الموصل: مستشفى مرضى الثلاسيميا بارقة أمل

الموصل: مستشفى مرضى الثلاسيميا بارقة أمل

13 مارس 2024
مستشفى "الحدباء" ركيزة علاج مرضى الثلاسيميا (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

شكل افتتاح مستشفى تخصصي لزراعة نخاع العظم وعلاج أمراض الدم في مدينة الموصل بمحافظة نينوى شمال العراق نقطة تحوّل في حياة مئات من المصابين بمرض الثلاسيميا (اضطراب الدم الوراثي)، بعدما أحيا الآمال بعلاجهم، وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سنوات.

في مايو/ أيار 2023، افتتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مستشفى "الحدباء" التخصصي لأمراض الدم وزراعة نخاع العظم في الموصل، وهو أول مستشفى تخصصي من نوعه في العراق، في حين افتتح مركز مماثل في مدينة السليمانية بإقليم كردستان. ويضم مستشفى "الحدباء" 81 سريراً، ويستقبل مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا واللوكيميا، ويجري عمليات لزراعة نخاع العظم.
ومرض الثلاسيميا اضطراب وراثي في خلايا الدم، يوصف بانخفاض مستوى "الهيموغلوبين" بسبب تغيّرات جينية في الحمض النووي للخلايا المكوّنة له. وتنتقل هذه الطفرة وراثياً من الآباء إلى الأبناء، وتتسبب في تعطيل إنتاج "الهيموغلوبين" الطبيعي فيؤدي انخفاض مستوياته وارتفاع معدل تلف خلايا الدم الحمراء إلى ظهور أعراض فقر الدم الشديد.
ومن أعراض مرض الثلاسيميا الإحساس بالتعب والضعف العام وضيق التنفس والشحوب في البشرة واصفرار الجلد والتشوّهات في عظام الوجه وبطء النمو وانتفاخ البطن وتضخم الكبد، وعدم سلامة عمل القلب. ويُعالج مرض الثلاسيميا عبر إجراء عمليات متكررة لنقل الدم، ربما كل بضعة أسابيع، لكن هذا الأمر يؤدي مع مرور الوقت إلى تراكم الحديد في الدم، ما يمكن أن يلحق ضرراً بالقلب والكبد، كما يُعالج عبر زرع خلايا جذعية (نخاع العظام).
يقول محمد العبادي (51 عاماً) من سكان مدينة الموصل، وهو والد أحد المصابين بمرض الثلاسيميا لـ"العربي الجديد": "اكتشفت إصابة ابني زيد المولود عام 2009 بالمرض حين كان في الثالثة من العمر، وبدأت رحلة مريرة بين المستشفيات ومراكز الدم لمحاولة إنقاذه من الموت. وأنا أذهب شهرياً إلى مركز الثلاسيميا لمنح دم لابني، وتأمين علاجات له خاصة بخفض كميات الحديد الناتجة من تلقي جرعات الدم بطريقة تراكمية".
يضيف: "يعيش ابني حياة مأساوية بسبب مرض الثلاسيميا الذي أفقده القدرة على العيش في شكل طبيعي، واللعب مع الآخرين، والدراسة وممارسة الرياضة. يشعر مريض الثلاسيميا باستمرار بنحول ودوار نتيجة فقر الدم، وتتعرض عظامه لكسر ما يجبره على عدم اللعب مع أصدقائه، ويواجه مشكلات نفسية في المدرسة بسبب نظرة زملائه إليه باعتباره مريضاً ومصاباً بأعراض مثل بطء النمو وتغيّر لون الجلد وظهور بقع في الجسم". ويعتبر العبادي أن إنشاء مستشفى "الحدباء" لمرض الثلاسيميا وزراعة نخاع العظم بارقة أمل لشفاء ابنه، خاصة أنه لا يستطيع تحمل تكاليف إجراء عملية خارج العراق.

