الموت يغيب محمود الخضيري أحد الرموز البارزة في "تيار استقلال القضاء" المصري

01 سبتمبر 2024
وفاة المستشار محمود الخضيري عن عمر ناهز 84 عاماً، (أرشيف/فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وفاة المستشار محمود الخضيري، رئيس لجنة الشؤون التشريعية السابق في البرلمان المصري، عن عمر 84 عاماً بعد صراع مع المرض. شغل مناصب قضائية بارزة وناضل لاستقلال القضاء في مصر.
- اعتقل في نوفمبر 2013 لمعارضته انقلاب الجيش على الرئيس مرسي، وسجن لمدة ست سنوات، حيث عانى من تفاقم الأمراض المزمنة ومنع الأدوية عنه.
- كان مدافعاً عن القضية الفلسطينية وله مؤلفات قانونية عديدة، ووصفه زملاؤه بأنه رمز من رموز استقلال القضاء في مصر.

غيب الموت، اليوم الأحد، رئيس لجنة الشؤون التشريعية السابق في البرلمان المصري، المستشار محمود الخضيري عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض. وشغل الخضيري منصب نائب رئيس محكمة النقض، ورئيس نادي قضاة الإسكندرية سابقاً، وكان عضواً بارزاً في "تيار استقلال القضاء" إبان حكم الرئيس الراحل المخلوع، حسني مبارك.

ونعى كثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين المصريين الخضيري، الذي عد واحداً من أبرز زعماء حركة استقلال القضاء، وكانت له مواقف واضحة ضد نظام مبارك خلال أزمة القضاة عامي 2005 و2006، حيث طالب بتعديل قانون السلطة القضائية واستقلالها، ومنع سيطرة السلطة التنفيذية على أعمالها.

ولد الخضيري في 13 يناير/كانون الثاني 1940 بمركز طهطا في محافظة سوهاج (جنوب مصر)، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس عام 1963، وعين وكيلاً للنائب العام في السنة نفسها، وتدرج في المناصب القضائية حتى أصبح نائباً لرئيس محكمة النقض الأعلى في البلاد.

المستشار محمود الخضيري ومعارضة الانقلاب العسكري

اعتقل الخضيري من منزله في مدينة الإسكندرية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، على خلفية معارضته انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز من ذلك العام، ثم وجهت إليه تهمة كيدية بشأن احتجاز أحد المحامين لمدة ثلاثة أيام، وتعذيبه، وهتك عرضه داخل مقر إحدى شركات السياحة في ميدان التحرير، خلال أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وصدر بحقه حكم نهائي بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أيدت محكمة النقض حكم جنايات صادر في نهاية 2017 بسجن الخضيري ثلاث سنوات أخرى، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"إهانة القضاء"، والتي وجهت إليه فيها اتهامات بالإساءة للقضاة في أثناء انعقاد جلسات مجلس الشعب، رغم تمتعه بحصانة برلمانية وقت ارتكاب الجريمة المزعومة.

وعانى الخضيري، في سجنه الذي استمر ست سنوات وأسبوعاً، من تفاقم الأمراض المزمنة التي كان مصاباً بها، ورغم حسن سلوكه في السجن، وشيخوخته، لم توافق السلطات المصرية على الإفراج عنه بنصف أو ثلثي المدة، ما أثار حنق وانتقاد العديد من المنظمات الدولية التي أبرزت حالته الإنسانية.

وتدهورت الحالة الصحية للخضيري بسبب منع الأدوية عنه داخل السجن، وعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة، علماً بأنه كان يعاني من عدم الرؤية جيداً، وآلام شديدة في ركبتيه تعجزه عن السير أو الوقوف إلا بمساعدة الآخرين، فضلاً عن أمراض أخرى مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب، حيث كان من المعتاد لسجناء سجن طرة السياسيين أن يطالعوا شبح شيخ طاعن يحاول استثمار ساعة التمريض في المشي، فلا يقدر إلا على السير لبضع خطوات، ثم يتوقف، ثم يقبل عرضاً بأن يتكئ على واحد من السجناء السياسيين الشباب، ثم يقف شاكراً وعاجزاً عن استكمال السير حتى وهو مستند على أحدهم. لأول وهلة، كانت ملامح الوجه الشهير قد تبدلت فصار من الصعب التعرف على صاحبها، بحكم السن الطاعن من ناحية، وبحكم ظروف القهر في السجن من ناحية أخرى، بيد أن من كان يتأمله سرعان ما يهتف مستوثقاً: "المستشار الخضيري؟".

