أصدرت وزارة داخلية النظام السوري تعميماً ينص على رفع رسوم الحصول على "جواز السفر المستعجل" من 100 ألف إلى 300 ألف ليرة سورية بذريعة أن من سيدفع تلك التكلفة الزائدة من المواطنين سيستفيد عدم تضييع وقته في طوابير الانتظار.
حسب أسعار الصرف في البلاد، تعادل 300 ألف ليرة قرابة 80 دولاراً أميركياً، ويعد هذا الرقم أعلى من راتب غالبية الموظفين الحكوميين، وهو أيضاً ضعف راتب عدد كبير من الموظفين العاديين، إذ لا تتجاوز قيمة الرواتب السائدة في سورية 25 دولاراً شهرياً.
ويمكن ملاحظة طوابير المراجعين يومياً أمام مراكز إصدار الجوازات في مختلف محافظات مناطق سيطرة النظام.
وجاء في تعميم وزارة الداخلية أن "رفع الرسوم يأتي ضمن الحرص على تلبية رغبات الأخوة المواطنين في الحصول على جواز السفر في اليوم ذاته الذي يتم فيه تقديم الأوراق"، وأشار إلى أن من يدفع الرسوم الجديدة لن يطلب منه التسجيل للحصول على موعد في المنصة الإلكترونية الخاصة بطلبات جوازات السفر، مشدداً على أنه سيجري تسليم الجواز لصاحب العلاقة شخصياً.
يقول السوري محمد عمران، من ريف حماة لـ"العربي الجديد": "كانت كلفة جواز السفر في مناطق النظام قبل القرار الجديد 100 ألف ليرة للمستعجل، وقرابة 12 ألف ليرة للجواز العادي، لكن ذلك لم يكن يشمل كلفة السماسرة، والحجز على الموقع الإلكتروني، والتي تصل أحياناً إلى 3 ملايين ليرة (ما يعادل 800 دولار أميركي)، وفي حال تم تطبيق القرار الذي يضمن استخراج جواز السفر من دون تدخل المعقبين والسماسرة، فستكون كلفة استخراجه أقل بكثير من السابق".
على صفحة وزارة الداخلية على "فيسبوك"، تباينت آراء المعلقين، فكتب بعضهم أن الوزارة قررت جني الأموال من المواطنين بدلاً من تركها للسماسرة، في حين كتب آخرون أن دفع 300 ألف ليرة للدولة أفضل من دفع 3 ملايين ليرة لسمسار من أجل الحصول على موعد لإصدار جواز السفر، قبل الشروع في إجراء معاملة الجواز الذي تبلغ تكلفته الرسمية 3 دولارات فقط.
أبو خالد هو معقب معاملات يتعامل مع دوائر النظام، وطلب عدم ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، ويقول إن أي قرار يصدره النظام لإجراء المعاملات بشكل مستعجل دون مواعيد مسبقة هو "فرصة للموظفين الفاسدين للحصول على الرشوة. الموظف الفاسد يتلقى الرشوة دائماً، حتى لو كان ينهي أوراق الشخص بطريقة نظامية، وذلك عبر التذرع بأن الأوراق ناقصة كي يحصل منه على المال".
يضيف أبو خالد لـ"العربي الجديد"، أن "إصدار جواز السفر بمبلغ 300 ألف ليرة من دون انتظار دور في المنصة الإلكترونية سيؤدي إلى تدافع المراجعين على مراكز الهجرة والجوازات، وبالتالي تطول ساعات الانتظار أكثر من السابق، ما يجعل البعض يفضلون دفع الرشوة من أجل الحصول على الجواز سريعاً".
ويمثل استخراج جوازات السفر أزمة لجميع السوريين، سواء كانوا في الداخل، أو من المقيمين في الخارج، وتبلغ تكلفة إصدار جواز السفر من الخارج قرابة ألف دولار، والرقم يشمل الرسوم، وحجز دور عن طريق سماسرة متعاملين مع مسؤولين في إدارة الهجرة والجوازات التابعة للنظام.
وفي وقت سابق، رفع النظام تكلفة الحصول على جواز السفر المستعجل إلى 100 ألف ليرة، وكانت تلك التكلفة في ذلك الوقت تعادل 20 دولاراً تقريباً، بعد أن كان سعره 31 ألفاً، أي ما يعادل قرابة 7 دولارات، بينما ما زالت رسوم استخراج الجواز البطيء 13 ألفاً، وهو ما يعادل نحو ثلاثة دولارات فقط.
ويطلب من المواطن السوري المقيم في مناطق سيطرة النظام عند طلب تجديد جواز سفره، أو الحصول على جواز سفر جديد، الرسوم ذاتها، مع ضرورة حيازة العديد من الوثائق الرسمية، ومنها بطاقة الهوية الشخصية، أو قيد صادر عن السجل المدني يحمل صورة الشخص ممهوراً بخاتم مختار المحلة، وصورتان شخصيتان بخلفية بيضاء، وموافقة الجهة الوظيفية للموظفين، أو تصريح "غير موظف"، وموافقة شعبة التجنيد لمن تتراوح أعمارهم بين 17 إلى 50 سنة لغير المعفيين من الخدمة، إضافة إلى بدل تأمين العودة البالغ 2000 ليرة، وطوابع الاستمارة بقيمة 200 ليرة، وموافقة الولي للقصر وناقصي الأهلية.
من جهته، يقول معقب المعاملات في مدينة حمص، يحيى، والذي فضل عدم الكشف عن كنيته، إن إصدار موافقة شعبة التجنيد يكون لمن أنهوا الخدمة الإلزامية، النظامي أو الاحتياطي، أو لمن حصلوا على إعفاء من التجنيد، إضافة إلى أن المؤجلين دراسياً يمكنهم الحصول على موافقة الشعبة. وأكد لـ"العربي الجديد"، أن موظف الشعبة يتلقى الرشوة، وأنه من يدفع لهم عند إصدار الموافقة، مضيفاً أن إصدار الموافقة لا يأخذ وقتاً، لكن وقت إصدارها يحدده الموظف المدعوم من قبل ضباط أمن النظام.
ويطلب النظام الأوراق والرسوم ذاتها في حال طلب المواطن تبديل جواز السفر، أو طلب بدل ضائع، أو بدل تالف، مع إضافة غرامة على فقدان الجواز أو تلفه، وفي هذه الحالة أيضاً يخضع المراجع لابتزاز الموظف الذي يطلب المال من المواطن لعدم إدخاله في تحقيق، لأن إثبات أي من الفرضيات قد يعرضه للملاحقة الجنائية. وأوقف النظام إصدار جوازات السفر في بداية النصف الثاني من العام الماضي، في الداخل والخارج، بحجة عدم توفر "دفاتر"، واستأنف إصدارها لاحقاً.