ليس توقيت مغادرة القوات الأميركية وتلك التابعة لـ "الناتو" مناسباً للوضع في أفغانستان حيث يتقدم مقاتلو حركة طالبان. وربما يمثل ذلك جريمة في حق السكان على غرار المرحّلين من ألمانيا المهددين بالموت.
تثير عمليات ترحيل ألمانيا اللاجئين الأفغان الذين رُفضت طلبات لجوئهم، جدلاً في البلاد مع تدهور الوضع الأمني، نتيجة استعادة حركة "طالبان" السيطرة تدريجياً على الأقاليم والمدن إثر حزم جنود قوات الحلف الأطلسي (ناتو) أمتعتهم ومغادرتهم البلد الواقع جنوب آسيا بعد أكثر من 20 عاماً على انتشار هذه القوات هناك. ودفع ذلك منظمات حقوقية وعدداً من الأحزاب في ألمانيا إلى رفع الصوت لوقف عمليات الترحيل إلى أفغانستان، خصوصاً بعدما صرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن عمليات الترحيل المقررة مبررة رغم تصاعد العنف في أفغانستان، وذلك إثر مغادرة طائرة على متنها 27 أفغانياً إلى كابول الأربعاء الماضي، والتي نفذت الرحلة رقم 40 لنقل مرحّلين أفغان منذ عام 2016، ما رفع عدد العائدين إلى 1104.
في ظل واقع سيطرة حركة "طالبان" حالياً على أكثر من نصف مساحة أفغانستان، وتنفيذها عمليات عسكرية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى مدنيين وخطف بعضهم، وإجبارها تحت التهديد عسكريين أفغانيين على الهرب من الخدمة تجنباً لبطشها، إضافة إلى إقناعها مئات من المسؤولين الحكوميين بالخضوع لها، رفعت "منظمة العفو الدولية" الصوت ضد تزايد الهجمات وجرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان حتى ضد الأطفال، ودعت إلى "وقف عمليات الترحيل بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة في البلاد، وتدهور أوضاع حقوق الإنسان فيها".
واعتبرت "منظمة العفو الدولية" أن عمليات الترحيل "تتعارض مع القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان"، مع انتقادها الوضع السيئ للأشخاص الذين لا يتمتعون بحماية، وتركهم يعيشون في حال مستمرة من عدم اليقين، علماً أن منظمات حقوق الإنسان تعتبر أن الأفغان المرحلّين من أوروبا مهددون بمواجهة خطر كبير لأن حركة "طالبان" تصنفهم بأنهم "غربيون"، وبالتالي غرباء عن المجتمع الأفغاني حسب معتقداتهم المتشددة.
وذكرت صحيفة "دي تسايت" أن الحكومة الأفغانية طالبت الدول الأوروبية بتعليق عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين في أوروبا إلى بلدهم الأم، لمدة ثلاثة أشهر، بسبب تزايد عنف طالبان وتفشي وباء كورونا. يعلّق السياسي في حزب الخضر، ميخائيل غفودز، على هذا الأمر في حديث أدلى به لصحيفة "تاغس تسايتونغ" أخيراً، بأن "الوضع في أفغانستان مقلق بعد انسحاب قوات "الناتو". ومن الضروري أن تعيد وزارتا الخارجية والداخلية النظر في تقييمهما الوضع الأمني السائد في أفغانستان، كي لا يواجه المرحلّون ظروفاً تهدد حياتهم. أما المتحدثة باسم كتلة اليسار في البرلمان الألماني (بوندستاغ) كارولا انسلن فترفض "إبعاد أي شخص إلى بلد يشهد ظروف حرب وبؤس، في حين أن أفغانستان إحدى أكثر الدول انعداماً للأمان في العالم". وتحذر من حصول المزيد من الإرهاب والعنف، بعدما شنت "طالبان" سلسلة هجمات دموية أخيراً، واستعادت السيطرة على مناطق عدة مع انسحاب قوات "الناتو"، مبدية اعتقادها بأن ترحيل هؤلاء الأشخاص "يجعلهم يعاقبون مرتين". وأفادت إذاعة وتلفزيون ولاية بافاريا (بايريشه روندفونك) أخيراً بأن 281,214 أفغانياً مسجلون في السجل المركزي لدولة ألمانيا، بينهم 4036 يعيشون في بافاريا. ويملك غالبيتهم وضع الحماية، ولكن طُلب من 30,361 منهم المغادرة.
ونقلت "بايريشه روندفونك" عن مارليس ستوبنراوخ التي تعمل منذ خمس سنوات مساعدة للاجئين في مدينة كيمتن التابعة لولاية بافاريا، قولها إن "أفغاناً كثيرين سافروا إلى فرنسا خلال الأشهر الأخيرة، على أمل وجود آفاق أفضل هناك، في حين توارى بعض المسجلين عن الأنظار في أماكن غير معروفة، وباتوا لا ينامون في مقر إقاماتهم خشية ترحيلهم. في المقابل، تؤكد وزارات الداخلية في الولايات الألمانية ومكاتب اللجوء والعودة أن القانون الصادر عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يلزمها تنفيذ عمليات الترحيل. وتنقل "بايريشه روندفونك" عن وزارة داخلية ولاية بافاريا أنه من المهم الالتزام بممارسة العودة المنظمة من أجل تنفيذ قانون اللجوء الحالي، وتأكيد القدرة على التصرف لأنها الطريقة الوحيدة للحفاظ على قبول نظام اللجوء".