المستشار محمود الخضيري والقضية الفلسطينية

وكتب الراحل الخضيري في مثل هذه الظروف التي يمر بها الفلسطينيون، مقالاً عن غزة في يناير 2010 بجريدة المصري اليوم جاء فيه: "كيف يطمئن الإخوة في غزة لسلامة أهداف مصر من القضية الفلسطينية وهم يرون مصر كل يوم تتفنن فى وسيلة إحكام الحصار عليهم، وآخرها جدار العار الذي تحاول بناؤه بينها وبين القطاع لمنع شريان الحياة الذى يمد الإخوة بالضروري من القوت والدواء، بحجة حماية الأمن القومي المصري الذي تهدده هذه الأنفاق التي لم يتم حفرها إلا بعد سد الطرق الشرعية في وجه الشعب في غزة. الأمن القومي لمصري خط أحمر لا يسمح بالمساس به لأي إنسان، ولكن هل نفعل ذلك في مواجهة العدو الحقيقي الذى اعتاد المساس به، والذي يهدده حقيقة أشد تهديد، وهو الإسرائيليون". مضيفاً أن "وجود الأنفاق بين حدود الدول أمر غير طبيعي، ولكن إغلاق الحدود لتعذيب الإخوة وخنقهم حتى يموتوا جوعاً هو الذي ألجأ إليه".

وللخضيري مؤلفات قانونية عديدة، منها "دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية"، و"دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع"، و"تشريعات السلطة القضائية في دولة الإمارات"، بالإضافة إلى نشره مجموعة من الأبحاث عن "عقد التأمين في ضوء الشريعة والقانون"، وحول "أثر فرض الحراسة على تصرفات الحارس في المال موضع الحراسة".

قضاه ينعون الخضيري

من جانبه، وصف المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار الخضيري بأنه واحد من أبرز رموز تيار الاستقلال وأحد من خاضوا أبرز المعارك للحفاظ على هيبة القضاء واستقلاله وتجرده، بل كان واحداً من أبرز الذين نقلوا معركة الاستقلال من الغرف المغلقة للرأي العام ليتحول إلى نصير للقضاة في قضيتهم العادلة.

وأوضح دربالة لـ"العربي الجديد"، أن "الخضيري عاش حياته مناضلاً ومدافعاً صلداً عن استقلال القضاء، وهو الاستقلال الذي سيحفظ إرادة الشعب ويصون حريته، بل كثيراً ما تبنى مواقف قوية ضد الظلم والاستبداد والديكتاتورية، ودفع ثمناً باهظاً لذلك سواء قبل ثورة يناير أو بعدها، بل لم تلن له قناة أبداً في الدفاع عمّا يعتقده".

المستشار سليمان: تصدى الخضيري لمحاولات تزوير الانتخابات البرلمانية والرئاسية وخاض معارك شرسة للحفاظ على إرادة الشعب

أما المستشار أحمد سليمان، وزير العدل المصري الأسبق، فوصف الخضيري في نعيه بأنه "واحد من أعظم رجالات مصر وعلم من أعلامها ورمز من رموز استقلال القضاء في مصر، وأحد مؤسسي تيار الاستقلال، بل لا أكون مبالغاً حين أقول إن شرارة استقلال القضاء بدأت من الإسكندرية حيث بذل الخضيري الغالي والنفيس لصيانة استقلال القضاء من محاولات الهيمنة الرسمية عليه". 

وأضاف سليمان قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن أنسى أبداً تصدي الخضيري لمحاولات تزوير الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأنه خاض معارك شرسة للحفاظ على إرادة الشعب وعدم التغول عليها، ولصيانة حقه في الحياة الكريمة والحرية واختيار حكامه وممثليه بعيداً عن الزيف والتزوير، وعن حقه في استغلال ثرواته ومقدراته بعيد عن سطوة الفاسدين، وهي مواقف دفع الخضيري ثمنها غالياً، واليوم هو ينعم بثواب ما قدم".

وعدد وزير العدل المصري الأسبق صفحات خالدة في سجل رمز استقلال القضاء السابق، مشيراً إلى دفاع الخضيري عن "حق شعب غزة المحاصر في الحرية والاستقلال"، قائلاً "قاد قوافل لإغاثة غزة ووصل بها إلى الحدود، ومُنع قسراً من تحقيق ما أراد في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، واليوم يرحل الخضيري وقد فضحت المجازر الجارية وصمود الشعب الفلسطيني كل الأنظمة المستبدة في العالم ومعها المؤسسات الدولية، وأظهرت هشاشتها وعدم جدوى وجودها، وهو ما ينطبق على ما يطلق عليه القوانين الدولية".

المساهمون