد التي تفرضها الكوتا، ضعيفة وسط مجتمع ذكوري
ما زال دور المرأة الأردنية هامشياً في مجلس النواب، وسط مجتمع ذكوري، وإن كان موقعها في الحياة السياسية قد شهد تحسناً خلال السنوات الاخيرة. وحصلت الأردنيات على الحق في الانتخاب والترشح عام 1974. لكن نتيجة تجميد الحياة البرلمانية، لم تتح لهن فرصة المشاركة الفعلية إلا عام 1984، وذلك في الانتخابات التكميلية لشغور عدد من المقاعد بسبب الوفاة، وكانت مشاركتهن آنذاك كناخبات لعدم ترشح أي امرأة لإشغال أي من المقاعد. وحصدت النساء خلال الفترة ما بين 1974 و2016، 65 مقعداً من أصل 780 مقعداً في مجلس النواب الأردني (الحادي عشر حتى الثامن عشر) وبنسبة بلغت 8.3 في المائة.
وساهم نظام الكوتا المعتمد في الأردن منذ عام 2001، في إيصال بعض النساء إلى البرلمان. لكنّ الثقافة الذكورية والعادات وانغماس المرأة في أدوار تقليدية، كلها عوامل ما زالت تخلق مسافة بين المرأة والشأن العام. وتشكل النساء في الأردن 52 في المائة من الناخبين. وفي الانتخابات الأخيرة عام 2016، تمكنت 5 نساء من الوصول إلى مجلس النواب بالتنافس، في وقت وصلت 15 أخريات عبر نظام الكوتا، ليصبح عدد النساء الكلي 20 امرأة في مجلس مكون من 130 عضواً.
وشهدت انتخابات مجلس النواب الأردني عام 1989، الانطلاقة الحقيقية لمشاركة النساء انتخاباً وترشيحاً. وترشحت 12 امرأة من دون أن تفز أي منهن في تلك الانتخابات، في وقت بلغ عدد المرشحات في الانتخابات النيابية لعام 1993 ثلاث مرشحات من أصل 534. وفازت إحداهن لتكون المرأة الأردنية الأولى التي تدخل البرلمان، وهي توجان فيصل.
وحول مشاركة المرأة في الانتخابات المقبلة، تقول الأمينة العامة لحزب "أردن أقوى"، النائبة السابقة في مجلس النواب والمرشحة للمجلس المقبل، رلى الفرا، لـ "العربي الجديد"، إن هذه الانتخابات تأتي هذا العام وسط ظروف سيئة جداً؛ فالناس يعانون اقتصادياً، ولديهم مطالب معيشية لا يمكن أن يلبيها إلا الأغنياء، وأي مرشح سياسي فرصته تتضاءل في مواجهة الفقر المدقع الذي يعاني منه المواطنون. فهم يريدون مساعدات". وتلفت إلى أن الوضع الاقتصادي البائس سيفرض نفسه على هذه الانتخابات.
كذلك، ترى أن "الوضع الاقتصادي يفرض نفسه على المرأة. وبشكل عام، فإن النساء المرشّحات لا يملكن المال، باستثناء قلة في قطاع الأعمال". وتوضح أن عالم المال والأعمال في بلادنا يسيطر عليه الرجال، ما يضع النساء في خانة عدم الأفضلية. وتقول إن الإغلاق الذي فرضه تفشي كورونا، والشروط التعجيزية التي وضعتها الحكومة والهيئة تجعل لقاء المواطنين أمراً صعباً. وعلى المرشح التنقل من بيت إلى بيت للقاء الناخبين. وعادة ما تكون الأعداد قليلة بسبب مساحات البيوت الضيقة والخوف من احتمال الإصابة بالفيروس والحرص على الالتزام بالقرارات الحكومية، ما يجعل العوائق مضاعفة أمام المرشحات.
وتقول الفرا إن المرأة في مجتمع مثل مجتمعنا تضطر إلى العمل مع مجموعات نسائية، والرجال مع رجال آخرين. وتلفت إلى أن "المواطنين يخشون كورونا. وعندما تحاول الوصول إليهم، فإن كثيرين يعتذرون خوفاً من المرض. في هذا الإطار، تجرى الانتخابات وسط أجواء من الهلع والخوف والفقر".
وترى أن تشكيل القوائم وفق قانون الانتخاب الحالي "يُصعّب على المرأة الوصول إلى البرلمان، إذ تُحاول غالبية القوائم ضم النساء الضعيفات إليها، حتى لا تكون المرأة منافساً حقيقياً داخل القائمة. وفي بعض القوائم، هناك من يشعرها بأنه يتصدق عليها بالأصوات"، مشيرة إلى أنه لا يوجد تعامل جدي مع المرأة داخل القائمة في الكثير من الأحيان. وبحسب الفرا، فإن عدد النساء المؤثرات في العمل السياسي اللواتي يفرضن أنفسهن على المشهد السياسي في البلاد قليل. وليس لدى عدد كبير من المرشحات أي خبرة سياسية. فخبرات البعض لا تتجاوز العمل الخيري أو تنحصر في كونهن ربات بيوت.
