أدى الكشف عن جريمة اغتصاب وقتل شابة بولندية في جزيرة يونانية إلى اندلاع موجة من المواقف المتشددة حيال اللاجئين والمهاجرين في اليونان وأوروبا، بحسب تقارير صحافية.
ووفقاً للصحافة اليونانية، فإن الشابة أنستازيا روبنسكا (27 عاماً) كانت قد قدمت مع خطيبها إلى جزيرة كوس اليونانية للعمل في أحد الفنادق والإقامة فيها، إلى أن اختفت نهاية الأسبوع ما قبل الماضي من إحدى حانات الجزيرة السياحية. وخلال ساعات من يوم 20 يونيو/ حزيران الجاري، تحول الاختفاء إلى قضية رأي عام. وقادت التحقيقات الشرطة إلى لاجئ ثلاثيني من بنغلادش يدعى صلاح الدين.س، كان موجوداً في الحانة وأقلّ الشابة على دراجته النارية كما أظهرت كاميرات المراقبة. وكان على وشك المغادرة إلى إيطاليا بعدما حوّل إليه مبلغ مالي من بلاده، قبل اعتقاله.
بداية، نفى صلاح الدين أية علاقة له بأنستازيا، لكنه سرعان ما اعترف أنه قادها إلى الشقة التي يعيش فيها مع مهاجرين آخرين، قائلاً إنها رافقته طوعاً. وتسبب توقيفه بموجة من المواقف المتشددة حيال اللاجئين والمهاجرين على الصعيدين الشعبي والرسمي، سواء في اليونان أو بولندا بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى.
وتزايد الغضب الشعبي في أعقاب عدد من الأحكام التي أدانت الأسبوع الماضي رجلين من باكستان باغتصاب شابة بريطانية (22 عاماً) في جزيرة كريت اليونانية، وقد حكم عليهما بالسجن مدى الحياة بحسب وسائل إعلامية يونانية.
كما شهد شاطئ مدينة بيرايوس الساحلية محاولة 4 شبان من مصر الاعتداء على شابة يونانية في الـ 17 من عمرها، أنقذها شاب يوناني. واعتقل المعتدون المفترضون بتهمة محاولة الاغتصاب. وفي ثيسالونيكي، هاجم شابان باكستانيان زوجين كوبيين، وتناوبا على اغتصاب الزوجة بعدما ضربا زوجها بقوة على رأسه، وحكم عليهما بالسجن مدى الحياة.
وجرى الكشف عن وحشية قتل أنستازيا روبنسكا، التي منعت الشرطة والدتها وأخيها اللذين حضرا من بولندا، من التعرف على الجثة إلا من خلال خاتم خطوبتها، بسبب "فظاعة تشويه جثتها لإخفائها"، كما صدر عن الشرطة اليونانية. هذه الجريمة أثرت على التعاطف الشعبي بعد غرق مركب للمهاجرين مؤخراً كان يضم المئات.
إنكار صلاح الدين لجريمته سرعان ما تحوّل إلى اعتراف واعتذار أمس الثلاثاء بعدما واجهته الشرطة بحقائق حول قتل الشابة. وبعد مصادرة هاتفه والاطلاع على محتوياته التي حاول محوها، وبيعه هاتف القتيلة البولندية إلى شخص عثرت عليه الشرطة، كشف أنه كان يبحث عن "كيفية إزالة بصمات الأصابع من على الجثة ومنع التعرف عليها". ودلت بيانات الهاتفين على وجودهما في الشقة، ثم انتقالهما إلى منطقة مستنقعات حيث عثر على جثتها وفقاً لوسائل إعلام يونانية وأخرى بولندية.
غضب الرأي العام من بشاعة الاعتداء والقتل دفع محامي صلاح الدين إلى الاستقالة، قائلاً إنه يفكر "بعائلة أنستازيا والمجتمع اليوناني بأكمله، ولا أريد الدفاع عن رجل مثله".
تراكم الأحداث والاتهامات التي طاولت طالبي لجوء في اليونان لارتكابهم اعتداءات جنسية وغيرها من التصرفات في عدد من الدول الأوروبية، أثارت جدلاً كبيراً خلال الساعات الماضية، ووضع المهاجرين في خانة واحدة.
وشن اليمين المتشدد المعارض للمهاجرين واستقبال الدول الأوروبية للاجئين، بالإضافة إلى صحافيين وباحثين، حملة ضد هؤلاء. وكان باحثون سويديون قد نشروا دراسة في مجلة "Forensic Sciences Research" عام 2021، عن الرجال الذين أدينوا بالاغتصاب في السويد ما بين 2008 و2018، أفادت بأن الجرائم الجنسية الخطيرة زادت بنسبة 45 في المائة. بعد فحص 3 آلاف و39 من الجناة، وجدوا أن 47 في المائة منهم ولدوا في الخارج، بينما 11 في المائة ولدوا في السويد من والدين مهاجرين، ما يعني أن النسبة تصل إلى 60 في المائة.
وأدى نشر الدراسة إلى احتجاجات من اليسار، وقدمت شكاوى بحق أحد مؤلفيها الرئيسين الأستاذة الجامعية كريستينا سوندكفيست، بسبب "انتهاك المبادئ التوجيهية الأخلاقية". لكن أخيراً، وتزامناً مع جريمة اليونان، برأت الشرطة سوندكفيست من جميع التهم، بحسب صحيفة "سودسفنسكا داغبلاديت". قرار أدى إلى انتشار نتائج الدراسة مع تحليلات حول توجه الأوروبيين أكثر نحو اليمين المتشدد، كما حصل مؤخراً مع اكتساح حزب "البديل لأجل ألمانيا" انتخابات محلية في ولاية تورينغن.
وبدأ اليمين المتشدد استغلال مقتل الشابة البولندية لتبرير مواقف سياسيين أوروبيين، ومنهم هولنديون وإسكندنافيون وألمان، وحصد المزيد من الشعبية في شوارع القارة الأوروبية، والضغط على الطبقة السياسية من أجل مزيد من التشدد.
وحتى في موطن أنستازيا، ترتفع أصوات الأحزاب البولندية المتشددة الساعية إلى اكتساح الانتخابات المقبلة. رئيس الحكومة اليميني ماتيوز موراويكي طالب بتسليم اليونان الجاني صلاح الدين "لينال العقوبة الأكثر صرامة"، بالإضافة إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بإعدامه. وقال 68 في المائة من المستطلعة آراؤهم عبر موقع "سوبر إكسبرس" الإعلامي إنهم يرغبون بإعدام الرجل، على الرغم من أن عقوبة الإعدام ألغيت في بولندا واليونان.
هذا المزاج السيئ حيال المهاجرين واللاجئين ليس محصوراً في اليونان وبولندا وألمانيا، بل يتوسع بحسب موقع "بوليتيكو"، الذي نشر تحليلات حول أسباب تقدم معسكر اليمين الأوروبي، وقدرة رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني على فرض صوتها على دول الاتحاد الأوروبي، وتراجع ألمانيا عن معارضة تبني سياسات هجرة ولجوء متشددة.