المغرب يواجه امتحان إيواء المتضررين

المغرب يواجه امتحان إيواء المتضررين

16 سبتمبر 2023
خيام للمتضررين من الزلزال (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور أسبوع على أعنف زلزال يشهده المغرب منذ نحو قرن، والذي خلّف ما يقارب 3000 قتيل، تواجه السلطات المغربية امتحان إيواء آلاف المنكوبين الذين فقدوا منازلهم، وإعادة إعمار المناطق التي دمرت في خمسة أقاليم. وتُواصل السلطات المغربية جهود إنقاذ وإسعاف الضحايا وعملية إحصاء الخسائر في المباني والطرقات، في حين أعلنت وزارة التجهيز والماء نجاحها في فتح جميع الطرقات التي كانت مقطوعة من جراء الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز. وقامت فرق التدخل التابعة للوزارة بفتح مجموعة من الطرقات غير المصنفة للوصول إلى الدواوير المعزولة، مؤكدة أن أشغال فتح وتوسعة الطرقات لا تزال متواصلة. 
ومع تضاؤل الآمال بإيجاد ناجين جدد تحت الأنقاض، ينتظر أن ترتكز جهود السلطات المغربية على إيصال المزيد من المساعدات إلى المناطق المنكوبة، وعملية إيواء المتضررين من الزلزال. ومنذ وقوع كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب مدناً بالمغرب، وخلف آلاف القتلى والجرحى، تطرح قضية إيواء السكان المتضررين كتحدّ إضافي للقائمين على عمليات الإغاثة، لا سيما مع اقتراب بدء فصل الشتاء. 
وكانت لافتةً خلال الأيام الماضية، الحاجة الماسة إلى توفير الخيام للأشخاص الذين فقدوا بيوتهم. وباتت الخيام مطلباً لمئات العائلات في الأقاليم الأكثر تضرراً (شيشاوة والحوز وأزيلال وتارودانت). ومع مرور الوقت، تمكنت السلطات المغربية من توفير مجموعة من الخيام المؤقتة للناجين من الزلزال المدمر، إذ لم تعد البيوت الجبلية بمعظمها صالحة للسكن بسبب التصدعات والتشققات في جدرانها، في حال لم تكن قد دمرت بالكامل.
وعلى طول الحزام الجبلي الممتد من إقليم الحوز إلى شيشاوة، نصبت مئات الخيام بسبب عدم كفاية مراكز الإيواء في تلك المناطق التي تفتقر إلى البنى التحتية والمرافق الأساسية المطلوبة. وفي ظل دمار العديد من المنازل أو تضررها من جراء الزلزال، وجدت نحو مائتي أسرة في قرية تكنارين بإقليم شيشاوة نفسها مضطرة إلى تقاسم الخيام، في انتظار وصول كميات أخرى. ويقول كاتب عام جمعية "تكنارين للتنمية والتضامن" مصطفى أجيار، لـ "العربي الجديد": "وصلت إلينا 108 خيم من قبل وزارة الداخلية و13 خيمة من فاعل جمعوي، وننتظر وصول 16 خيمة أخرى من المجلس الإقليمي. لكن يبقى عدد الخيام غير كاف لعدد سكان القرية البالغ أكثر من مائتي أسرة، أي أكثر من 600 شخص".

