النزوح يزيد أزمة السكن في ليبيا

10 سبتمبر 2021
مشروع عمراني متوقف في طرابلس (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تعاني العاصمة طرابلس ومدن أخرى في ليبيا، بينها بنغازي ومصراتة والزاوية، من كثافة كبيرة في عدد السكان بتأثير موجات النزوح التي شهدتها البلاد خلال الحروب المتتالية. ورفع ذلك قيمة إيجارات البيوت، وخلق أزمة سكن حقيقية لم تنجح السلطات في وضع تصورات للتغلب عليها.

وقد طاولت حروب المتنافسين على السلطة التي استمرت عشر سنوات غالبية مناطق البلاد، خصوصاً تلك الجنوبية التي غادرتها نسبة كبيرة من السكان، ليس بسبب العمليات العسكرية فقط، بل بسبب فقدانها مقومات الحياة وسط أزمات انقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار وافتقاد الوقود والأمن. ورغم أن الجبهات هدأت، وانتقل التنافس بين المتصارعين إلى ساحات السياسة، لا يزال عدد من نازحي مناطق الجنوب يقيم في بيوت بالإيجار في أحياء تقع جنوب شرقي طرابلس. وقد تحولت هذه البيوت إلى تجمعات تضمّ سكاناً من مناطق محددة.

أم أمينة، وهي أرملة منذ عام 2013 لديها ثلاثة أطفال وتسكن في حيّ بالخير وسط العاصمة طرابلس، لم تستطع مواصلة العيش في بيت استأجرته قبل 7 سنوات، لأن صاحبه رفع قيمة الإيجار مرات بحجة التجاوب مع موجة ارتفاع أسعار العقارات المرتبطة بلجوء نازحين الى المدن الكبرى. وهكذا، انتقلت أم أمينة مع أطفالها الثلاثة إلى منطقة القربولي شرقيّ طرابلس، ومكثت في بيت صغير يتناسب مع دخلها الشهري. تقول لـ"العربي الجديد": "لم أحصل على إعانات من متبرعين أو جمعيات خيرية تساعدني في مواجهة ارتفاع إيجار البيت الذي أقمت فيه، ثم لم أستطع مواصلة مواجهة ارتفاع الأسعار".

ويتجاوز عدد سكان ليبيا الستة ملايين، فيما توضح الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "الليبيين يتركزون في المدن الكبرى، إذ يقطن في طرابلس حوالى مليونين ونصف مليون، وبنغازي حوالى مليون، ويتوزع آخرون بين مدينتي مصراتة والزاوية، وعدد أقل على مناطق أخرى".

وتؤكد الشيخ أن ليبيا تعاني من أزمة سكن منذ عقود، تفاقمت في شكل كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب الحروب وموجهات النزوح التي نتجت منها. وفي خلفيات الأزمة، أوضحت الشيخ أن مشاريع التنمية الخاصة بإنشاء وحدات سكنية توقفت منذ سبعينيات القرن العشرين، قبل أن تستأنف في منتصف العقد الماضي عبر إطلاق مشاريع تضمنت بناء آلاف الوحدات السكنية، خصوصاً في المدن الكبرى، لكن أي منها لم ينجز.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتذكّر بمهاجمة أهالي بعض المشاريع السكنية غير المكتملة خلال ثورة فبراير/ شباط 2011. وتقول: "بمجرد أن شعر الناس بضعف النظام، اقتحموا هذه المشاريع، ونقلوا أغراضهم إليها للسكن فيها، رغم أن أعمال بنائها لم تكن قد اكتملت. ويدل ذلك على أن البلاد عانت من أزمة سكن منذ عقود". وتحذر الشيخ من مخاطر تأزم ملف السكن، "ففوضى الحرب والتشتّت أعطت السلطات ذريعة لغضّ النظر عن الأزمة، لكن انتهاء الحرب واتجاهها إلى استقرار نسبي سيفجر القضية قريباً".

النزوح فاقم أزمة السكن في البلاد (محمود تركية/ فرانس برس)
النزوح فاقم أزمة السكن في البلاد (محمود تركية/ فرانس برس)

وفي يوليو/ تموز الماضي، التقى وزير الشباب فتح الله الزني رجال أعمال من دول عدة لبحث إمكان تجنب أزمة السكن، وذلك بالتزامن مع درس وزارته آليات لتنفيذ نماذج سكنية اقتصادية للشباب، بينها إنشاء مدينة رقمية ذكية لهم بهدف تخفيف أزمة السكن الخانقة. 
من جهته، يسخر المسؤول في الجهاز الحكومي لتنفيذ مشاريع الإسكان ربيع الهوني، في حديثه لـ "العربي الجديد" من هذه المشاريع، ويصفها بأنها "شطحات تفكير، خصوصاً أن الحديث عن المدن الذكية لا يزال في مرحلة بعيدة عن واقع ليبيا الذي يتطلب حلولاً عاجلة لأزمة السكن". يضيف أن آلاف النازحين لم يستطيعوا العودة إلى مساكنهم المتضررة من الحرب جنوبي طرابلس، وهناك أيضاً مئات من الأسر المهجرة من مدنها قسراً قد يفترش أفرادها الأرض ويتغطون بالسماء إذا استمرت أزمة سكنهم". ورغم إطلاق رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة مبادرة لإنشاء صندوق لدعم الزواج مع تخصيص أكثر من مليار دينار ليبي (220 مليون دولار)، لم تظهر القرارات التالية للحكومة جدّية في معالجة أزمة سكن الشباب المتزوجين الجدد.

ودشن الدبيبة أخيراً التطبيق الإلكتروني للتقدم لنيل منحة دعم ‏الزواج، من دون أن يوضح كيفية توفير سكن للأسر الجديدة. وأفادت وزارة الشباب بأن الزني التقى مدير مصرف الادخار لمناقشة سبل منح الشباب قروضاً لبناء مساكن جديدة، فيما لم تتحدث عن بدء المشاريع. ويحذر الهوني من النتائج العكسية لتقديم قروض زواج من دون حل أزمة السكن، "ما يعني أننا أمام موجة جديدة لارتفاع الإيجارات، لذا نطالب الحكومة بإطلاق البرامج الخاص بالتنمية المكانية، علماً أن البحث في جذور الأزمة يؤكد أن من ترك منزله ونزح بسبب الحرب وجد في أخرى إمكانات للعيش، لذا سيشجعهم توفير الظروف المعيشية في المناطق البعيدة على العودة الى مناطقهم. ومن الضروري استكمال المشاريع السكنية المتوقفة منذ عشر سنوات".

المساهمون