الصورة
استمرار الدعم الحكومي ضروري لاستمرار عمل مستشفى "الحدباء" (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
استمرار الدعم الحكومي ضروري لاستمرار عمل مستشفى "الحدباء" (حيدر محمد علي/فرانس برس)

ويخبر مدير مستشفى "الحدباء" الدكتور مدين الغريري، "العربي الجديد"، أن المستشفى أجرى ثلاث عمليات لزراعة نخاع العظم لا يزال أصحابها قيد العلاج. ويقول: "في حال استمر دعم المستشفى بالمستلزمات والأدوية الضرورية، ستنفذ الخطة الموضوعة لعلاج جميع مرضى الثلاسيميا الذين يمكن أن يخضعوا لعملية زرع نخاع العظم، علماً أن خطة عام 2024 تهدف إلى إجراء 10 عمليات لزراعة نخاع عظم، و20 عملية عام 2025. وكل العمليات خطرة لكن نسبة نجاحها تتجاوز 90 في المائة".
يتابع: "يبلغ عدد المرضى المسجلين في مركز الثلاسيميا بمحافظة نينوى 1100، أما معدل الوفيات السنوية فبين 2 و3".
ويشير إلى أن المشكلة التي تواجه المركز التخصصي في الموصل هي شحّ الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بمرضى الثلاسيميا. وتجرى العمليات مجاناً على نفقة وزارة الصحة، لكن ذوي المرضى يشترون العلاجات المكلفة جداً بعدما قررت الوزارة خصخصتها".
من جهته يؤكد رئيس جمعية الثلاسيميا في نينوى، ثائر إبراهيم الطائي، تراجع الإصابات بالمرض في المحافظة بشكل لافت، بتأثير فرض إجراء فحص الثلاسيميا قبل عقد الزواج في المحكمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "أخذت جمعية الثلاسيميا التي تشكلت بعد عام 2003، على عاتقها مساعدة المصابين والبحث عن وسائل لعلاجهم داخل العراق وخارجه. وقد نجحت في إرسال 49 مريضاً إلى إيطاليا حيث خضعوا لعمليات زراعة نخاع عظم تكللت 47 منها بنجاح، لكن برنامج نقل المصابين إلى إيطاليا توقف بعد افتتاح مستشفى الحدباء في الموصل، وبدء الكادر الإيطالي الذي دعم الجمعية سابقاً الإشراف على تأهيل وتدريب الكوادر الطبية في نينوى بحسب عقد بين إيطاليا والعراق".

ويدعو الطائي، وهو والد مصابة بمرض الثلاسيميا خضعت لعملية ناجحة لزراعة نخاع العظم في إيطاليا، وزارة الصحة إلى مواصلة الدعم ومضاعفته لمستشفى "الحدباء" لأمراض الدم في الموصل "لأنه النواة الحقيقية لعلاج مرضى الثلاسيميا في العراق"، ويشدد على ضرورة اعتماد برنامج وطني يفرض إجراء فحص الثلاسيميا قبل الزواج لمنع تسجيل إصابات بالمرض في المستقبل.
بدورها، تأمل منى محمد (31 عاماً)، وهي مريضة بالثلاسيميا من سكان قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى، في أن تزيد وزارة الصحة دعمها لمستشفى "الحدباء" كي يستطيع إجراء أكبر عدد من عمليات زراعة نخاع العظم، وتغطية علاجات جميع المصابين. وتقول لـ"العربي الجديد": "يترقب المرضى ما سيحققه هذا المستشفى في الفترة المقبلة لإنهاء معاناتهم المتكررة مع الحصول على دم وتلقي علاجات منتظمة شهرياً". تتابع: "من المستحيل إجراء عمليات زراعة نخاع العظم لغالبية مرضى الثلاسيميا لأنهم من محدودي الدخل، في حين تكلّف العمليات 250 ألف دولار على نفقة ذوي المريض في إيطاليا، و70 ألف دولار في الهند، ونتائجها غير مضمونة".

المساهمون