في المقابل، يؤكد أحد المتضررين من الزلزال الذي ضرب منطقة أمزميز، أحمد بوتمارت، في حديثه لـ "العربي الجديد"، على حاجة الناجين الماسة إلى سكن يقيهم البرد والشتاء، قائلاً: "نحن مقبلون على فصل شتاء قد يكون صعباً في المنطقة، والخيام التي نتواجد فيها حالياً لن تقينا من انخفاض درجات الحرارة". 
وإزاء هذا الواقع، عرضت السلطات المغربية، أول من أمس، خطتها لإيواء المتضررين من الزلزال. وأُقرّت الخطة خلال اجتماع عمل ترأسه الملك محمد السادس من أجل تفعيل برنامج الطوارئ لإعادة إيواء المتضرّرين من الزلزال والتكفل بالفئات الأكثر تضرراً، وتتضمّن منح الدولة مساعدة طارئة بقيمة 30 ألف درهم مغربي (نحو 3000 دولار أميركي) للأسر المعنيّة.
كذلك، تشمل الخطة مبادرات طارئة للإيواء المؤقّت، من خلال "صيغ إيواء ملائمة في المناطق نفسها، وفي مساكن مقاومة للبرد والاضطرابات الجوية، أو في مراكز استقبال مهيّأة تتوفّر على كلّ المرافق الضرورية". وتقوم الخطة على برنامج إعادة إيواء يستهدف سكان نحو 50 ألف مسكن انهارت كلياً أو جزئياً على مستوى الأقاليم الخمسة المتضرّرة، بحسب ما كشف بيان للديوان الملكي، أشار إلى أن عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى، ويجب أن تُنجز في ظلّ احترام الشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والإنصات الدائم لاحتياجات السكان المعنيين.

المغرب (ألكسي روزنفيلد/ Getty)
يحتاج المنكوبون إلى المزيد من الخيام (ألكسي روزنفيلد/ Getty)

ويهدف البرنامج كذلك إلى اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار بعد عمليات تهيئة مطلوبة. ومن المقرّر تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم (نحو 14 ألف دولار) للمساكن التي انهارت كلياً، و80 ألف درهم (نحو 8000 دولار) لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئياً.
وأكد العاهل المغربي أنّ عملية إعادة الإعمار "لا بد أن تأتي على أساس دفتر للتحمّلات، وبإشراف تقني وهندسي بطريقة تنسجم مع تراث المنطقة الذي يحترم الخصائص المعمارية المتفرّدة". وقال إن "الاستجابة يجب أن تكون قوية وسريعة واستباقية، مع احترام كرامة الساكنة (السكان) وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم". وشدّد على ضرورة "ألا تؤدي الإجراءات فقط إلى إصلاح الأضرار التي خلّفها الزلزال، إنّما إلى إطلاق برنامج مدروس ومندمج وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضرّرة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنى التحتية أو رفع جودة الخدمات العمومية".


وبحسب بيان الديوان الملكي، فإن "هذا البرنامج ذا الأبعاد المتعددة من شأنه أن يعبّئ أساساً الوسائل المالية الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية، وسوف يكون كذلك مفتوحاً للمساهمات الواردة من الأفراد والمؤسسات الخاصة، ومن الدول الشقيقة والصديقة التي ترغب في ذلك".
إلى ذلك، يؤكد رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان عادل تشكيطو، لـ "العربي الجديد"، على "ضرورة تشديد الرقابة على إيواء المتضررين من الزلزال واستمرار الإشراف المباشر لملك البلاد على العملية حتى يتم تفادي أية اختلالات". ويوضح أنه منذ وقوع الكارثة، كان هناك تأكيد من منظمته على الحرص على تسريع عملية إيواء المنكوبين وعدم المماطلة والتأخر فيها، على أن تشمل جميع المتضررين من الزلزال، لافتاً إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة المغربية هي في محلها، وهي واجب على الدولة حيال مواطنيها المتضررين من الكوارث، بالإضافة إلى تفعيل القانون رقم 14/ 110 المتعلق بإحداث نظام التغطية ضد عواقب الوقائع الكارثية.

وكانت المملكة قد أطلقت صندوقاً خاصاً بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، يستقبل الإسهامات التطوعية والتضامنية من المواطنين والمؤسسات الرسمية والمدنية. وسيخصص الحساب لتحمل مجموعة من العمليات من بينها النفقات المتعلقة بالبرنامج العاجل لإعادة التأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة في المناطق المتضررة.
كما تشمل هذه العمليات النفقات المتعلقة بالتكفل الفوري بكافة الأشخاص من دون مأوى من جراء الزلزال، لا سيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية، والنفقات المتعلقة بتشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية، والنفقات المتعلقة بتشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية على مستوى كل جهة من المغرب من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث، وجميع النفقات الأخرى المرتبطة بتدبير آثار هذا الزلزال. 

المساهمون