في المقابل، توضح الفرا أن هناك استثناءات؛ ففي بعض المناطق العشائرية، تم الإجماع على نساء من قبل العشائر لدعمهن، وخصوصاً في أربد وبعض المحافظات الأخرى. وهنا، من المحتمل وصول نساء إلى البرلمان من خلال التنافس وليس الكوتا. لكنها تقول إن المرأة في المدن الكبيرة مظلومة في عدد مقاعد الكوتا، فعمان والزرقاء يضمان نحو نصف عدد سكان المملكة، وهناك مقعدان فيها فقط في مقابل 13 مقعد في بقية الدوائر الانتخابية. تضيف أن الأفضلية في هذه المدن الكبيرة للمرأة ذات التوجه الإسلامي، إذ إن هناك تنظيماً حزبياً يدعم المرشحات، مشيرة إلى صعوبة مهمة المرأة المرشحة في المدينة من دون حاضنة عشائرية أو حزبية. وترى أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف خطأ والحلّ الأفضل هو التأجيل، ولا يمكن التنبؤ كيف ستجرى الانتخابات في ظل هذا الظرف الوبائي.
من جهتها، تقول النائبة السابقة والمرشحة للانتخابات المقبلة، عليا أبو هليل، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، إن تشكيل القوائم تتحكم به العشائرية والمناطقية، وقاعدة المرشح، من دون أن يكون هناك برنامج واحد على الأغلب، بل تجمعهم مصلحة واحدة واعتبارات أخرى. وتوضح: "عند تشكيل القوائم في كثير من الأحيان، ينظر الرجال في الكتلة إلى انضمام المرأة إلى القائمة كتعبئة فراغ"، داعية إلى النظر إلى قدرات المرأة، ودورها في إقناع الناس بمشروعها وأفكارها، للحصول على أصواتهم من خلال البرامج وما قدمته سابقاً.
وترى أبو هليل أن الكوتا فكرة جيدة، وتمييز إيجابي تجاه المرأة؛ فالمرأة تستطيع الوصول إلى مقاعد مجلس النواب بشكل مباشر عبر التنافس، أو عبر الكوتا، مشيرة إلى أن المرأة استطاعت في الانتخابات السابقة الفوز بخمسة مقاعد عبر التنافس.
كذلك، تلفت إلى أن المجتمع الأردني مجتمع ذكوري، وهذا يفرض تحديات وصعوبات مضاعفة على المرأة في العملية الانتخابية.
في الإطار نفسه، تعزو أبو هليل عدم وصول النساء إلى البرلمان إلى المعوقات الشخصية، منها عدم القدرة المادّية، موضحة أن النساء لا يملكن الأموال الكافية كما الرجال للإنفاق على الحملات الانتخابية، وما يرافقها من مصاريف. وتقول إن العامل الأساسي في تعظيم دور المرأة هو التمكين الاقتصادي، الذي ينعكس على كافة مجالات ونشاطات النساء. المرأة التي تعاني من الفقر والعوز مقيدة ولا تستطيع الانخراط بالشأن العام. تضيف أن الثقافة الذكورية تعد أيضاً إحدى أهم معوقات المجتمع، إذ إن المجتمع الذي تغلب عليه العشائرية يقدّم المرشح الذكر على المرشحة المرأة.
وتشير إلى أن أكبر المشاكل التي تواجه المرأة المرشحة هو توفر المال، فغالبية النساء لا يملكن المال الكافي للحملة الانتخابية. وفي العادة، لا تستخدم النساء المال الأسود للوصول إلى مجلس النواب. وتحاول المرشحة إقناع الناس بذاتها، وهناك الكثير من الصعوبات في المجتمعات الذكورية. وتستدرك قائلة: "هناك فئة متعلمة من المواطنين تدعم المرأة، وتنظر إلى ما قدمته في المجلس الماضي والمجالس السابقة باحترام، خصوصاً أن بعض النساء أثبتن جدارتهن"، معتبرة أن "القانون الحالي لا يلبي الطموحات، فالكتل والقوائم الحالية لا تخدم المرشحات".
وقال تحالف "عين على النساء" لمراقبة الانتخابات من منظور النوع الاجتماعي، إنّ عدد المرشحات لمجلس النواب التاسع عشر بلغ 368 امرأة وبنسبة بلغت 21.4 في المائة من مجموع المرشحين، وبارتفاع ملحوظ عن عدد المرشحات لمجلس النواب الثامن عشر بلغت نسبته 46 في المائة. أضاف التحالف أنّ 4 قوائم ضمت مرشحات نساء فقط وهي قائمة "تستحق" في دائرة عمّان الثالثة، وقائمة "نشميات حوران" في دائرة إربد الثانية، وقائمة "النشميات" في عجلون، وقائمة "الأصايل"في البادية الوسطى. وسجلت 3 قوائم أغلبية أعضائها من النساء (كلّ قائمة تضم رجل واحد)، وهي قائمة "المستقبل" في دائرة عمّان الرابعة، وقائمة "الوطني الأردني" في دائرة الزرقاء الأولى، وقائمة "العقبة" في العقبة. فيما جرى تسجيل 8 قوائم انتخابية خلت من النساء المرشحات، من أصل 294 قائمة.