والأسبوع الماضي، تظاهر حوالي 100 شخص في مدينة هانوفر، وعشرات في مدينة هامبورغ احتجاجاً على ترحيل اللاجئين الأفغان. كما شهدت مدينة سيلي التابعة لولاية سكسونيا السفلى احتجاجات مماثلة، بعد ترحيل 27 أفغانياً من عدة مدن بينها سيلي نفسها ولير وأوسنابروك. ويقول مجلس اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى على موقعه، إنه دعا حكومة الولاية مجدداً إلى الإفادة من الخيار القانوني المتمثل في إصدار حظر لمدة ثلاثة أشهر على الترحيل على مستوى الولاية. وطالب وزارة الخارجية بوضع تقرير جديد عن الوضع في أفغانستان، "إذ من غير المفهوم كيف لا يمكن إقناع وزير الداخلية الاتحادي ونظيره التابع للولاية بوقف تنفيذ عمليات الترحيل موقتاً، وإجراء تقييم جديد للوضع، رغم إعلان وفاة أفغاني جرى ترحليه من هامبورغ أخيراً الى بلد يعتبر أكثر دولة انعداماً للأمان في العالم، وفقاً لمؤشر السلام العالمي".
إلى ذلك، أبلغ مسؤولون في مجلس اللاجئين شبكة "ايه ار دي" الإخبارية أن "دراسة أعدتها الخبيرة في الشأن الأفغاني فريديريكه شتالمان، ونشرت مطلع يونيو/ حزيران الماضي حول الوضع الخطير للمبعدين الأفغان، تظهر نتائج مختلفة تماماً عن تلك التي تذكرها دوائر الخارجية الألمانية، والتي تنفي فيها علمها بأية حالات عن تعرض العائدين لأعمال عنف بسبب إقامتهم في أوروبا".
وتوضح دراسة شتالمان أن "الأفغان المرحلين من ألمانيا معرضون لخطر الاضطهاد المتجدد الذي تنفذه طالبان، وهم متهمون بالخيانة والتغرّب والسلوك غير الأخلاقي والابتعاد عن الإسلام بسبب هروبهم الى أوروبا". ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المتحدث باسم وزارة اللاجئين في كابول قوله إنه "طلب مرات، بسبب الوضع الأمني وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الفقر ووباء كورونا، تعليق الدول المرحّلة للاجئين الأفغان المرفوضين عمليات نقلهم إلى بلدهم الأم. لكن هذه الدول تطبق قواعدها الخاصة، وستواصل الترحيل على أساسها".
يرى الكاتب الصحافي في القناة الثانية بتلفزيون "زد دي اف" الألماني بيتر كونز أن بلاده "يجب أن تفكر ملياً في الأفغان الذين تريد تسليمهم إلى الإسلاميين"، علماً أن اتفاق حقوق الإنسان ينطبق أيضاً عليها، وهو يعارض ترحيل أي شخص إلى مناطق الحروب إذا كان هناك خطر على حياته، ويؤكد عدم إمكان سقوط حق اللجوء إلا إذا ارتكب اللاجئ جرائم جنائية خطرة. ويوضح أنه "لم يتم تحديد هويات جميع الأفغان الذين جرى ترحليهم من هانوفر أخيراً، ودرجة العلاقة بين رفض اللجوء وخطورة الجريمة وصحتها. من هنا إذا كانت عمليات الترحيل السابقة الى أفغانستان بُررت بوجود مناطق هادئة ومناسبة لاستقبال المرحّلين، فالأمر تغيّر حالياً لأن الوضع يختلف كل ساعة، ويجب سجن مرتكبي الجرائم الأفغان بدلاً من إرسالهم الى الموت المحتم بضمير مرتاح، علماً أن ألمانيا ألغت عقوبة الإعدام من منطلق أنها دولة حضارية".
وفيما جرى نقل الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الألماني خلال مهمته السابقة في البلاد ضمن قوات "الناتو"، بحجة تهديد "طالبان" حياتهم، أسف كونز "للعقبات البيروقراطية واللوجستية التي تتعلق بمساعدتهم في الحصول على تأشيرات سفر إلى ألمانيا، خصوصاً بعدما زاد الخطر على حياتهم مع سقوط الدولة الأفغانية تدريجياً في أيدي طالبان، وكون الثأر جزءا من أفغانستان".
يذكر أنه جرى إصدار نحو 2000 تأشيرة دخول للأفغان الباحثين عن الحماية بعد سنوات من مساعدتهم القوات الألمانية، لكن لم تتوفر طائرة لنقلهم، رغم أن طائرات هذا الجيش سبق أن نقلت، في شكل عاجل، مصطافين ألمانيين من الخارج، بعدما اجتاح كورونا العالم. من هنا طرح كونز السؤال: "هل يستحيل إنشاء جسر جوي ينقل حوالي ألفي شخص معرضين لخطر الموت. وكيف نستطيع نقل من نريد ترحيلهم، ويصعب جلب أولئك الذين ساعدوا الجيش الألماني؟".